إيلاف من لندن: "إيلاف" تتابع الشأن السوداني عن كثب، وتتابع الحراك الشعبي الذي يشارك به الشباب والشيوخ والنساء. الاهتمام الإعلامي والعالمي بهذا الحراك غير ملموس، وتكاد محطات التلفزة الكبرى لا تذكر ما يحدث في السودان. إلا أن السودانيين يرون أن حراكهم هذا هو الأهم منذ ثلاثين عامًا، يختلف عن كل ثورات الربيع العربي لأنه موجه ضد الإسلام السياسي، في حين أن الإسلام السياسي هو من قاد ثورات الربيع العربي منذ عام 2011 حتى الان.&

يقول ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية ومسؤول العلاقات الخارجية في نداء السودان، في حوار خاص مع "إيلاف" إن ربيع السودان يسير عكس عقارب الساعة، واثقًا من انتهاء حكم الرئيس السوداني عمر البشير الذي امتد ثلاثين عامًا. وأشار إلى أن جيل الشباب السوداني الجديد يقف ضد الإسلام السياسي، ويريد للسودان أن يتصالح مع نفسه ومع محيطيه العربي والافريقي، وأن يعيش بسلام مع الجميع.

في ما يأتي نص الحوار:

كيف ترى ما يحدث في السودان هذه الايام؟

ما يحدث في السودان أمر غير مسبوق منذ 30 عامًا أي منذ سيطرة عمر البشير على السلطة. والانتفاضة في السودان تتسع لتشمل نحو 30 مدينة ومنطقة. هذا حراك جماهيري غير مسبوق يشارك فيه مئات الآلاف من السودانيين، والأهم أن هذا الحراك لديه قيادة موحدة في الخرطوم مكونة من ثلاث قوى أساسية: نداء السودان وتحالف المهنيين وقوى الإجماع، وإلى جانب ذلك قوى كثيرة تجتمع موحدة لإنجاح الثورة، حتى أن القوى التي كانت تسلك طريق الكفاح المسلح وافقت وانضمت للحراك السلمي، وهذا بذاته إنجاز كبير للثورة. القيادة موحدة ومكتملة الأركان تقرر وتحدد شكل التظاهرات والمسيرات في الأماكن المختلفة.

ما أهم ما يميز هذا الحراك؟

الحراك سلمي وعارم في كل السودان. المهم هنا أن شريحة كبيرة جدا من الشباب، جيل جديد كبر وترعرع في عهد البشير، يرفض غسل الدماغ والتهميش ويعارض الحكم الإسلامي. الحراك هو ضد الإسلام السياسي، وعند الجيل الجديد رأي آخر وواضح ضد الإسلام السياسي، على عكس الربيع العربي الذي قاده الإسلام السياسي.&

لا للعسكرة

هل هذا حراك علماني؟

لا أقول علماني إنما أقول وطني. حراك سوداني وطني ديموغرافي فيه عناصر دموغرافية ووطنية. نرى أننا نستطيع النجاح لأننا الدولة الوحيدة التي يحكمها الإسلاميون او الإسلام السياسي، وهذا الحراك ضدهم. نرفض بشدة عسكرة هذا الحراك وهذه الانتفاضة بأي شكل من الأشكال، كما نرفض تدخل الجهات الخارجية في الحراك ونريده سودانيًا كي يتصالح السودان مع نفسه أولًا ثم مع محيطيه العربي والافريقي. أود أن ألفت هنا إلى أن النظام الحالي منقسم، جزء مع البشير وجزء يرى في البشير عائق أمام مستقبل حكم الإسلام السياسي في السودان، وما يحدث هو هزيمة حقيقية للإسلام السياسي الذي يمتلك دولة عميقة في السودان، وأدى إلى تخريب العلاقات مع العالم العربي. زادت عزلة السودان عن محيطيه العربي والافريقي ونعتبر أن الحراك الحالي وما يمثله وهزيمة نظام البشير سوف تعيد العلاقات الحقيقية للسودان مع العرب ومع الأفارقة، وأن السودان سيتصالح مع نفسه داخليًا وخارجيًا.

كيف تردون على الرئيس البشير الذي يصفكم بالمتآمرين؟

ردنا واضح بالتظاهرات والمسيرات في الخرطوم وفي كل مكان. ليست لدينا أجندات خارجية إنما نحن قيادة وطنية ولدينا أجندة وطنية واحدة وهي السلام ووحدة السودان وانهاء الانقسام.

هل ستعودون لضم جنوب السودان؟

أبدًا، ستبقى جنوب السودان دولة. نقترح إنشاء اتحاد مثل الاتحاد الأوروبي من أجل مصلحة السودانيين، ونريد أن نتصالح مع الجوار الافريقي.

