أعلن سعد الحريري رزمة من الإجراءات الإصلاحية بعد جلسة ماراتونية، سادتها إشكالات سياسية واقتصادية، لكنّ المحتجين رفضوا ما قدمه رئيس الحكومة، إذ فقدوا الثقة بالسلطة التي وعدتهم بالكثير منذ ثلاثة عقود.

إيلاف من دبي: كانت جلسة ماراتونية استمرت نحو 5 ساعات اليوم الإثنين، أقرت فيها ورقة رئيس الحكومة سعد الحريري الاصلاحية، مطعمة ببعض التعديلات التي قدمها وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي، كما أقرت فيها موازنة 2020. وقد سجلت نهاية الجلسة انسحاب وزراء الاشتراكي، لأن الحكومة لم تأخذ بالورقة الإصلاحية التي قدموها للحريري.

في بداية جلسة مجلس الوزراء، أشار رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أن ما يجري في الشارع يعبّر عن وجع الناس، "لكن تعميم الفساد على الجميع فيه ظلم كبير، لذلك يجب على الأقل أن نبدأ باعتماد رفع السرية المصرفية عن حسابات كل من يتولى مسؤولية وزارية حاضرًا أو مستقبلًا".

إجراءات الحريري

قال الحريري بعد الجلسة: "أنّني منذ يوم بدأت هذه المسؤوليّة، أقول للشركاء إنّ هدف الممارسة السياسيّة تأمين كرامة الناس، وهذه الكرامة تأتي من الشعور بالسيادة والحرية والإستقلال، وأن تكون للناس خدمات أساسيّة وطبابة وضمان".

أضاف: "أمنّا خطوات ضروريّة لتحقيق هذا الهدف، منذ 3 أيام لم تكن هذه الخطوات تمشي".

ركّز &الحريري على أنّ الشباب وصولوا إلى مرحلة اليأس وانفجروا ونزلوا إلى الشارع تعبيرًا عن الغضب، "والمطالب كثيرة ومحقّة ومتنوّعة، لكن المطلب الواضح هو المطالبة بالكرامة والإحترام واحترام صوتهم. ومنذ 3 أيام، أعطيت شركائي مهلة 72 ساعة، وأنا لم أطلبها من الشباب من الشارع، أنا في خدمتهم وهم من يعطون المهل، فهذه المهلة للشركاء كي يسيروا بالحد الأدنى من الإجراءات الضروريّة المطلوبة منذ سنتين، منها إجراءات في الموازنة ومنها من خارجها".

وأعلن &الحريري أنّ من أهمّ هذه الإجراءات أن تكون الموازنة بعجز 0.6 بالمئة ومن دون أي ضرائب جديدة على الناس، ومصرف لبنان والمصارف التجارية تساهم بخفض العجز بنحو 5& آلاف ومئة مليار ليرة، وخفض 50 بالمئة من رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وخفض موازنة مجلس الإنماء والإعمار 70 في المئة، وإقرار مشروع قانون العفو العام قبل آخر السنة الحالية، إقرار ضمان الشيخوخة قبل آخر السنة، ورصد 20 مليارا إضافيّة لدعم برنامج الأسر الأكثر فقرًا و160 مليون دولار لدعم القروض السكنية، وإقرار مشروع قانون العفو العام قبل آخر السنة الحالية، وإعداد قانون استعادة الأموال المنهوبة، وإقرار مشروع قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد قبل نهاية السنة الحالية، وإلغاء وزارة الإعلام وعدد من المؤسسات العامة فورًا، وإعداد خطة لدمج هذه المؤسسات".

رسالة إلى الثائرين

توجه الحريري إلى المحتجين الغاضبين قائلًا: "لو كان مطلبكم انتخابات جديدة، فأنا معكم، والقرارات التي أتخذناها اليوم ليست للمقايضة، ولا أطلب منكم الكف عن التظاهر والتعبير عن الغضب، هذا قرار أنتم تأخذونه ولا أحد يعطيكم مهلة، ولن أسمح لأحد بتهديدكم".

أضاف: "أنتم البوصلة ومن حرّك مجلس الوزراء هو ما اوصل الى القرارات التي اتخذناها ومن موقع مسؤوليتي، عملت 3 ايام للوصول الى ما وصلنا اليه وصوتكم مسموع واذا كان مطلبكم انتخابات مبكرة للتعبير فأنا معكم".

وختم رسالته: "يجب أن تعلموا أنّ ما قمتم به كسر الحواجز وهزّ الأحزاب والتيارات وحاجز الولاء الطائفي، وأعدتم الهوية اللبنانية الى مكانها الصحيح وهذا أكبر مكسب وطني، ونأمل أن يكون ذلك بداية لنهاية النظام الطائفي وللبنان الجديد".

