في الوقت الذي بدأت فيه بعض الدول التفكير في تخفيف إجراءات الحظر الصحي والإغلاق الاقتصادي، أعرب علماء في بريطانيا عن مخاوف من اندلاع موجة جديدة للوباء.

إيلاف من بيروت: أعلن رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون في مؤتمر صحفي يوم 12 مارس المنصرم، أن استراتيجية حكومته لمكافحة فيروس كوفيد-19، هي "تسطيح المنحنى" ومنع حدوث موجة ثانية مميتة. وبعد يوم واحد من المؤتمر الصحفي، أجرى السير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين، مقابلة تلفزيونية، قال فيها إن مناعة القطيع تتطلب إصابة 60 في المئة من سكان بريطانيا بالفيروس.

نتائج مرعبة

بعد كلام جونسون، نشرت جامعة "إمبريال كوليدج لندن"، أنموذج محاكاة يبيّن أن استراتيجية جونسون يمكن أن تؤدي إلى وفاة 250 ألف شخص، وسرعان ما تلقفت الحكومة البريطانية هذه النتائج المرعبة وفرضت إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي وإغلاق الشركات والمدارس في 23 مارس المنصرم.

إن تأثير مثل هذه الإجراءات المشددة، بحسب العلماء، يعني أن الذروة الثانية للفيروس ستكون أقوى بكثير من الأولى، وهذا بالطبع ستكون له آثار كبيرة على كيفية خروج بريطانيا من قيود العزل وإغلاق الاقتصاد.

الموجة الثانية قادمة

في الرسوم البيانية الأولى التي أظهرها جونسون في شهر مارس المنصرم، كان يُفترض من تسطيح المنحنى أن ينهي الذروة الأولى في نهاية مايو القادم. وبموجب هذا السيناريو، ستكون هيئة الصحة الوطنية قادرة على التأقلم، ولن يمثل الفيروس مشكلة لها.

وعلى الرغم من أن الخبراء يعتقدون أن بريطانيا وصلت الآن إلى ذروة الموجة الأولى، إلا أن كل المأساة التي تجري حاليًا ليست سوى صورة مخففة لما يمكن أن يحدث إذا تم رفع القيود بدون أي وسيلة لقمع موجة ثانية أكثر فتكًا.

وعن هذا الموضوع، علّق البروفيسور نيل فيرغسون، الذي قاد أنموذج المحاكاة في "إمبريال كوليدج لندن"، قائلًا: "لا توجد مناعة قطيع في بريطانيا حاليًا، لذلك هناك خطر كبير للغاية من حدوث ذروة ثانية إذا خُففت التدابير الحالية دون إجراءات مقابلة ".

التزام كبير

أصدرت الحكومة البريطانية في 13 أبريل الجاري، رسوما بيانية توضح كيف كان الجمهور يمتثل للإغلاق. وشرحت كيف كان أداء الناس في العزلة الذاتية أفضل مما كان متوقعًا.

وقد أشارت البحوث التي أجراها خبراء الصحة في "إيفرجرين لايف" إلى أن أكثر من 90 في المئة من الناس في معظم مناطق بريطانيا يمتثلون لقيود العزل والتباعد الاجتماعي.

وقد وجدت دراسة لمركز النمذجة الرياضية للأمراض المعدية في "مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة"، أن الناس طبقت التباعد الاجتماعي بنحو 73 في المئة، بما يتماشى تقريبًا مع توقعات الحكومة.

وفي حين أن هذا الامتثال كان الخيار الأمثل لإبقاء الفيروس تحت السيطرة، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في الإصابات الجديدة الأسبوع الماضي، إلا أنه طبعًا يعني أن قلة من الناس يبنون مناعة ضد فيروس كوفيد-19.

وكان الباحثون في جامعة "إمبريال كوليدج لندن"، قد حذروا من هذا السيناريو في 16 مارس المنصرم بالقول: "كلما نجحت الاستراتيجية في قمع موقت للفيروس، كلما كان من المتوقع أن تكون الموجة الثانية من الوباء أكبر، بسبب عدم وجود لقاح وافتقارنا لمناعة القطيع".

الأجسام المضادة والمناعة

يعتقد خبراء الحكومة الاستشاريون، أن حوالي 5 في المئة فحسب من سكان بريطانيا أُصيبوا حتى يومنا هذا بفيروس كورونا المستجد، ويجزمون بأنه لا توجد مناعة قطيع في بريطانيا.

