إيلاف من لندن: فجر قرار قضائي عراقي باستمرار سريان المادة الدستورية 140 المتعلقة باستفتاء سكان المناطق المختلطة المتنازع عليها بين بغداد وأربيل خلافًا حادًا بين مكونات البلاد الرئيسية الثلاثة العرب والأكراد والتركمان وسط تهديد باللجوء إلى المحكمة العليا. وتراوحت مواقف مكونات البلاد بين رفض عربي تركماني وترحيب كردي.

فقد قضت المحكمة الاتحادية العليا ببقاء سريان المادة 140 من الدستور العراقي مؤكدة أن ذلك "يستمر لحين تنفيذ مستلزماتها وتحقيق الهدف من تشريعها حيث ان خطوات ذلك لم تستكمل وأن القسم منها لم يتخذ ويبقى الهدف من وضع وتشريع المادة (140) من الدستور مطلوباً وواجب التنفيذ من الكافة".

التركمان: التوافق هو الحل

وقالت الجبهة التركمانية العراقية في بيان صحافي حصلت "إيلاف" على نصه الاربعاء، إن المادة 140 بقيت منذ اول يوم في اقرارها سواء في قانون ادارة الدولة العراقية - 58- او بعد اقرار الدستور العراقي عام 2005 في المادة 140 محل خلاف وجدال كونها مادة تعبر عن خارطة طريق تخدم مكونا واحدا (الأكراد) في كركوك وظلت مرفوضة ومازالت من قبل باقي مكوناتها (التركمان والعرب).

وأشارت إلى أنّه "رغم انقضاء الفترة الزمنية لتطبيق المادة منذ 31/12/2007 فإننا نستغرب اليوم من قرار المحكمة الاتحادية الذي اعلنت فيه ان المادة مازالت نافذة دستورياً رغم فشلها طيلة اربعة عشر عاماً من ايجاد حل سلمي مستدام لقضية كركوك".

وشددت على ان قضية كركوك هي مفتاح وحدة العراق والتفريط بها هو تفريط بالوحدة الوطنية ولا يمكن ان تحل عبر الاليات التي وضعتها المادة 140وانما اساس الحل هو التوافق بين مكوناتها.. موضحة أن الاحزاب الكردية قد جربت طيلة الفترة الممتدة ما بين عامي 2003 و2017 فرض أمر واقع وهيمنة وتغيير سكاني واقحام كركوك في مشكلة رفع علم الاقليم والاستفتاء على الانفصال&ورجعت بخفي حنين لانها اغفلت وجود المكونات الاخرى وثقلها السياسي والاداري. وبينت انه كان حرياً برئاسة مجلس النواب قبل الاستفتاء على دستورية المادة التشاور مع ممثلي كركوك وعدم سوق المحافظة لازمة جديدة.

وأكدت الجبهة التركمانية "ان المادة 140 سواء تم الاعتراف بدستوريتها ام لا فإنها لن تحل قضية كركوك وان الحل التوافقي الذي يحظى بموافقة مكونات المحافظة هو مفتاح كل الحلول وهذا ما أكده تقرير بعثة الامم المتحدة،&الذي دعا إلى التوافق وحذر من اي استفتاء لحسم مستقبل محافظة كركوك" الشمالية الغنية بالنفط التي يطالب الأكراد بضمها إلى اقليمهم الشمالي.
&&
الأكراد يرحبون ويدعون لتنفيذ فوري

أما بالنسبة لموقف الأكراد من قرار المحكمة الاتحادية العليا، فقد رحب به الاتحاد الوطني الكردستاني معربا عن اسفه لما اسماه تنصل الحكومات السابقة من تنفيذ المادة الدستورية 140 حتى الان. &

وقالت مقررة كتلة الاتحاد الوطني في البرلمان العراقي النائب الماس فاضل في بيان تابعته "إيلاف" إن قرار المحكمة الاتحادية يؤكد على ان القضاء مستقل وهو قرار جاد "يدحر & جميع السجالات السياسية حوله والزاعمة بأنها مادة ميتة وانه قد انتهى مفعولها".. مؤكدة ان المحكمة الاتحادية "اثبتت مرة اخرى وبهذا التوقيت الاجرائي على تطبيق بنود احكام هذه المادة".

وشددت على أن الحكومة الاتحادية ملزمة بالقيام بمسؤولياتها وواجباتها لتنفيذ فقرات المادة 140 وضرورة ان تكون حكومة الاقليم متعاونة بشكل جدي لتنفيذ المادة وخدمة المواطنين في كركوك والمناطق المتنازع عليها مثل مدينتي خانقين وجلولاء شرق بغداد، وذلك عن طريق تشكيل غرفة عمليات مشتركة وبتواجد قوات البيشمركة" الكردية.

