لندن: في العام الماضي، اكتشف باحثون أن تغيرات جينية بيئية معينة يمكنها الانتقال إلى 14 جيل في سلالسة الحيوان، وهي أطول فترة تمت ملاحظتها في سلالة من الديدان الخيطية (الديدان المستديرة).
ذاكرة التوهج
لدراسة الفترة التي يمكن البيئة فيها ترك علامة مميزة في التعبير الجيني، قام فريق من علماء المنظمة الأوروبية للأحياء الجزيئية (EMBO) في أسبانيا بأخذ دودات خيطية معدلة وراثيا تحمل أنوذجًا متحولًا لبروتين "فلوري".
وعند تفعيل هذه الجينة، توهجت هذه الديدان تحت الضوء فوق البنفسجي. ثم غيروا درجة حرارة حاوياتهم، وأبقوها عند مستوى 20 درجة مئوية، فلاحظوا انخفاظ نشاط الجينات المتحولة، فخف التوهج. لكن، مع نقل الديدان إلى مناخ أكثر دفئا، بمستوى 25 درجة مئوية، عاد التوهج ، ما يعني أن الجينة "فلوري" عادت إلى نشاطها الأول.
حين أعيدت هذه الديدان إلى بيئة أبرد نسبيًا، حدثت المفاجأة، إذ استمرت في التوهج، ما يوحي بأنها احتفظت "بذاكرة بيئية" للمناخ الأكثر دفئًا، وبأن الجينات المحورة بقيت ناشطة. إلى ذلك، تبين لهؤلاء العلماء أن هذه الذاكرة مررت سبعة أجيال إلى الأمام، فبقيت متوهجة، على الرغم من أنها لم توضع في درجات حرارة أكثر دفئًا. وبحسب العلماء، ورثت الديدان الفتية هذا التغير من خلال البويضات والحيوانات المنوية.
احتفظ العلماء بخمسة أجيال من هذه الديدان في حرارة 25 درجة مئوية، ثم وضعوا ذرياتها في درجات حرارة أكثر برودة، فواصلت الجينة "فلوري" نشاطها التحويلي في خلال 14 جيلًا مستمرة. وهذه أطول مدة على الإطلاق لاحظ فيها العلماء مرور التغيير الجيني المستحث بيئيًا. ففي العادة، لا تدوم التغييرات البيئية في التعبير الجيني إلا أجيالًا قليلة.
تخطيط بيولوجي
قال، آدم كلوسين، أحد علماء الفريق: "لا نعرف بالضبط لماذا يحدث هذا الأمر، لكنه ربما يكون شكلًا من أشكال التخطيط للتقدم البيولوجي"، فيما قالت الباحثة المشاركة تانيا فافوري من معهد جوزف كاريراس لبحوث اللوكيميا في أسبانيا: "الديدان قصيرة العمر، لذلك ربما تنقل ذكريات عن الظروف السابقة لمساعدة أفراد سلالتها على التنبؤ بما ستكون عليه بيئتها في المستقبل".
اما لماذا اختار العلماء الديدان لدراسة هذه الخاصية فلأن هناك العديد من الأمثلة على هذه الظاهرة في الديدان والفئران، لكن دراسة الوراثة الجينية البيئية في البشر موضوع نقاش ساخن، والمجهول ما زال كثيرًا.
وبحسب دراسة أخيرة، من الصعب قياس الآثار الوراثية في البشر بسبب أوقات الجيل الطويلة وصعوبة حفظ السجلات بدقة. لكن ثمة بحوث تشير إلى أن الحوادث في حياتنا تؤثر في نمو أطفالنا وربما في نمو أحفادنا، من دون أي تغير في بنية الحمض النووي. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن أطفال النساء اللواتي نجين من المجاعة الهولندية في عامي 1944 و1945 وأحفادهن عانوا من ارتفاع منسوب عدم تحمل الغلوكوز في مرحلة البلوغ.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ساينس أليرت".
التعليقات