تجري الحكومة البريطانية حاليًا برنامج اختبار لتحديد عدد الأشخاص الذين تعافوا من المرض في بريطانيا، وتعمل على تحديد مستوى المناعة الحالي، لكنها حتى الآن لم تنشر النتائج.

وبالمثل، بيّنت نتائج جديدة هذا الأسبوع من معهد باستور الفرنسي، أن 5.7 في المئة فحسب من الناس في فرنسا قد أصيبوا بفيروس كورونا، في الوقت الذي تخطط فيه البلاد إلى رفع القيود الشهر المقبل. وحذر الباحثون في المعهد من ارتفاع مخاطر الموجة الثانية ما لم يتم الحفاظ على التباعد الاجتماعي الشديد.

من جهته، يقوم كارول سكيورا، طبيب الأورام وعميد الطب في جامعة "باكنغهام"، بإجراء اختبار الأجسام المضادة، ويعتقد أن ما بين 8 إلى 10 في المئة من الناس في بريطانيا، قد أُصيبوا بالفيروس التاجي حتى الآن. محذرًا من موجة ثانية للفيروس قد تجتاح البلاد.

انتظار اللقاح

توقعت "إمبريال كوليدج لندن" أن تكون هناك حاجة إلى إجراءات عزل صارمة في بريطانيا لمدة خمسة أشهر على الأقل، لكنها طالبت أيضًا بضرورة إبقاء القيود والمراقبة واسعة النطاق حتى يتوفر اللقاح لمنع حدوث موجة ثانية.

تعمل العشرات من مختبرات البحوث في جميع أنحاء العالم على لقاحات محتملة، ويعتقد فريق جامعة أكسفورد أنه سيكون سباقًا لإنتاج اللقاح بحلول الخريف المقبل.

وقد قال الخبير البريطاني في مجال الصحة العامة، السير جيريمي فارار، إن إجراءات الإغلاق في المملكة المتحدة قد تُخفَّف خلال 4 أسابيع، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة التأهب العام لموجات أخرى من تفشي فيروس كورونا المستجد خلال الأشهر المقبلة، كما حذّر من أن التعجيل بإنهاء الإغلاق سيكون كارثيًا.

وفي تصريحات تلفزيونية، قال فارار، الذي يشغل منصب مدير منظمة "ويلكوم تراست"، وهي منظمة بحثية خيرية معنية بالصحة العامة، "أعتقد أن الاحتمالية التي يجب علينا التخطيط لها هي أنه ستكون هناك موجات أخرى من التفشي في المستقبل وسيتعين علينا إيجاد طرق للتعامل مع ذلك".

وأضاف "إن التقدم الحقيقي الذي نحرزه يكون بإجراء اختبارات جديدة. يجب أن تكون لدينا أدوية تعالج هذه العدوى، ونحتاج بشدة إلى لقاحات حتى نتمكن من منع الموجات المستقبلية".

إنهاء الإغلاق

جعلت المخاوف من حدوث موجة ثانية للفيروس، الحكومات في جميع أنحاء العالم، بما فيهم بريطانيا، قلقة بشأن رفع عمليات الإغلاق في وقت مبكر للغاية وبسرعة كبيرة.

وتعليقًا على تخفيف قيود العزل، قال إيلان كيلمان، أستاذ الكوارث والصحة بجامعة "إمبريال كوليدج لندن": "يمكن الوصول إلى ذروة ثانية للعدوى إذا قمنا بحماية الفئات الضعيفة، وعالجنا المرضى، ولم نخفض الخدمات الطبية الأخرى، وقمنا بتلبية جميع احتياجات العاملين في مجال الرعاية الصحية".

أضاف "هناك إستراتيجية أخرى محتملة هي تخفيف قيود الإغلاق تدريجيًا لتسطيح منحنى الموجة الثانية، شريطة أن يتم منح أولئك الذين يُطلب منهم البقاء في العزل المنزلي، أو الذين لا يستطيعون العمل بسبب ذلك، كل الدعم الذي يحتاجونه لتجنب الآثار الصعبة لكونهم معزولين بينما يستأنف الآخرون حياتهم الطبيعية ".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن " تلغراف". الأصل منشور هنا:


إحصائيات إنتشار فيروس كورونا في المملكة المتحدة