كما اعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني ان قرار المحكمة الاتحادية دليل على انصاف القضاء العراقي للكرد.

وقال عضو الحزب ريبين سلام إن "من كان يدعو لالغاء المادة 140 من الدستور هو متأثر&ومعترف بقرارات حزب البعث ونظام صدام حسين والاجراءات التعسفية التي اتخذوها ضد الكرد" على حد قوله.

وأضاف أن "قرار المحكمة يعطي انطباعا عن وجود نظام جديد داخل بغداد لا يتجاوز على الدستور ويتقبل الكرد كشركاء في هذا البلد بعكس الانظمة السابقة التي توالت على ادارة رئاسة الوزراء"، كما قال في تصريح لوكالة "بغداد اليوم" اطلعت عليه "إيلاف" اليوم.

ودعا إلى الاسراع بتطبيق هذه المادة من خلال اجراء الاحصاء السكاني والاستفتاء الخاص بأبناء هذه المناطق وتخيرهم بين الانضمام للاقليم او البقاء ضمن محافظاتهم.

رفض عربي لـ"إحياء مادة ميتة"

ومن جانبه، أكد المجلس العربي في محافظة كركوك اليوم رفضه لقرار المحكمة الاتحادية منوها إلى أنّه سيطعن به قضائيا. وقال المتحدث باسم المجلس حاتم الطائي في تصريح صحافي "سنلجأ إلى الطعن بقرار المحكمة الاتحادية بشأن المادة 140 من الدستور".

كما رفضت الجبهة العربية الموحدة في كركوك، وقالت في بيان اطلعت "إيلاف" على نصه أن"المادة 140مادة دستورية ميتة بحكم الدستور الذي الزم الحكومة والبرلمان العمل بها لفترة زمنية محددة هي لغاية 31/12/2007".

وحملت الجبهة الحكومة المركزية وعلى رأسها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي المسؤولية الكاملة في حال تدهور الأوضاع في كركوك نتيجة التراكمات التي تحصل من ضعف المواقف الحكومية تجاه عودة الأمور إلى قبل خطة فرض القانون من الفوضى والانفلات الأمني". واتهمت عبد المهدي بتسليم نفط كركوك إلى الاقليم دون مقابل، بحسب قولها.

خبير قانوني: قرار المحكمة خالف مضمون المادة

وازاء هذه المواقف المتباينة من قرار المحكمة الاتحادية، فقد رأى الخبير القانوني العراقي أمير الدعمي ان ما صدر من تفسير للمحكمة الاتحادية بخصوص المادة 140 قد خالف مضمونها الذي جاء بغير ما كتب خصوصاً ان المادة نصت على تحديد موعدا اقصاه 31 ديسمبر&من عام 2007 لتنفيذ بنودها.

وأشار الخبير في تصريح صحافي إلى أنّ "نص القانون صريح ولا يحتاج إلى اجتهاد إلا أن المحكمة الاتحادية ذهبت باتجاه الابقاء على هذه المادة رغم صراحة موعدها.. مبينا ان الدستور رغم ما يؤخذ عليه إلا أنه يبقى مرجعا لجميع القوانين الامر الذي يضع المحكمة في خانة خرق القوانين التي جاء بها الدستور من خلال حجتها بأن قرارها يأتي تنفيذا للمادة 58 من قانون ادارة الدولة المدنية الانتقالي ووجوب سريان المادة 140.

نص قرار المحكمة الاتحادية

وقضت المحكمة الاتحادية العليا امس 30&يوليو ببقاء سريان المادة 140 من الدستور & العراقي إلى حين تنفيذ مستلزماتها وتحقيق الهدف من تشريعها.

وقال المتحدث الرسمي للمحكمة إياس الساموك في بيان صحافي تابعته "إيلاف" إن "المحكمة الاتحادية العليا عقدت جلستها برئاسة القاضي مدحت المحمود وحضور القضاة الاعضاء كافة ونظرت بطلب مجلس النواب بتفسير المادة (140) من الدستور من حيث سريانها من عدمه".

وأضاف أن "المحكمة الاتحادية العليا وجدت أن المادة (140) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اناطت بالسلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لإكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها والتي ما&زالت نافذة استناداً لأحكام المادة (143) من الدستور".

وأشار إلى أن "المحكمة وجدت أن ذلك هو لتحقيق الاهداف التي أوردتها المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الرامية إلى تحقيق العدالة في المناطق التي تعرضت إلى تغيير الوضع السكاني من خلال الترحيل والنفي والهجرة القسرية وذلك على وفق الخطوات المرسومة في المادة (58) المذكورة أنفاً".

