الرباط: قال مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب، إن عهد المسؤول القضائي الذي "يلازم كرسيه ويغلق عليه أبواب مكتبه ولى"، مشددا على أن المسؤول القضائي "يجب أن يبني جسورا للتواصل ويحصن عمله بالقيم والممارسات الفضلى".

وأضاف فارس في عرض قدمه أمام أعضاء السلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2019، اليوم الاربعاء، بالرباط، أن القضاء المغربي "ليس في حاجة إلى "تقنيي قانون"، بل إلى شخصية القاضي بحمولاتها وأخلاقياتها، بتكوينها وجرأتها واستقلاليتها وهو ما لم يتحقق للأسف بالشكل المطلوب والمرغوب".

وأكد فارس حرص المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تكريس قواعد الشفافية ومبادئ المسؤولية والمحاسبة، مبزا أنه في الآن ذاته، "لن نتساهل أمام الشكاوى الكيدية التي تتم بسوء نية بغرض التأثير أو الضغط والتشويش"، في رسالة دعم واضحة إلى القضاة الذين يتعرضون للتهديد والابتزاز بغرض التأثير في استقلاليتهم.

وأشار فارس إلى أن سنة 2018 شهدت "إحالة أربعة وعشرون قاضيا في إطار مسطرة التأديب بعد دراسة متأنية لتقارير المقررين، في حين تقرر الحفظ في حق 6 آخرين.. وتوزعت العقوبات بين العزل &والإنذار وعدم &مؤاخذة قاضيين وتعميق البحث في حق واحد"، وشدد على أن "لا أحد فوق المحاسبة ولا مجال للإخلال بالثقة العامة، وعزمنا أكيد على مواجهة كل الحالات الشاذة التي قد تسيء إلى الصورة العامة للقضاء بقدر عزمنا على تشجيع كل الطاقات المبدعة والعلامات المضيئة التي تنير سماء العدالة ببلادنا".

وأفاد المتحدث ذاته بأن السلطة القضائية التي تريدها بلاده هي سلطة "تكون صمام أمان يمنع الانحراف ويقوم الاعوجاج"، موضحا أن من سمات هذه السلطة، التفاعل ب"ضمير مسؤول مع التوجهات الملكية السامية لإصلاح العدالة ومكافحة الفساد وحماية المال العام وصون المكتسبات وضمان الحقوق والحريات".

&

&

محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة&

وأوضح فارس بأن المتتبع للعمل القضائي سيرصد بكل وضوح "الحمولة الحقوقية التي نحاول بلورتها وتجسيدها من خلال قرارات مبدئية تكرس الحماية القضائية للحقوق والحريات وتجسد الانخراط الحقيقي للقضاة في مسيرة الإصلاح بمقاربة واقعية مقاصدية تستهدف تحقيق الأمن القانوني والقضائي".

وأضاف "تكريسا للمكانة الدستورية التي أصبحت للاتفاقيات الدولية في النسق التشريعي الوطني، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن نقل الطفل من مكان إقامته الأصلية بالخارج إلى المغرب يعد مخالفة لاتفاقية لاهاي الخاصة بالجوانب المدنية للاختطاف الدولي للطفل"، مبرزا عددا من الاتفاقيات الدولية التي تمت ملاءمة الأحكام القضائية معها.

وأعلن فارس في الإحصاءات التي قدمها بخصوص الأحكام التي أصدرها القضاة برسم سنة 2018، فبلغ عددها "3 ملايين و172 ألفا و202 حكم"، بزيادة بلغت 16 في المائة، مقارنة بسنة 2017، مؤكدا أن متوسط المحكوم عند كل قاض، وصل "1137 حكما في السنة"، أي بزيادة قدرها 18 في المائة.

كما سجلت الإحصاءات المعلنة زيادة في نسبة القضايا المسجلة بمختلف محاكم المملكة، قدرت بـ 17.5 في المائة، في المقابل "انخفاض الرائج بنسبة 1.5 في المائة مقارنة بسنة 2017 "، كما أوضح المتحدث ذاته، بأن محكمة النقض "استطاعت خلال سنة 2018 تحقيق نتائج مهمة ومتميزة رغم كل الإكراهات"، وسجلت "تزايدا كبيرا في نسبة القضايا المسجلة بالمحكمة وصل إلى 80 في المائة ما بين سنتي 2011 و 2017".

من جهته، اعتبر محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة، أن السنة الماضية، شهدت الميلاد الحقيقي ل"مؤسسة رئاسة النيابة العامة باعتبارها مؤسسة قيادية داخل السلطة القضائية المستقلة، تضطلع بالدور الذي أسنده لها الدستور والقوانين إلى جانب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، دون تداخل أو تزاحم في اختصاص كل منهما، وإنَّما في إطار الانسجام التام الذي يجسد وحدة الجسم القضائي واتحاد رؤيته".

واشتكى عبد النباوي في كلمة ألقاها بالمناسبة، من ضعف الإمكانات البشرية حيث قال: "نعاين نقصا لدى المحاكم في القضاة، يهم قضاء الحكم وقضاء النيابة العامة"، وطالب ب"تخصيص مناصب مالية كافية لتعيين قضاة جدد لتلافي النقص الملموس بالمحاكم، وأيضا من أجل تمكين ثمانية محاكم جديدة من العمل، ينتظر افتتاحها خلال الشهور المقبلة، وتتطلب وحدها ما لا يقل عن خمسين من أعضاء النيابة العامة، بالإضافة إلى أكثر من ضعفهم من قضاة الحكم".

وزاد رئيس النيابة العامة منتقدا السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث قال: "إن استقلال السلطة القضائية، لن يَكْتمل من دون تحقيق الاستقلال المالي والمادي للمحاكم، وإقرارِ سلطة مسؤوليها عن كافة مواردها البشرية".

وأضاف مبينا أمام رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، ووزير العدل، محمد أوجار "نعتقد أن حمولة الفصل 107 من الدستور تتطلبُ تسيير السلطةِ القضائية للموارد البشرية والمالية اللازمة لها لأداء مهامها دون تدخل سلطات أخرى، حتى تكون قادرةً على إنجاز برامجها وتنفيذ التزاماتها الدستورية".

ومضى متسائلا: "كيف يمكن تجسيد استقلال النيابة العامة إن كانت النصوص القانونية والتنظيمية لا تمكن رئاسة النيابة العامة من تنفيذ برامجها بنَفسها؟ وكيف لها أن تُطور أداءها وهي لا تسيطر حتى على الشبكة المعلوماتية التي تستخدمها النيابات العامة بالمحاكم، ولا تتوفر حتى على الإحصائيات القضائية، وبالأحرى تطويرها أو تعديلها"، وذلك في انتقادات واضحة للحكومة والبرلمان.

وسجل عبد النباوي تطلع فئات من القضاة وبينهم قضاة النيابة العامة إلى تسوية وضعياتهم المادية، مذكرا بما سماه "تأخر صدور النصوص التنظيمية المتعلقة بحقوقهم المادية التي جاءت في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ولاسيما التعويضات عن الديمومة التي يقوم بها قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق والتعويض عن مهام المسؤولية وعن التنقل والانتداب"، مؤكدا أن تنفيذها يتوقف على "نص تنظيمي. وأرجو أن يتجلى التعاون بين السلطات في اهتمام الحكومة بتفعيل هذا المقتضى القانوني بالنظر لما له من أهمية على وضعيات القضاة".