الإسلام السياسي خراب

هناك في اوروبا واميركا من يقول إن الإسلام السياسي هو الحل في العالم العربي؟

نقول لهم فليجربوا أن يحكم الإسلام السياسي أوروبا مثلًا؟ هل يوافقون؟ نحن من جرب الإسلام السياسي ونعرف كم هو فاشي وضد التنوع وضد الدمقراطية، يمتص ثروات البلاد. حتى إن الإسلام السياسي ضد الإسلام نفسه، ومن يتحدث عنه كحل فهو يخطئ خطأ استراتيجيًا في تقييم الإسلام السياسي. رأينا كيف قسم السودان وفرق بين جنوب وشمال. يقول المثل اسأل مجرب ولا تسأل طبيب. الإسلام السياسي أسوأ نظام حكم السودان وخلق المشاكل في الداخل ومع دول الجوار ونقول إن على المتضررين من الإسلام السياسي في المنطقة دعم الثورة السودانية.

لماذا برأيك لا تحظى ثورتكم بالاهتمام العربي على الاقل؟

العالم العربي أرهق من الثورات في ما سمي بالربيع العربي، ولأن تلك الثورات قادها الإسلام السياسي يتخوفون من الثورات. أقول السودان مختلف. ثورتنا ضد الإسلام السياسي لذلك العالم العربي مخطئ في تقييمه ثورة السودان. السودان يمشي عكس عقارب الساعة ففي حين كان الإسلام السياسي يقود الثورات العربية نحن ضد الإسلام السياسي، ونقول للإسلاميين هنا والراغبين بالتغيير وعدم التدخل الخارجي أن يؤيدوا التداول السلمي للسلطة إن لا مشكلة لنا معهم.

موت سريري

نرى أن البشير لا زال قويًا والنظام يسنده العسكر؟

أعتقد أن الحراك المستمر أدى إلى أن يصبح نظام البشير في عداد الماضي. نعتبر أن النظام في حالة موت سريري ولن تقوم له قائمة ولا زلنا ننتظر انحياز الجيش بالكامل إلى المتظاهرين والشعب.

لكن هذا لم يحدث بعد؟

حدث في بعض الاماكن حيث رأينا الجيش وقوات الشرطة لم تهاجم المتظاهرين على العكس في بعضها تضامنوا مع الشعب، والحقيقة أن من يقوم بمهاجمة المتظاهرين هم قوات الأمن الشعبي التابعة للتنظيم الإسلامي على غرار الحرس الثوري الايراني. هم من قتلوا نحو سبعين شهيدًا وجرحوا اكثر من 500 متظاهر، كما اعتقل نحو ألفين. نراهن أن الجيش سينحاز إلى جانب الشعب وأهل السودان وليس إلى البشير الذي أصبحت أيام حكمه معدودة.

ماذا عن دعم بعض الدول لنظام البشير؟ فالصين وعدت بمنح المليارات للسودان؟

طالبنا كل الدول بالكف عن التدخل في شؤون السودان وعلى رأسها قطر التي نطالبها بالكف عن دعم الإسلاميين في السودان حيث إنها ارسلت أخيرًا عربات مصفحة لتفريق التظاهرات. نقول إن هذا الأمر ليس لصالح الشعب السوداني، كما نريد من تركيا أن تكف عن التدخل في شؤوننا، ونرى أن نظام البشير أدخل بعض القوى إلى البحر الاحمر وزاد الاستقطاب هناك حيث نرى سفنًا حربية تركية وروسية في البحر الأحمر. لا نريد أن ندخل هذا المجال بين القوى العظمى على أرضنا. نرى الصين دولة عظمى ومهمة إلا أننا نريد إعادة النظر في الاتفاقيات معها، ونريدها اتفاقيات لصالح الشعب السوداني، فالسودان بلد كبير وفيه خيرات ومناطق زراعية ومواد خام والكثير من الأمور التي يمكنها أن تصدر إلى دول الجوار والعالم، ونريدها أن تكون ملك الشعب السوداني.

الحراك إلى أين؟

نرى أن الثورة مستمرة، وهناك جيل جديد يستلم الراية. هذه الثورة أعادت الثقة بإمكانية هزيمة الإسلام السياسي، فهذا الإسلام السياسي قسم البلد وشتت الشمل حيث أن هناك نحو 6 ملايين سوداني خارج بلده، إما لاجئ أو مشرد أو هارب من قبضة النظام. نجاح الثورة هذه وهزيمة الإسلام السياسي سيعيدان السودان إلى مكانه الطبيعي في العالم العربي وفي أفريقيا، ليعيش بسلام مع الجميع.
&