جرود عرسال: في منطقة جرود عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا، يخوض حزب الله معركة "صعبة"، بحسب ما يقول مقاتلوه، ضد جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) المتحصنين منذ سنوات في الهضاب والاودية والمغاور في الارض الجبلية الوعرة.
وعلى تلة مشرفة على اخر مربع تتحصن فيه مجموعات المقاتلين السوريين، يتجمع عدد من مقاتلي حزب الله وقيادييه الاربعاء يتبادلون الحديث ويبتسمون ويرسلون تعليمات عبر اجهزة لاسلكي يحملونها على وقع دوي قصف ودخان ينبعث من الوادي المجاور حيث تتركز المعارك.
تقدم حزب الله إلى هذه التلة الثلاثاء في إطار هجوم بدأه الجمعة من جانبي الحدود اللبنانية والسورية ضد جبهة فتح الشام، (جبهة النصرة التي غيرت اسمها بعد اعلانها فك ارتباطها مع القاعدة).
يقول قيادي بارز من حزب الله لوكالة فرانس برس على هامش جولة نظمها الحزب لوسائل إعلام محلية وأجنبية في المكان "طبيعة المنطقة في جرود عرسال قاسية، لكن جبهة النصرة تمكنت منها، وتحصنت على تلالها وفي كساراتها التي حولتها منشآت قتالية لا يقوى حتى الطيران عليها".
يوضح القيادي الذي اشترط عدم ذكر اسمه او صفته وهو يحمل سلاح كلاشينكوف وجهاز اتصال لاسلكي وعلى بعد أمتار منه يرفرف العلم اللبناني الى جانب راية الحزب الصفراء "الحرب ضد النصرة في هذه المنطقة صعبة لان تمركزها في المرتفعات مكنها من الاحتفاظ بالمبادرة الى الدفاع". ثم يضيف "لكن عزيمة المقاومة وتمرسها في القتال وروح الثبات مكننا من التقدم".
ومساء الاربعاء قال الامين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب عبر تلفزيون المنار التابع للحزب "نستطيع القول إننا أمام انتصار عسكري وميداني كبير". اضاف "أمس بدأت المفاوضات الجدية. الذي يتولى المفاوضات هي جهة رسمية لبنانية تتصل بنا ومع جبهة النصرة المتبقية في جرود عرسال"، مشددا على ان "هناك طريقين - الميدان والمفاوضات - والاثنين سالكان".
واكد نصر الله استعداد حزبه لتسليم الاراضي التي سيطر عليها مقاتلوه الى الجيش اللبناني. وقال "جاهزون ان نسلم الارض الى الجيش اللبناني، ونأمل ان تتحمل قيادة الجيش هذه المسؤولية، لكي يتاح لاهل عرسال العودة الى ارضهم وبساتينهم ومقالعهم".
ويقاتل حزب الله اللبناني منذ العام 2013 الى جانب قوات النظام في سوريا. وتثير مشاركته هذه انقساماً واسعاً في لبنان. الا ان المعركة الحالية التي يخوضها قرب عرسال تواجه بغض نظر من جانب خصومه السياسيين وتلقى نوعاً من التعاطف الشعبي في لبنان حيث تخشى شرائح واسعة من الناس انتقال خطر الجهاديين من سوريا المجاورة.
وتقتصر المعلومات عن سير المعارك في جرود عرسال على ما ينشره حزب الله و"الاعلام الحربي" التابع له أو وسائل الاعلام القريبة منه. ويمنع الجيش اللبناني دخول الصحافيين الى بلدة عرسال.
وفي الطريق المتعرجة صعوداً ونزولاً من بلدة يونين (على بعد عشرة كيلومترات شرق بعلك) حتى تلة القريّة في جرود بلدة عرسال، تترامى مساحات شاسعة معظمها قاحل، بإضافة إلى حقول مزروعة باشجار كرز ومشمش، نضجت ثمارها من دون أن يتمكن مالكوها من قطفها.
