نصر المجالي: بعد ستة أسابيع من فضيحة تسريب بيانات مشتركي (فيسبوك) التي كانت متورطة فيها، أعلنت شركة (كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica) عن إغلاق جميع مكاتبها في بريطانيا والعالم، وهي تستعد لإعلان إفلاسها. 

وأبلغت شركة (كامبريدج أناليتيكا)، اليوم الخميس، جميع موظفيها بأنها أغلقت جميع مكاتبها بشكل تام وذلك عقب تورطها في أزمة تسريب بيانات 87 مليون مستخدم لموقع (فيسبوك) بطريقة غير شرعية، والتي يُزعم أنها استخدمت هذه البيانات في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ويأتي هذا القرار مع إعلان مجموعة SCL Elections الموجودة في المملكة المتحدة وهي الشركة الأم لشركة (كامبريدج أناليتيكا) عن إيقاف خدماتها وتقديم طلب لحل الشركة، وستوثر هذه الخطوة حتمًا على الشركتين في جميع أنحاء العالم.

تحقيقات 

وكان محققون من وحدة البيانات التابعة لمفوضية المعلومات البريطانية قد شرعوا أواخر الشهر الماضي في تفتيش مقر شركة أناليتيكا بالعاصمة لندن، بعد أن منح قاض في المحكمة العليا مكتب المفوضية إذنا بتفتيش مكاتب الشركة.

وجاء الإذن القضائي بعد أيام من تحقيق للقناة الرابعة البريطانية المستقلة كشف أن الشركة حصلت على بيانات نحو 50 مليون مستخدم لفيسبوك من أجل التأثير على آرائهم قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية التي أفضت إلى فوز دونالد ترامب. كما فعلت الأمر نفسه قبيل التصويت في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إيلاف تابعت

وكانت (إيلاف) تابعت الضجة ـ الفضيحة التي هزت الثقة بموقع مثير ومهم كـ(فيسبوك) وعلاقته بالشركة ذات العلاقة وهي كامبريدج أناليتيكا (Cambridge Analytica LLC) التي هي شركة مملوكة ملكية خاصة تجمع بين استخراج البيانات، وساطة البيانات، وتحليل البيانات مع الاتصالات الاستراتيجية للعملية الانتخابية.

وكان تم إنشاؤها في عام 2013 كفرع من الشركة الأم البريطانية SCL Group للمشاركة في السياسة الأميركية، وفي عام 2014 ، شاركت كامبريدج أنليتيكا في 44 سباقًا سياسيًا أميركيًا.

وتعتبر شركة "كامبريدج اناليتكا" الوحدة الأميركية لشركة "إس سي إل" البريطانية التي تعنى بالتسويق السلوكي، وهي برزت على الصعيد العالمي بعد أن استأجرت خدماتها مجموعة داعمة لـ(بريكست) من أجل جمع المعلومات واستهداف الجمهور.

ملايين ميرسر

يذكر أن الشركة مملوكة جزئياً لعائلة الملياردير روبرت ميرسر، وهو مدير صندوق أميركي للتحوط يدعم العديد من الأسباب السياسية المحافظة. تحتفظ الشركة بمكاتب في لندن ونيويورك سيتي وواشنطن العاصمة.

وحصلت "كامبريدج اناليتكا" على تمويل يقارب 15 مليون دولار من الصندوق الاستثماري التابع للملياردير ميرسر الذي يعد من أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري. وفي تقرير سابق لصحيفة "أوبزرفر" يتبين أن رئيس الشركة في ذلك الوقت كان ستيف بانون الذي تم طرده من وظيفته كمستشار لترمب الصيف الماضي.

وفي عام 2015 ، أصبحت الشركة تعرف باسم شركة تحليل البيانات التي تعمل في البداية لحملة تيد كروز الرئاسية. وفي عام 2016 ، بعد أن تعثرت حملة كروز، عملت الشركة التي تعرف اختصارا بـ(CA) لصالح حملة دونالد ترمب الرئاسية.
وفي حملة Leave.EU لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. كان دور كامبريدج أناليتكا - CA في تلك الحملات مثيراً للجدل وهو موضوع تحقيقات جنائية مستمرة في كلا الجانبين، حيث يشكك علماء السياسة في ادعاءات الشركة حول فعالية أساليبها في استهداف الناخبين.

معلومات مقابل ملايين

وفي 17 مارس 2018، نشرت صحيفتا (نيويورك تايمز الأميركية وأوبزرفر البريطانية) تقريرًا عن استخدام كامبردج أناليتيكا للمعلومات الشخصية التي تم الحصول عليها من فيسبوك ، من دون إذن، من قبل باحث خارجي زعم أنه يجمعها لأغراض أكاديمية.

وذكرت الصحيفتان أن الشركة الأميركية سرقت معلومات من 50 مليون مستخدم للفيسبوك في أكبر خرق من نوعه لموقع التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم، لاستخدامها في تصميم برامج بإمكانها التنبؤ بخيارات الناخبين والتأثير عليها في صناديق الاقتراع.

وكرد فعل على ذلك ، حظر فيسبوك "كامبردج أناليتيكا" من الإعلان على منصتها. وكانت صحيفة (الغارديان) البريطانية ذكرت أن موقع Facebook قد عرف عن هذا الخرق الأمني لمدة عامين ، لكنه لم يفعل شيئًا لحماية مستخدميه.