الأغلبية ترفض

استمع المتظاهرون المتجمهرون في ساحة رياض الصلح، حيث انطلقت شرارة الاحتجاجات، إلى كلام الحريري الذي بث بمكبرات الصوت، فتلقوه بسلبية، وانوا يصيحون "ثورة.. ثورة"، و "الشعب يريد إسقاط النظام".

قال المتجمهرون إن هذه البنود ربما تكون جيدة، وقد سيقت سابقًا في موازنات سابقة، "لكن الثقة مفقودة بهذه السلطة، نريد أن تنتهي حكومة المحاصصة، وأن تنفذ حكومة تكنوقراط هذه البنود".

كانت الكلمة جامعة في ساحات الاعتصام، أن المطلوب هو ذهاب هذه الحكومة".

ثمة من رضي بهذه النتيجة المرحلية، وهم قلة، طلبوا إمهال الحكومة. لكن الأغلبية ترفض "هذه المسرحية" كما سمتها، وسأل بعضهم: "كيف يؤلف ناهبو المال لجنة لاستعادة الأموال المنهوبة؟".

وقالت تقارير إن المتظاهرين في منطقة جل الديب لم يعنهم ما قاله الحريري، وعمد عدد منهم إلى قطع الطريق البحرية بأجسادهم، وهم يتّجهون نحو إعلان العصيان المدني.

وهكذا، لم يستقل الحريري كما يطالب المحتجون في الساحات في مختلف المناطق اللبنانية، ورفض المحتجون ورقته الاقتصادية، فماذا بعد؟

شروط معينة

من جانب آخر، أفادت وكالة "رويترز" أن "السندات الدولارية السيادية للبنان تهوي بما يصل إلى 1.34 سنت في الدولار عقب الاحتجاجات على الأزمة الاقتصادية".

وكشف رئيس مجلس إدارة "بلوم بنك" سعد الأزهري أن الحكومة ستكون قادرة على تطبيق التغييرات والإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتحقيق التوازن في الاقتصاد بما يخرج البلاد من أزمتها الحالية، لكن وفق شروط معينة، وذلك في مقابلة مع صحيفة "ذا ناشينال" الإماراتية الناطقة بالإنكليزية.

وأبدى الأزهري تفاؤله حتى في ظل الاحتجاجات التي يشهدها لبنان منذ أيام احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية، وقال: "على الرغم من أن لبنان يمر بوقت صعب فإن الإصلاحات الاقتصادية الجادة ستنفذ في نهاية المطاف في جوانب مرتبطة بالاستدامة المالية والحوكمة والمشاريع الحكومية وجودة بيئة الاستثمار".

أضاف: "التعهدات التي حصل عليها لبنان في مؤتمر سيدر، إضافة إلى عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط التي ستبدأ في نوفمبر &أمام السواحل اللبنانية، ستؤدي إلى إحداث تحول في الاقتصاد اللبناني على نحو مستدام، والأمر يستلزم إرادة سياسية قوية وتوافقًا بشأن الإصلاحات، وتفهمًا من الشعب لهذه الإصلاحات".

أشار الأزهري إلى أن المرحلة الانتقالية يمكن أن تكون مؤلمة بشكل جزئي، "لكن الإصلاحات فيها تستحق العناء، نظرًا إلى الآثار التي ستتركها على المدى البعيد".

مخاطر اقتصادية

طرحت وكالة "بلومبرغ" تساؤلًا عما سيحدث إذا تم إسقاط الحكومة اللبنانية؟ وقالت الوكالة في تقرير إن "المخاطر الاقتصادية كبيرة بالنسبة للبنان، حيث يحتاج إلى إيجاد مصادر جديدة للتمويل، فالتدفقات الأجنبية التي اعتمدت عليها تقليديا قد نضبت".

أشارت "بلومبرغ" إلى أن "الأزمة في لبنان قد تدفع البلد إلى مرحلة لا يمكن التنبؤ بها، إذ أن استقالة حكومة الحريري قد تنتهي بلبنان إلى حكومة يهيمن عليها حزب الله، ما سيزيد من صعوبة جذب استثمارات جديدة من دول الخليج أو الغرب".

وأضافت أن "بعض أعضاء حزب الله يخضعون لعقوبات من الولايات المتحدة، لذلك فإن المستثمرين سيتخوفون من ضخ استثمارات في لبنان إذا وجدت فيها حكومة تهيمن عليها الحركة المدعومة من إيران".

ونقل موقع "أم تي في" اللبناني عن الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة قوله إنّ كل يوم إقفال في لبنان يكلّف الإقتصاد اللبناني ٢٢٠ مليون دولار، "وفي حال استمرّ الإقفال التام أسبوعًا، فهذا يؤدّي حكمًا إلى انكماش اقتصادي ونقص في الإيرادات، أي زيادة العجز في الموازنة".