على طول الطريق، تجول اليات وعربات وسيارات رباعية الدفع داخلها مقاتلون بلباس عسكري وتنتشر مراكز عدة للحزب، قرب احدها مدافع على عربات وآليات اضافة الى عشرات المقاتلين، بعضهم مدجج بالسلاح وفي حال جهوزية والبعض الآخر يستريح في خيم أقيمت بين الأشجار.
حماية الجيش
وفي العام 2014، طردت القوات النظامية مدعومة من حزب الله مقاتلي المعارضة من مناطق في القلمون في ريف دمشق، ففرت اعداد كبيرة من هؤلاء الى الجرود الواقعة على الحدود اللبنانية، وتحول بعضها الى مجموعات جهادية.
تسلل العديد من هؤلاء المقاتلين الى داخل الاراضي اللبنانية التي كانوا يواصلون الانطلاق منها لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا، لكنهم نفذوا ايضا عملية كبيرة في لبنان في صيف العام 2014 تمكن الجيش من صدها.
ويكتفي الجيش هذه المرة بدور دفاعي، فيما يخوض حزب الله الذي يملك ترسانة عسكرية ضخمة المعارك. ويشدد مقاتلوه على انهم تمكنوا منذ بدء هجومهم من حماية "ظهير الجيش اللبناني" من الهجمات التي كان يشنها مقاتلو جبهة فتح الشام انطلاقا من المواقع التي طردوا منها في الايام الاخيرة.
ويقول القيادي "نحن نحمل الخطر عن لبنان، خطر التفجيرات والخلايا الارهابية". وردا على سؤال حول توقيت المعركة يقول "لماذا نقاتل النصرة في حلب، ولا نقاتلها هنا في لبنان؟". وفي جرود عرسال ايضا مخيمات تؤوي عشرات الاف اللاجئين السوريين. ويشارك الطيران الحربي السوري بدعم هجوم حزب الله عبر استهدافه مواقع وتحركات المسلحين.
وشاهد صحافيون بينهم فريق فرانس برس الاربعاء ضابطا برتبة عقيد في الجيش السوري على متن دبابة تحمل لوحة تسجيل سورية لدى مغادرتهم برفقة مقاتلين من حزب الله جرود البلدة المتداخلة مع سوريا. وبحسب تقديرات حزب الله، تراجعت مناطق سيطرة مقاتلي هذه المجموعة في جرود عرسال الى مربع "لا تتجاوز مساحته التسعة كيلومترات، ولم يبق الا نحو مئتين من مقاتليها".
ويحصي قياديو الحزب مقتل 120 من هؤلاء المسلحين، فيما انسحب اخرون باتجاه مخيمات النازحين، بحسب الحزب، أو الى مناطق مجاورة يقول انها تحت سيطرة تنظيم داعش. ويحتجز تنظيم داعش في تلك المنطقة 9 جنود من الجيش اللبناني خطفهم بعد عملية عرسال في صيف العام 2014.
قتال داعش
ورغم اعلان الحزب ان المعركة شارفت على نهايتها، يوضح القيادي ان "معركة الجرود لم تنته بعد". ويقول "لدى النصرة عقيدة ومقاتلوها أقوياء، ونحن أيضاً لدينا عقيدة، وان كانت مختلفة وأقوياء".
وشيّع حزب الله منذ بدء الهجوم نحو عشرين من مقاتليه قضوا خلال المعارك. ويقول القيادي بينما يبتسم مقاتلون يقفون قربه "السيد (نصرالله) سيحدد مساء مسار القتال مع داعش".
ويكرر اكثر من مسؤول ميداني في حزب الله ان قتال تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة تشمل جزءاً صغيراً من جرود عرسال وجرود بلدتين محاذيتين لها حدوديتين مع سوريا، لن يكون بـ"مهمة صعبة، باعتبار ان مقاتليه بضعة مئات ينتشرون في منطقة شاسعة".
التعليقات