كانت نتائج دراسة أجراها معهد فريدريش ايبرت مفاجئة بالنسبة لعلماء المعهد أسوة بالقيادات السياسية في ألمانيا. فالدراسة تكشف أن نصف الألمان تقريباً يؤمنون بنظرية المؤامرة.

إيلاف من برلين: أثارت دراسة جديدة لمعهد ايبرت جدلاً واسعاً في ألمانيا بعد أن كشفت ان اعتقاد الألمان بنظرية المؤامرة يزداد سنة بعد سنة، وأن النفور من الأجانب واللاجئين يتصاعد، وأن الأفكار اليمينية الشعبوية تتغلغل أكثر في أذهان الألمان، وان المد اليميني يزداد.

في ذات الوقت ازدادت شكوك الألمان في السنوات الـ16 الأخيرة بالديمقراطية ودولة القانون وجدية الأحزاب. وتتوصل الدراسة إلى نتيجة مفادها ان التصورات اليمينية المتطرفة والأفكار المعادية للإنسانية تتغلغل في وسط المجتمع الألماني.

تحمل الدراسة الجديدة اسم"الوسط الضائع" ضمن سلسلة دراسات"دراسة- الوسط"، وهي استطلاع رأي يجريه معهد فريدريش ايبرت كل سنتين منذ سنة2002، وتم اجراؤها بالتعاون مع أساتذة من جامعة ايسن. وتعنى الدراسة، وهذا ظاهر من اسمها، باستطلاع رأي الطبقة الوسطى التي تشكل شريحة كبيرة من المجتمع الألماني.

شملت الدراسة 1890 ألمانية وألماني من سن تجاوزت18 سنة، وتم استطلاع آرائهم بين سبتمبر2018 وفبراير2019. وتمت مقارنة النتائج مع نتائج دراسات مماثلة أجريت مرة كل سنتين من قبل معهد ايبرت.

السياسيون الألمان"دمى" بأيدي المنظمات السرية

وعبرت نسبة عالية من الذين شملهم الاستطلاع عن قناعتها بالعديد من نظريات المؤامرة المنتشرة في العالم اليوم، بل ان47,7% منهم يؤمن بوجود تنظيمات سرية لها تأثير كبير على قرارات القيادات السياسية. ويبدو ان النساء الألمانية "أكثر عقلانية" من الرجال في هذا المجال، لأن نسبة33,9% منهن فقط تؤمن بوجود هذه التنظيمات السرية التي تهيمن على القرارات السياسية.

لايرتفع وينخفض مستوى الايمان بنظرية المؤامرة بحسب الجنس(ذكر وانثى) فقط، لأن المستوى العلمي يقرر ذلك إلى حد ما، وهذا متوقع. فالايمان بنظرية المؤامرة يرتفع بين ذوي الشهادات الدراسية الأقل إلى48,6% بينما نجده لايزيد عن25,3% بين ذوي &الدراسات الأعلى.

والسياسيون الذين يحكمون في ألمانيا ليسوا أكثر من"دمى" في أيدي التنظيمات السرية التي تهيمن على القرار السياسي من وجهة نظر32,7% من الألمان. وعبر ربع من شملهم الاستفتاء عن عدم قناعتهم بحرية الصحافة والاعلام، وايدوا مقولة ان"الإعلام والسياسة" غير منفصلين.

زيادة مشاعر العداء للأغراب

رصدت الدراسة ارتفاعاً جديداً في هذا العام في مشاعر العداء للأجانب بين أفراد الطبقة الوسطى رغم التراجع الكبير في أعداد اللاجئين مقارنة بالعام2014. وسجلت نسبة54,1% نفورها من الأجانب واللاجئين مقارنة بنسبة49,5% في العام2016.

