باريس: على الرغم من الخطاب الرسمي، أعدت فرنسا أخيرًا خطة مفصلة جدًا لإعادة شاملة لجهاديين فرنسيين من سوريا مع عائلاتهم، كما تكشف وثائق علمت بها وكالة فرانس برس، وقللت الحكومة من أهميتها، مؤكدة أنها مجرد "فرضية" للعمل.

كما كشفت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية الجمعة، تدلّ وثائق على أن السلطات وضعت بالتفصيل طرق عودة جهاديين فرنسيين وأقربائهم محتجزين أو مسجونين لدى القوات الكردية في سوريا، حسب ما ذكرت مصادر قريبة من الملف.

ردًا على هذه المعلومات، رفضت الحكومة الفرنسية، التي تواجه ضغط عائلات تطالب بعودة نساء وأطفال عالقين في المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا، التعليق على وجود خطة من هذا النوع، وتحدثت عن "فرضية" للعمل.

وقال وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير في المؤتمر الصحافي الختامي لوزراء داخلية مجموعة السبع في باريس "من المنطقي أن تعد الأجهزة كل الفرضيات. وهذه واحدة من الفرضيات التي أعدتها الأجهزة".

أضاف الوزير الفرنسي بعد ذلك "ليست هناك أية إعادة جماعية مطروحة للتنفيذ حاليًا"، مؤكدًا مجددًا قرار الحكومة إعادة الأطفال فقط و"كل حالة على حدة".

وذكر مصدر قريب من الملف أن هذه الوثائق تعود إلى الاستخبارات الداخلية. وهي تتضمن لائحة مفصلة لفترة تمتد من 18 يناير إلى السادس من مارس، تحوي أسماء 250 شخصًا من رجال ونساء وأطفال، ومعلومات دقيقة جدًا تشمل تاريخ التوجه إلى المنطقة ومدة الإقامة فيها ومعسكر أو مكان الاحتجاز.

كما تشمل عمودًا عنوانه "الإعادة/الرحلة" مع رقم رحلة - 1 أو 2 -، ما يوحي بأن طائرتين كانتا ستقومان بإعادة هؤلاء إلى فرنسا. ولا تشمل الرحلتان سوى 163 شخصًا حتى 14 فبراير.

لكن في نهاية المطاف، لم تجر أي عملية إعادة جماعية لهؤلاء الجهاديين. إلا أن الحكومة أكدت أنها لم تتأثر بتحفظات الرأي العام.
وقال كاستانير "بينما حدث كما تعرفون، تسارع في استعادة الأراضي السورية من داعش ورحيل الولايات المتحدة، عملت الأجهزة على كل السيناريوهات"، مشيرًا إلى خطر "تشتت المقاتلين الأجانب".

تكشف الوثائق التي إطلعت عليها فرانس برس أن السلطات تستعد لاحتواء المعالجة القضائية للفرنسيين الأعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية. فهناك وثيقة مؤرخة في السادس من مارس تتضمن مراحل مثول مئة فرنسي هم 37 رجلًا و63 امرأة أمام المحققين وقضاة مكافحة الإرهاب. وتفيد هذه الوثيقة أن مذكرات توقيف صدرت بحق 57 من هؤلاء.

وينوي القضاء التكفل بـ149 طفلًا تتراوح أعمار 99 منهم بين سنتين و13 عامًا، وتبلغ أعمار ثلاثون آخرون أقل من سنتين، إلى جانب سبعة قاصرين تتجاوز أعمارهم الـ13 عامًا، و13 آخرين لم تحدد أعمارهم.

كل شيء كان جاهزًا
تعليقًا على هذه الوثائق، عبر المحاميان ماري دوزيه ومارتان براديل، اللذان يدافعان عن زوجات وأبناء جهاديين فرنسيين محتجزين في سوريا، عن أسفهما، لأن فرنسا "تخلت عن تحمل مسؤولياتها لإرضاء رأي عام غير مطلع"، بينما "كان كل شيء جاهزًا".

تتسم قضية عودة الجهاديين في فرنسا، البلد الغربي الأكثر تضررًا باعتداءات تبناها تنظيم الدولة الإسلامية، بحساسية كبيرة. ففي استطلاع للرأي أجري في نهاية فبراير، قالت غالبية كبيرة من فرنسيين إنها "قلقة" من عودة هؤلاء الجهاديين، وتؤيد ترك أمر التكفل بالأطفال لسوريا والعراق. ومنذ أكثر من 18 شهرًا تعبّر الحكومة الفرنسية عن مواقف متضاربة.

فقد استبعدت باريس أولًا عودة هؤلاء، باستثناء الأطفال، وبموافقة أمهاتهم. وتغير ذلك في 19 ديسمبر عندما أعلنت الولايات المتحدة عن سحب قواتها من شمال شرق سوريا، ما أثار مخاوف من إضعاف الحليف الكردي في مواجهة أنقرة ودمشق ومن اختفاء هؤلاء الجهاديين.

جعل هذا السيناريو المحتمل السلطات الفرنسية تميل إلى إعادة كل مواطنيها. لكن في 26 فبراير، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه "ليس هناك أي برنامج لعودة الجهاديين".

وقال رئيس مركز تحليل الإرهاب شارل بريزار لفرانس برس إن "قرار العودة إلى (التفكير في) عمليات الإعادة هذه عواقبه خطيرة. نواجه أفرادًا خطيرين".

وأشار أيضًا إلى "شعور كبير بالإحباط لدى السلطات القضائية من إمكانية محاكمة جهاديين (فرنسيين) خارج فرنسا". وأكد مسؤول في مكافحة الإرهاب الأمر نفسه ردًا على سؤال لوكالة فرانس برس.
&