الرباط: قال عبد الواحد بن نصر، أستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، إن مراحل العمليات الأولى للتنقيب بموقع جبل "إيغود" في إقليم اليوسفية (جنوب شرق الدار البيضاء) بدأت بمحض الصدفة، حينما قامت الشركة المغربية للمعادن سنة 1960 بتفجير أجزاء من الجبل، لتظهر جمجمة بشرية كانت مطمورة وسط الأتربة، ويتدخل مختصون لدراسة الموقع والقيام بحفريات فيه خلال ستينيات القرن الماضي.

وأوضح بن نصر في اتصال مع"إيلاف المغرب" أن عمليات البحث والتنقيب "التي قمنا بها أسفرت عن اكتشاف بقايا الإنسان "أوموسابينز"، عظام للحيوانات، إضافة إلى مجموعة كبيرة من أدوات حجرية منحوتة"، مشيرًا الى انه يتضح من خلال دراسة الأحجار اليدوية أن الموقع يعود لفترة العصر الحجري الوسيط".

وأضاف بن نصر "الموقع معروف منذ الستينات والبقايا العظمية معروفة هي الأخرى، إلا أن التأريخ لم يكن محددًا بالنسبة لتحديد أعمار البقايا البشرية المكتشفة، بالنظر لصعوبة استعمال طريقة واحدة للتأريخ، ويتعلق الأمر بعملية التأريخ باستخدام الكربون المشع، والمعروفة بتقنية "الكربون 14"، والتي تسمح بتحديد تاريخ لا يتجاوز 40 إلى 60 ألف سنة فقط، لذلك فالموقع أقدم بكثير من التاريخ الذي قمنا بالإعلان عنه".

في السياق ذاته، شدد بن نصر على ضرورة القيام بدراسة جديدة تأخذ في الاعتبار هذا المعطى، وتمكن من التوصل إلى تأريخ مجموع البقايا التي وجدت بالموقع، منها ما تم اكتشافه خلال فترة الستينات أو تلك التي حصل عليها فريق البحث في إطار عمليات التنقيب.

صورة الباحث المغربي عبد الواحد بن نصر رفقة الباحث الالماني

وحول الإضافة التي يشكلها هذا الاكتشاف بالنسبة للمغرب، أكد الأستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث أن الأمر يتعلق بإضافة نوعية وطفرة بالنسبة للمختصين الذين يجعلون من أفريقيا الشرقية مهدًا لـ"الأوموسابينز"، مضيفاً أن ما كان معروفًا في السابق هو كون أقدم تاريخ يعود إلى 200 الف سنة سنة بأفريقيا الشرقية، في حين أن الاكتشاف الجديد منح 100 الف سنة إضافية، لتمتد أصول "الأوموسابينز" إلى 300 الف سنة.

وبشأن التساؤلات المطروحة حول أن المغرب قد أصبح مهدًا للإنسانية بناء على هذا الاكتشاف الجديد، أفاد بن نصر قائلاً "الأمر ليس بهذه السهولة، فحينما نأخذ جمجمة "الأوموسابينز" نجد أنه ليس الوحيد الذي يمثل هذا التاريخ، هناك آخر ظهر في أفريقيا الجنوبية قبل 260 الف سنة و كذلك إثيوبيا قبل 295 سنة، لذا، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الأحجار المستعملة في الموقع والأدوات اليدوية هي لقى تاريخية وجدت كذلك في أفريقيا الشرقية، وفي جنوب أفريقيا هناك تشابه بينهم.

جمجمة "الأوموسابينز"

واضاف بن نصر " في التاريخ الممتد عبر 300 الف سنة لم تكن الصحراء موجودة، وإذا كان هناك تشابه بين الأحجار المكتشفة، فالإنسان كان ينتقل بين جميع الجهات لكي يعمل على توصيل مهاراته الخاصة بنحت الحجر، عمومًا فأصول"الأومو سابينز" أفريقية، وأقدم تاريخ معروف لها هو 300 الف سنة، والذي اكتشف في جبل "إيغود" بالمغرب".

و أفاد بن نصر أن العمل البحثي القائم في موقع جبل إيغود يخضع لبرنامج بحث صارم، بداية من 2004، حيث تم تدشين جيل جديد من الأبحاث، و تم العثور على أولى اللقى بداية من 2007.

يذكر ان وزارة الثقافة المغربية أعلنت في بيان لها أن فريقًا علميًا مغربيًا ألمانيّا اكتشف "بقايا أقدم إنسان لصنف الإنسان العاقل" أي"الأوموسابينس"، و هو نوع منقرض شبيه بالإنسان، عاش في أفريقيا قديمًا، ويُقصد به الإنسان العاقل البكر أو أوّل إنسان عاقل، ويرجح أن هذا النوع هو السلف المباشر للإنسان العاقل الذي تطور بعد ذلك.

وكان الفريق العلمي، الذي توصل إلى هذا الاكتشاف، تحت إشراف كل من الباحث المغربي بن نصر، عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال، والباحث الألماني جان جاك يوبلان، عن معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا المتطورة في ألمانيا.