ثلاثون سنة مرت على اتفاق الطائف، الذي كان وسيبقى نقطة التحول الجذري في مجرى الأحداث والتاريخ الحديث، والحدث الأهم الذي شهده لبنان في السنوات الخمسين الأخيرة.

إيلاف من بيروت: ثلاثون سنة مرت على اتفاق الطائف، الذي كان وسيبقى نقطة التحول الجذري في مجرى الأحداث والتاريخ الحديث، والحدث الأهم الذي شهده لبنان في السنوات الخمسين الأخيرة.&

وإذا كانت هذه السنوات حافلة بالأحداث فإن حدثين كبيرين يظلان مطبوعين في الذاكرة الجماعية للبنانيين: اندلاع شرارة الحرب الاهلية في العام 1975، واتفاق إنهاء الحرب في العام 1989.

أهمية اتفاق الطائف لا تكمن فقط في أنه أسدل الستارة على الحرب الموجعة والمدمرة التي حصدت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، وإنما تكمن أيضًا في أنه أطلق الجمهورية الثانية، وأدخل تعديلات أساسية على النظام اللبناني، الذي بقي نظامًا طائفيًا، لا بل زاد طائفية ومذهبية، ولكن وفق توزيعات جديدة للأدوار والحصص والأحجام.

من الممكن أن تختلف الآراء إزاء اتفاق الطائف، وأن تتوزع بين حدّين متناقضين، بين من يراه اتفاقًا جيدًا، ومن يراه سيئًا ولم يحمل معه التغيير المنشود، ولم يضع الأسس المتينة والصلبة لنظام مستقر ومتكافئ.&

لكن يكفي أن اتفاق الطائف وضع حدًا للحرب، ولم يكن متوافرًا في حينه إلاّ مثل هذه التسوية الواقعية، سواء كانت تعكس الواقع، واقع نتائج الحرب وتوازنات ما بعدها، أو كانت بمثابة أمر واقع.

أهمية الطائف
في هذا الصدد، يشير الخبير القانوني الدكتور أمين فاخوري لـ"إيلاف" إلى أهمية اتفاق الطائف بالنسبة إلى لبنان، ويؤكد أن "بين 30 سبتمبر و22 أكتوبر 1989، اجتمع 62 عضوًا من مجلس النواب اللبناني المنتخب عام 1972 تحت رعاية الجامعة العربية وذلك للاتفاق على صيغة إعادة بناء النظام السياسي المقسم.

وبما أن النواب كانوا هم الذين تفاوضوا على التسوية النهائية، فقد كانت لذلك أهمية كبيرة، إذ أوحى بأن مجلس النواب، الذي كان ينظر إليه على أنه المؤسسة السياسية الأكثر أهمية، بممثليه المنتخبين بشكل شرعي، لا يزال قادرًا على التعامل مع التفاصيل المتعلقة بالجمهورية الثانية. &

يتابع: "مع أن الكثير تغيّر بعد السنوات التي مضت بعد انتخابهم من قبل الشعب اللبناني، فإن شرعية النواب لم تكن موضع شك أبدًا حتى رغم حقيقة كونهم أقل تمثيلًا. كان ينظر إلى النواب على أن اختيارهم أمر قد حان أوانه، وأنهم ينتسبون إلى مؤسسة ليس لها أي بديل، مؤسسة معترف بها ومقبولة من قبل المجتمع الدولي".

النقاط المهمة
ويلفت فاخوري إلى أن وثيقة التفاهم الوطني تتعامل مع كثير من النقاط المهمة الخاصة بالنظام السياسي، وسيادة لبنان، و"إعادة دمقرطته".&

يضيف: "كانت أحكام اتفاق الطائف الرئيسة هي، زيادة المقاعد النيابية وتقسيمها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، تغيير توازن القوى في السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء، بحيث يبقى رئيس الجمهورية مارونيًا، ولكن مع تقليل كبير في صلاحياته، لمصلحة الحكومة ورئيس الوزراء والبرلمان ورئيسه الذين سيمنحون قوى متزايدة".&

سيادة لبنان
ويؤكد فاخوري إلى أنه "تمت استعادة سيادة لبنان مع التأكيد على هويته ووحدته، وسبق ذلك إجراء إصلاحات سياسية وإدارية".
وكانت أهمية هذا الاتفاق تكمن، بحسب فاخوري، في قبوله كوحدة متكاملة أي السيادة والإصلاح، مع تأسيس الصيغة الصحيحة لإنهاء الحرب على الصعيد الداخلي، رغم ذلك، وفي الوقت نفسه، تطلب الأمر قبول نقصان السيادة لفترة مهمة من الزمن.

أما ما الذي منحه إتفاق الطائف فعليًا إلى لبنان؟ فيجيب فاخوري: "منح الاتفاق الحل الأمثل للمحافظة على كينونة لبنان ولتأسيس صيغة سياسية جديدة يمكنها إيقاف الحرب، كما تسمح للبنان بالحصول على درجة ما من الاستقرار، بحيث تمكن إعادة بناء المؤسسات والاقتصاد، وبأن يكون جزءًا من النظام الإقليمي والدولي".&

يضيف: "لم يكن ممكنًا اعتبار اتفاق الطائف تسوية تم التفاوض عليها وقبولها من كل الأطراف المتحاربة تحت رعاية الأمم المتحدة أو المشاركة المباشرة للقوى الكبرى، بالرغم من كونه فعالًا في إنهاء الحرب، فربما لم يكن الطريقة المثلى لبداية عملية إعادة تكوين نظام سياسي أكثر استقرارًا في البلد".&

ويبدو أنه عملية أكثر من كونه تسوية نهائية وصلبة، ويمكن لهذه العملية أن تؤدي إلى صراع مستقبلي، وهذا ما يحصل اليوم، في حالة بقائها في صيغتها الأولية، خاصة أنها مأسست النظام الطائفي.
&