تواجه الديمقراطية التونسية الفتية تحديات كبيرة. فالأجهزة الأمنية بعيدة عن الإصلاح، والمسؤولون الفاسدون متنفذين. لكن هذا لا يمنع هيئة الحقيقة والكرامة من تنفيذ أجندتها المستقلة في المحاسبة.

إيلاف من لندن: يقول المثل العربي "اللي فات مات". بعد ثماني سنوات على الربيع العربي، تتعامل غالبية الأنظمة العربية التي شهدت انتفاضات مع هذه المثل على أنه سياسة من الواجب تنفيذها. تلاحظ مجلة إكونوميست أن مصر، وإن حاكمت بعض وزراء من عهد حسني مبارك، فإن رئيسها المخلوع يتمتع بتقاعد هادئ. والذين قتلوا حكامهم في ليبيا واليمن يرتكبون الآن فظائع جديدة، في حين أن دكتاتور سوريا&بشار الأسد يريد أن ينسى العالم مسؤوليته عن إشعال حرب أهلية وإشاعة الخراب في بلده.

تعذيب وتغييب

تونس تختلف عن بلدان الربيع العربي الأخرى. في 14 ديسمبر، عقدت هيئة الحقيقة والكرامة إجتماعها العلني الأخير. يمتد تفويض الهيئة المشكلة على غرار لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا إلى عام 1955، أي قبل أن تنال تونس استقلالها من فرنسا. لكن الهيئة ركزت جلّ عملها على نظام زين العابدين بن علي الذي حكم بين عامي 1987 و2011. وبحلول نهاية 2018، سترفع الهيئة إلى الحكومة تقريرها النهائي عن جرائم هذا النظام استنادًا إلى مقابلات مع نحو 50 ألف شاهد أو قرابة شخص من بين كل 230 تونسيًا.

تحدث الكثير من الشهود عن التعذيب في أقبية مظلمة، وتغييب أقارب لهم، وفساد الشرطة والموظفين. قدم بعض الشهود أدلة على جرائم ارتُكبت منذ عقود. ونقلت إكونوميست عن سهام بن سدرين، رئيسة الهيئة، قولها: "من حق الضحايا أن ينسوا، وواجبنا التوصل إلى الحقيقة".

لكن الحكومة صعّبت مهمة الهيئة بعدما&رفضت وزارة الداخلية والقضاء العسكري السماح لها بالإطلاع على ملفاتهما. واتهم منتقدون بن سدرين بسوء الإدارة، فيما ذهب أفاقون إلى حد اتهامها بالفساد,

ليس متحمسًا

أُحيل نحو 20 قضية إلى المحاكمة في محاكم خاصة. لكن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ليس متحمسًا لإحالة آلاف القضايا الأخرى على&القضاء، بحسب إكونوميست، مشيرة إلى أنه تحدث عن طيّ صفحة الماضي وتصويت حكومته في مارس الماضي على عدم تمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة، الذي كان من المقرر أن ينتهي في مايو. لكن محكمة نقضت لاحقًا هذا القرار.

كما يواجه السبسي أزمة سياسية. فحزبه، نداء تونس، إئتلاف شائك يضم رجال أعمال أثرياء وقادة عماليين وعناصر من النظام القديم، ويقوده نجله حافظ.، وانشق زهاء نصف نواب نداء تونس عن الحزب منذ انتخابات 2014. بعضهم يؤيد رئيس الوزراء التكنوقراطي يوسف الشاهد الذي تنافس على رئاسة الحكومة مع حافظ السبسي. وقرر حزب نداء تونس تعليق عضوية الشاهد في سبتمبر الماضي، بعدما&استهدفت الحرب التي أعلنها على الفساد أشخاصًا قريبين من الحزب.

عدالة الانتقام

ثمة تحديات كبيرة تواجه الديمقراطية التونسية الفتية. فالأجهزة الأمنية ما زالت بعيدة عن الإصلاح، والكثير من المسؤولين الفاسدين ما زالوا متنفذين.

من الجائز أن يُنسى تقرير هيئة الحقيقة والكرامة، لكن الهيئة رغم ما اعترى عملها من ثغرات هيئة لا سابق لها في العالم العربي، على حد قول إكونوميست، منوهة بأن ملايين التونسيين كانوا مسمرين أمام شاشات التلفزيون لمتابعة جلساتها والاستماع إلى شهود يقدمون إفادات مروعة عما عانوه أمام الجمهور.

حضر ناشطون من بلدان عربية أخرى لرؤية ما مُنعوا منه في بلدانهم، واللافت أن مجموعتين من المحتجين تجمعتا&خارج المكان الذي عقدت فيه الهيئة جلستها النهائية، رفعت إحداهما صور الضحايا، ولوّحت أخرى بلافتات تستنكر ما سمتها "عدالة الانتقام". وقف أفراد الشرطة بين المجموعتين، ولم يتعرّض أحد للضرب بهراوات الشرطة أو الاعتقال والحبس في أقبية.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:

https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2018/12/22/unlike-other-arab-regimes-tunisias-remembers-old-crimes