واشنطن: يقضي الاتفاق التجاري الصيني الأميركي الذي أعلن عنه الجمعة بعد مفاوضات شاقة بأن تقدم الولايات المتحدة "تنازلا صغيرا" لقاء "تعهدات متواضعة" من الصين، مثيرا تشكيك خبراء التجارة الدولية في جدوى توافق يعتبرون مداه محدودا.

وأدرجت واشنطن وبكين بالطبع في الاتفاق مواضيع كبرى تتمسك بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأبرزها حماية الملكية الفكرية وعمليات نقل التكنولوجيا القسرية وتعزيز المبادلات التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

غير أن المسؤولين تفادوا كشف تفاصيل الاتفاقية، مكتفين بإعلان بعض المعطيات بالأرقام من غير أن يوضحوا الخطوات التي ستتخذها الصين عمليا لتنفيذ التغييرات البنيوية التي يطالب بها ترمب.

وشن الرئيس الأميركي في آذار/مارس 2018 حربا تجارية على الصين لاتهامها باعتماد ممارسات تجارية "غير نزيهة" تتضمن سرقة الملكية والفكرية وإرغام الشركات الأميركية على تقاسم درايتها الصناعية لقاء تمكينها من الدخول إلى السوق الصينية.

وترى إدارة ترمب في هذه الممارسات تهديدا للهيمنة الاقتصادية الأميركية.

وشدد الأميركيون في الاتفاق الذي لا يزال يتعين توقيعه رسميا، ما يمكن أن يتم في مطلع كانون الثاني/يناير، على تعهد الصين باستيراد منتجات أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، وتحديدا في قطاع الطاقة والتصنيع والزراعة (حوالى 50 مليار) والخدمات.

في المقابل، أعلن ترمب أنه يتخلى عن فرض دفعة جديدة من الرسوم الجمركية المشددة التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ الأحد على حوالى 160 مليار دولار من المنتجات الصينية.

كما سيتم خفض الرسوم الجمركية بقيمة 15% المفروضة منذ الأول من أيلول/سبتمبر على بضائع صينية أخرى بقيمة 120 مليار دولار، بمعدل النصف إلى 7,5%.

في المقابل، أكدت الإدارة الأميركية الإبقاء على الرسوم الجمركية المشددة بنسبة 25% المفروضة على ما يوازي 250 مليار دولار من المنتجات الصينية.

ويرى الخبيران الاقتصاديان في "أوكسفورد إيكونوميكس" غريغوري داكو وليديا بوسور أنه "بمعزل عن افتقار الاتفاق إلى الجوهر، وعدم نصه سوى على تخفيض طفيف للرسوم الجمركية، إذ تبقى الرسوم مفروضة على ثلثي الواردات القادمة من الصين، فإن وطأة الاتفاق على الاقتصاد الكلي طفيفة".

وما يزيد من ضحالة الاتفاق بنظر خبير السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية إدوارد ألدن، أنه يأتي "بعد اضرار اقتصادية كبرى".

- ضمانة ثقة -

حذر مسؤول صيني مؤخرا من أن نمو العملاق الآسيوي قد يتدنى عن عتبة 6% في الفصل الأخير من السنة في وقت يواجه اقتصاد البلد "أكبر صعوبات وتحديات في تاريخه".

وأوضح ألدن لوكالة فرانس برس أن الاتفاق "لا يحل فعليا المشكلات البنيوية العميقة جدا التي يعاني منها الاقتصاد الصيني"، مشيرا إلى أن تسوية أشد النقاط الخلافية على غرار الدعم الصيني لبعض القطاعات، أرجئت إلى وقت لاحق.

على الرغم من كل ذلك، يشدد خبراء الاقتصاد على أن هذه الهدنة ستثير ارتياحا بعد مبارزة استمرت سنتين وهددت النمو العالمي.

وقالت الخبيرة الاقتصادية في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ماري لوفلي "كنا على شفير الهاوية بمعنى ما".

وأقرت بأن إبرام اتفاق بحد ذاته أمر "مهم" لأنه سيحد من الضبابية المخيمة على المستقبل.

ورأت أن مجرد أن يتمكن الصينيون من التوصل إلى اتفاق مع الأميركيين يبشر بتقدم محتمل في ممارساتهم التجارية.

لكن إدوارد ألدن قال رغم كل ذلك أنه "من الصعب جدا اعتبار ذلك انتصارا كبيرا في الحرب التجارية".

والمستفيد الأكبر بنظره قد يكون في نهاية المطاف الرئيس الأميركي في وسط حملته الانتخابية للفوز بولاية ثانية. وقال "هذا جيد لترمب لأنه سيبعث هدوءا في الأسواق حتى العام 2020".

كما يجمع الخبراء على أن الاتفاق سيعزز بصورة خاصة ثقة المستهلكين الأميركيين التي هي بالأساس مرتفعة.

وأعلن نائب وزير التجارة الصيني وانغ شوين الجمعة أن الاتفاقية ستعطي دفعا لاقتصادي البلدين وستوجد بيئة مؤاتية للاستثمارات.

ومع آلية الإقالة التي باشرها مجلس النواب الأميركي بحق ترمب، يبقى الاقتصاد الورقة الرئيسي بيده.