صنعاء: ظنّ محمد النجري كغيره من سكان عمران أنّ سيطرة الحوثيين على المدينة قبل خمس سنوات لن تطول، لكن النزاع سرعان ما تحوّل الى حرب، امتدت إلى كل أرجاء اليمن، لتغرقه في نزاع مدمّر من دون أي حل يلوح في الأفق. &

عمران، التي تبد مسافة 50 كلم شمال العاصمة صنعاء، أول مدينة سقطت في أيدي الحوثيين في بداية حملة عسكرية تمكنوا خلالها وخلال أشهر معدودة من بسط سيطرتهم على صنعاء ومناطق شاسعة في شمال ووسط وغرب أفقر دول شبه الجزيرة العربية.

في مكان عمله في مكتب لوزارة التربية في عمران، ينتظر النجري (40 عامًا) يوميًا راتبًا لم يتلقاه منذ عامين، بعدما قامت السلطات المعترف بها دوليا بنقل المصرف المركزي إلى عدن (جنوب)، عاصمتها الموقتة حاليا.

قال الموظف الحكومي لوكالة فرانس برس عبر الهاتف "مرت خمس سنوات على اندلاع الحرب، لكننا ندرك أنه ما زال أمامنا الكثير". أضاف النجري "منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم، تزداد أوضاعنا سوءا (...) وقد وصلت إلى الحضيض. لقد إنهار كل شيء في حياتنا".

وبالنسبة إلى محمد طه (48 عامًا)، الصحافي الذي قام بتغطية الأحداث في مدينته منذ لحظة دخول الحوثيين إليها، فإن انتظار التوصل إلى اتفاق سلام لم يعد خيارًا متاحًا.

أوضح لفرانس برس عبر الهاتف "خمس سنوات من الحرب كانت كافية لأن أرتّب وأطبّع حياتي وحياة أسرتي عليها. نعم، أثّرت علينا في البداية، ولكننا تمكّنا من التعايش مع آثارها. ما عدت أهتم كثيراً باستمرارها أو نهايتها".&

مشروع "خطير"&
يشهد اليمن بعد خمس سنوات من انطلاق حملة الحوثيين في أعقاب سيطرتهم على عمران في 8 يوليو 2014، أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة، حيث يواجه ملايين السكان خطر المجاعة.

قتل آلاف المدنيين، وبينهم مئات الأطفال، وأصيب عشرات آلاف بجروح، وانهارت قطاعات الصحة والتربية والاقتصاد وغيرها، خصوصا في أعقاب تصاعد النزاع في مارس 2015 لوقف تمدّد الحوثيين المقرّبين من إيران.

في مدينة عمران، يجوب مسلحون الأحياء ليل نهار سيرًا أو فوق الدراجات النارية وفي السيارات الرباعية الدفع وهم يحملون على أكتفاهم الأسلحة الرشاشة. وتنتشر شعارات التمرد على الأبنية الترابية اللون المبنية من الأحجار والطين في الحي التاريخي وسط المدينة، وعلى سور حجري طويل يلف الحي بكامله.

كتب في أحد الشعارات "الموت لامريكا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وقال مسؤولان في الحكومة المعترف بها دوليًا لفرانس برس إنّه عندما سقطت عمران بأيدي الحوثيين، لم يكن أحد يدرك "خطورة" مشروع التمرد.

تعتبر محافظة عمران من المناطق التاريخية في اليمن، وتضم معالم أثرية، بينها جسر شهارة، الذي بني قبل أكثر من 100 عام ويربط بين جبلين، ومديرية ردية آخر المناطق التي كان يسكنها يهود يمنيون.

وموقع عمران استراتيجي، إذ إنّها تقع بين صعدة معقل الحوثيين في شمال اليمن، والعاصمة. كما إنّها موطن قبيلة حاشد التي لطالما اعتبرت الدعامة الأقوى للحكم في صنعاء.

بلد ممزّق
حاصر الحوثيون عمران لشهرين، قبل أن ينتصروا على قوات الجيش، ويضعوا أيديهم على المدينة، ثم ينطلقوا نحو صنعاء ليسيطروا عليها في سبتمبر من العام نفسه، ويتمدّدوا بعد ذلك في اليمن.

ولا يزال الحوثيون، بعد 60 شهرا من سيطرتهم على عمران، الجبهة الأقوى عسكريًا، رغم حملات القوات الحكومية وضربات التحالف العسكري بقيادة الجارتين السعودية والإمارات.

وهم يسيطرون اليوم على صنعاء وغالبية مدن الشمال والغرب والوسط، بينها الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، معتمدين على خبراتهم في القتال في المناطق الجبلية والأسلحة التي استولوا عليها من الجيش، بينما تتعمّق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والانسانية في هذا البلد.

قال بيتر سالزبيري الخبير في الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية إنّ الحرب "مزّقت هوية البلاد وجغرافيتها والايديولوجيات فيها بطرق لم يكن من الممكن تصورها". ورأى أنّ اليمن "يحتاج أكثر من خمس سنوات لإعادته إلى ما كان عليه في 2014".

شارك الحوثيون، إلى جانب الحكومة اليمنية، في محادثات عديدة برعاية الامم المتحدة، آخرها في السويد في ديسمبر الماضي، لم تؤد إلى وضع حد للحرب المدّمرة.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن في اليمن 3.3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24.1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، مساعدة.

وبحسب فابريزيو كاربوني، المدير الاقليمي لمنطقة الشرق الاوسط لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، فإن اليمن "لم يعد على حافة الانهيار (...) لقد انهار تماما".