وكان هذه النسبة في هذه العام هي الأعلى منذ بدء المعهد برصد حالة العداء للاجانب لأول مرة في العام2011. مع ملاحظة ان استعداد الألمان للكشف عن هذا النفور علنياً ازداد أيضاً.
ترافق النفور من الأجانب واللاجئين مع زيادة تغلغل المواقف اليمينية الشعبوية بين أفراد الوسط الألماني. والمقلق، بحسب الدراسة، هي ان التفكير السلبي العام حول الأجانب لم يعد "احكاماً مسبقة" وإنما"حقائق" بالنسبة للكثيرين.

المهم في الدراسة ان الإفكار اليمنية المتطرفة والنازية لايتقبلها سوى2% من الناس، وهذا ثابت منذ سنين. والجديد هو وجود انخفاض طفيف في الموقف من اليمين المتطرف في شرق ألمانيا.

عداء أكبر للأجانب في شرق ألمانيا

وذكرت فرانسيسكا شلوتر، من معهد ايبرت، ان الأفكار اليمينية لشعبوية، وحالة النفور من الأجانب، ينتشران بشكل أكبر في الولايات الألمانية الشرقية. وسجل العداء الأجانب نسبة23% في الشرق مقارنةبـ18% في الغرب.

ثم ان الحقد على السياسيين الألمان بسبب موجات اللاجئين أكبر بالشرق(52%) مما هو في الغرب(42%)، بحسب شلوتر. ويرتفع شعور الحط من قيمة إلإسلام إلى26% في الشرق مقابل19% في الغرب. وهذا يمتد ليشمل الحط من قيمة اللاجئين في الشرق(63%) و(51%) في الغرب.

متلازمة نظرية المؤامرة والعداء للديمقراطية

يتوصل علماء معهد ايبرت إلى ان الايمان بنظيرة المؤامرة يتلازم مع نمو العداء للدولة الديمقراطية والتشكيك فيها. ويقولون انه اذا كانت"النخب" السياسية جزء من مؤامرة فالناتج الطبيعي سيكون هو التشكيك فيهم وفي ديمقراطيتهم.&

وطبيعي حينها ان يمتد هذا الشك ليشمل المؤسسات السياسية الأخرى التي تبدأ بالحكومة المركزية، والحكومات المحلية، وتنتهي بالأحزاب والمؤسسات الديمقراطية والمدنية الاخرى.

ردود فعل متباينة

وعزت ايرينا ردولف-كوركوت، من قيادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي، انتشار نظرية المؤامرة بين السكان إلى ضعف التثقيف بالديمقراطية. ودعت السياسية، المتخصصة بالشؤون الاجتماعية، إلى تعزيز المناهج الدراسية التي تنوّر باليمقراطية، والتي تفضح الأفكار اليمينية المتطرفة في المدراس.

ووصف زيغمار غابرييل، زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي السابق ووزير الخارجية السابق، الدراسة باللاعلمية. وقال غابرييل ان الدراسة نفسها تقول ان86% من الألمان يؤيدون الديمقراطية وأن80% يؤيدون أوروبا، وهذا يعني ان الطبقة الوسطى في ألمانيا "لم تضع" بالأفكار اليمينية الشعبوية ونظرية المؤامرة كم يقول ذلك"عنوان الدراسة".

وشكك ارمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية الراين الشمالي فيستفاليا من الحزب اليمقراطي المسيحي بنتائج الدراسة، وقال ان الباحثين لايفرقون بين مصطلح"اليمين الشعبوي" والمواقف العامة للناس.

وذكر فلوريان هان، السكرتير العام للاتحاد الأجتماعي المسيحي، أن المعهد لم يقدم دراسة علمية"نظيفة"، كما شكك بطريقة اختيار الاسئلة التي صيغت في استطلاع الرأي.

وردت فرنسيسكا شروتر، من معهد ايبرت، على النقد الموجه للدراسة وقالت ان علماء المعهد لاغموض لديهم في تعريف"اليمين الشعبوي"، كما انهم استخدموا المعايير العلمية في الدراسة. وشككت شروتر أن يكون الزعيم الاشتراكي زيغمار جابرييل قد قرأ نتائج الدراسة بعناية قبل أن يطلق انتقاداته.