كما تم تعليق حساب منظمة "ستراتيجيك كوميونيكيشن لابوراتوريز" أيضاً التي تتبع لها الشركة، إضافة الى حسابي ألكسندر كوغان عالم النفس من جامعة كامبريدج وكريستوفر وايلي الذي يدير مؤسسة تدعى "يونويا تكنولوجيز".

رئيس تنفيذي يتباهى

ويقول موقع (ويكيبيديا) إن سلسلة من مقاطع الفيديو التحقيقية التي تم إصدارها في مارس 2018 ، أظهرت الرئيس التنفيذي لكامبريدج أناليتيكا الكسندر نيكس يتباهى باستخدام العاهرات والرشوة و"مصائد العسل" لتشويه سمعة السياسيين الذين يجرون أبحاثًا عنهم، كما زعم الكسندر نيكس أيضا أن الشركة "كانت تدير كل حملة (دونالد ترمب) الرقمية"، بما في ذلك الأنشطة غير القانونية المحتملة. وحينها طلب مفوض المعلومات في المملكة المتحدة الحصول على مذكرة تفتيش لملقمات الشركة.

ضربة حقيقية

وجاء الكشف الذي شكل ضربة للشركة في التحقيق الذي كانت أجرته القناة 4 البريطانية على مدار أربعة أشهر عن (كامبريدج أناليتيكا) ابتداءً من نوفمبر 2017. وبدأت بثه يوم الاثنين 19 مارس 2018.

وفي التحقيق الاستقصائي تقدم مراسل متخفٍ كعميل محتمل لـ Cambridge Analytica ، على أمل مساعدة المرشحين السري لانكيين على الانتخاب. وتم نشر لقطات فيديو من هذه العملية. 

وفي إحدى اللقطات، يقول مديرو كامبريدج أناليتيكا إنهم عملوا في أكثر من 200 انتخابات في جميع أنحاء العالم. وتم في التحقيق تسجيل حديث للرئيس التنفيذي ألكسندر نيكس، حيث تحدث بلا رقابة أو حدود عن ممارسات الشركة".

فخاخ العسل

ويتباهى نيكس حول كيفية استخدام شركته عما يسميه "فخاخ العسل" أي الفتيات الجميلات، ودفع الرشوة ، والبغايا، لأغراض البحث عن المعارضين. وعلى سبيل المثال، عرض نيكس تشويه سمعة المعارضين السياسيين في سري لانكا بمقاطع فيديو موحية باستخدام "الفتيات الأوكرانيات الجميلات" وعروض الرشاوى ، حتى لو لم يقبل الخصوم بالعروض.

وفي تحقيق القناة الرابعة البريطانية، يتباهى نيكس ايضا بكيفية قيام "كامبريدج اناليكيا" بتشغيل جميع الحملات الرقمية" لصالح ترمب ، وهذا يتضمن أنشطة غير قانونية محتملة. وذكر نيكس أن الشركة استخدمت اتصالات قد تكون مدمرة للذات والشخصية، دون ترك أدلة تدينها.

وظهرت لقطات للرئيس التنفيذي لكامبريدج أناليتيكا، يقترح تكتيكات يمكن أن تستخدمها شركته لتشويه سمعة السياسيين عبر الإنترنت. وقالت القناة إن مراسلها تواصل مع نيكس منتحلا هوية مندوب عن زبون ثري يريد إنجاح مرشح سياسي في الانتخابات في سريلانكا.

وفي إجابة عن سؤال المراسل حول الطرق التي تتبعها شركته وما يمنكها القيام به من "البحث العميق"، قال نيكس "في الواقع نحن نفعل أكثر من ذلك بكثير".

وشرح إحدى الطرق لاستهداف شخص ما بأنهم "يقدمون له صفقة خيالية لا يمكن رفضها ويحرصون على توثيق ذلك في شريط مصور".

وأضاف نيكس أن من الطرق المتبعة أيضا "إرسال بعض الفتيات إلى منزل المرشح "مضيفًا أن "الفتيات الأوكرانيات جميلات جدا، وأجد هذه الوسيلة ناجعة للغاية، إني أعطيك أمثلة عما يمكن فعله وعن وسائل استخدمناها بالفعل".

تعليق مهمات

وبعد الكشف عن الفضيحة المدوية وبث الأخبار، قام مجلس إدارة شركة كامبريدج أناليتيكا بتعليق عمل نيكس كرئيس تنفيذي. كما أصدرت الشركة بيانًا قالت فيه بأن الادعاءات لا تمثل أخلاقيات الشركة ، وأعلنت أن جهة مستقلة ستبدأ تحقيقا شاملا.

وعلى الرغم من ذلك، قالت كامبردج أناليتيكا إن تقرير القناة الرابعة "قد حرّف على نحو فظيع" المحادثات التي التقطتها الكاميرا. واضافت: "كنا نتماشى مع هذه المحادثة بغية تجنيب عميلنا الحرج، لذلك عرضنا على سبيل التسلية سلسلة من السيناريوهات الافتراضية المثيرة للسخرية".

وأكدت "كامبريدج اناليتيكا" أنها لا تتقبل أو تنخرط بأساليب ملتوية كالرشوة ونصب الافخاخ". ومن جهته، قال نيكس لبرنامج "نيوزنايت" على تلفزيون (بي بي سي) إنه يعتبر التقرير "تحريفا للحقائق"، مضيفا أنه شعر بأن الشركة كانت ضحية"مكيدة مدبرة بشكل متعمد".