قال ثلث قراء "إيلاف" إنهم لم يقرأوا كتابًا ورقيًا منذ عام. إنها أزمة الورقي في الكتب والمطبوعات الأخرى، بعدما كسبت الإصدارات الإلكترونية المنافسة لأسباب كثيرة.

إيلاف من دبي: "متى كانت آخر مرة قرأت فيها كتابًا ورقيًا؟" سؤال صار اليوم بديهيًا في عصر هيمنة الرقميات والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وفي عصر "ePub" و"Kindle" و"Kobo" وتفشي صيغة "pdf".

سألت "إيلاف" هذا السؤال في زاوية استفتائها في الأسبوع المنصرم. شارك في الإجابة عنه 482 قارئًا، قال 166 منهم "قبل عام" (34 في المئة)؛ وقال 143 منهم "قبل أسبوع" (29 في المئة)؛ وقال 86 منهم "قبل شهر" (19 في المئة). أما 87 منهم فأجابوا "أبدًا" (18 في المئة).
&
صار تراثًا

"قبل عام" كان الجواب الأعم. نعم، الكتاب الورقي مركون فعلًا اليوم على الرف، إلا في المدارس، معظمها في الأقل، وفي مراز البحوث المستمرة في إنتاج الكتب، وفي مكتبات منزلية تحولت شيئًا فشيئًا إلى أحد مكونات الزينة في البيت، وإلى شاهد يكسوه الغبار على ثقافة أهل البيت.

صار الكتاب الورقي تراثًا، أو حتى عبئًا على ربة المنزل – أو على خادمتها – إذ يجب تنظيفه يوميًا وإزالة الغبار عنه. صار الكتاب الورقي حملًا ثقيلًا على الإنسان في عصر "ما قلّ ودلّ". فهذا الهاتف الذكي في يدنا يمكنه أن يحتوي على المئات من الكتب المنشورة بصيغ ملائمة للقراءة الإلكترونية، وصارت المنافسة بين الورقي والإلكتروني تسير في غير صالح القارئ التقليدي.

يقول بحث أعده مركز "بوكر" لخدمات النشر في فبراير 2018 إن القراء في أميركا وبريطانيا يغريهم المحتوى المجاني فيختارون اقتناء الكتب الإلكترونية. وبحسب هذا البحث، قال 15 في المئة ممن شملهم الاستبيان إن سهولة تحميل الكتب وحجمها هي الدافع الرئيس لتفضيل الكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي. وقال 23 في المئة إن الدافع هو أنها أقل تكلفة من الكتب المطبوعة.
&
بحث أسهل

إلى ذلك، يسهل الوصول إلى أي كتاب إلكتروني، بأي لغة وفي أي مكان من العالم، كما يسهل البحث في الكتاب الإلكتروني والنسخ منه واللصق، خلافًا للكتاب الورقي.
ربما لا يتنبه كثيرون إلى أهمية هذين الأمرين في هذا العصر.

فتنفيذ البحوث والدراسات صار أسهل من الماضي، فالمادة متيسرة بنقرة فأرة، والباحث قادر على تصفح ما يريد بالضبط من المعلومات والبيانات في عشرات الكتب، من دون أن يضطر إلى قراءة كامل الكتاب ونقل المعلومة التي يجدها على بطاقة ليفهرسها برقم الصحة ويوثقها بحسب المرجع.

فميزة البحث السريع عن الكلمة والمصطلح تسهل&جمع المعلومات. وسهولة نسخها ولصقها تسهل&عملية الاستشهاد بها أو دسها في الاقتباسات. وهكذا، يصير البحث أسهل منهجيًا وأيسر إنتاجيًا.
&
أسباب أخرى

هذا غيض من فيض. فأسباب عزوف الناس عن قراءة الكتاب الورقي كثيرة. منهم مثلًا من يختبئ وراء سبب "أخلاقي" بيئي. فطبع الكتاب يستدعي قطع الأشجار، أي التسبب بالضرر البالغ لحياتنا الإيكولوجية.. من هنا، رفع بعض أحزاب الخضر في أوروبا شعار "بالتكنولوجيا ننقذ الإيكولوجيا".

ومنهم – عن بعض بخل – يختار الكتاب الإلكتروني كي لا يطلب منه أحد استعارة كتاب من مكتبته فلا يعيده. ومنهم من يقول إن الورق "موضة قديمة"، وعلينا التخلي عنه والانتقال إلى عصر جديد.

في المقابل، ثمة عدد لا يستهان به من القراء لا يجد متعة في القراءة إلا إن لمس الورق بيديه، وتناهى إلى أنفه رائحة الحبر المستخدم في الطباعة، وحوّل الكتاب بين يديه إلى حلبة من تبادل الأفكار مع كاتب الكتاب من خلال تدوين الملاحظات والهوامش على صفحات الكتاب بقلم الرصاص.

بدأ الكتاب الإلكتروني خيارًا، وصار اليوم هو الخيار الأمثل في عصر الخوارزميات والروبوتات. فلا عجب أن يكون أكثر من ثلث قراء "إيلاف" لم يقرأوا كتابًا ورقيًا منذ عام. فيا ترى، كم كتابًا إلكترونيًا قرأوا؟