وأشار المتحدث الرسمي القضائي إلى ان "المحكمة الاتحادية العليا وجدت أن هذه الخطوات لم تستكمل وأن القسم منها لم يتخذ ويبقى الهدف من وضع وتشريع المادة (140) من الدستور مطلوباً وواجب التنفيذ من الكافة".

وأضاف أن "المحكمة أكدت ان الموعد المحدد في تنفيذ المادة (140) من الدستور قد وضع لأمور تنظيمية ولحث المعنيين على تنفيذها ولا يمس&جوهرها وتحقيق هدفها".. منوها إلى أن "المحكمة الاتحادية العليا وبناء على ذلك قررت بقاء سريان المادة (140) من دستور جمهورية العراق في الوقت الحاضر ولحين تنفيذ مستلزماتها وتحقيق الهدف من تشريعها على وفق الخطوات المرسومة في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية".

ما هي المادة 140 من دستور العراق؟

يشار إلى أنّ المادة 140هي مادة دستورية أقرت بالموافقة على دستور البلاد الجديد في استفتاء شعبي جرى اواخر عام 2005 لحل ما تسمى المناطق المتنازع عليها وخاصة في محافظة كركوك.&

وتضمن قانون إدارة الدولة العراقية الذي كتب في عهد الحاكم المدني للعراق الأميركي بول بريمر عام 2003 المادة 58 الخاصة بتطبيع الأوضاع في محافظة كركوك. وبسبب عدم التوصل إلى حلول تقبل بها جميع أطراف النزاع في كركوك (التركمان والأكراد والعرب &) خلال الأعوام 2003 و2004 و2005 فقد انتقلت هذه القضية إلى الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في 15&أكتوبر عام 2005.

وتعد كركوك في مقدمة المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 وهي محل نزاع كبير في العراق بسبب تركيبتها السكانية المعقدة وسيطر عليها الأكراد في&يونيو عام 2014 بعد أن اجتاح تنظيم داعش أجزاء كبيرة من شمال وغرب البلاد.

ورغم اعتراض العرب والتركمان الذين يقطنون كركوك فقد أدرجت سلطات إقليم كردستان هذه المحافظة ضمن استفتاء الانفصال عن بغداد الذي جرى في 25&سبتمبر عام 2017 وهو الاستفتاء الذي رفضته الحكومة العراقية "لعدم توافقه مع دستور 2005" كما رفضته جارتا العراق تركيا وإيران إضافة إلى الولايات المتحدة ودول اوروبية عدة.

نص المادة 140 وأسباب عدم تنفيذها

وتضمنت المادة 140 آلية من ثلاث مراحل: أولاها التطبيع ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها في عهد نظام صدام وبعده.. والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق.. وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها وذلك قبل 31&ديسمبر عام2007.

وقد نصت المادة 140 من الدستور العراقي المثيرة للجدل على ما يلي:

أولاً: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها.&

ثانياً: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر ديسمبر&سنة الفين وسبعة".
&
وقد جاءت هذه المادة في دستور 2005 في محاولة لحل مشكلة كركوك وما يسمى المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والمحافظات المجاورة له وهي نينوى وديإلى وصلاح الدين.
وتُعرف لجنة تنفيذ المادة 140 المناطق المتنازع عليها في العراق بأنها "تلك التي تعرضت للتغيير الديمغرافي ولسياسة التعريب على يد نظام صدام حسين وذلك خلال فترة حكمه من عام 1968 حتى إسقاطه في&أبريل عام 2003".

وشُكلت لجان لتطبيق أحكام المادة 140 في ظل حكومة إبراهيم الجعفري عام 2006 أسندت رئاسة اللجنة إلى حميد مجيد موسى زعيم الحزب الشيوعي العراقي انذاك ولما تولى نوري المالكي رئاسة الحكومة بعده شكلت لجنة أخرى برئاسة وزير العدل السابق هاشم الشبلي، لكنه استقال من منصبه، ثم حل محله رائد فهمي زعيم الحزب الشيوعي حاليا بين&أغسطس عام 2007 ويونيو عام 2011.
ثم أسندت رئاسة اللجنة التي أعيد تشكيلها في&أغسطس عام 2011 إلى هادي العامري زعيم منظمة بدر الشيعية الموالية لايران وزير النقل في حكومة المالكي لكن الأحزاب العربية في كركوك اعترضت على تعيينه.

&وبسبب التعقيدات المتعددة، فنية وسياسية وخاصة بشأن محافظة كركوك لم تجد المادة 140 طريقها إلى التطبيق من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة وتحولت هذه المادة الدستورية إلى مثار جدل متواصل بين مختلف الأطراف سواء بشأن قانونيتها أو لأسباب قومية وسياسية أخرى.
&