إيلاف من الرباط: بمشاركة خبراء رفيعي المستوى يتناولون بالنقاش، على مدى ثلاثة أيام، أزمة (كورونا) والأمن في إفريقيا، تواصلت الخميس، عن بعد، في يومها الثاني، فعاليات المؤتمر السنوي للسلم والأمن بإفريقيا، الذي ينظمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ، الذي تم إنشاؤه في 2014 بالعاصمة المغربية الرباط، بهدف "الإسهام في تطوير السياسات العمومية الاقتصادية منها والاجتماعية والدولية التي تواجه المغرب وباقي الدول الإفريقية بصفتها جزأ لا يتجزأ من الجنوب الشامل".

ويتضمن برنامج دورة هذه السنة جلستين حول "قطاع الأمن في إفريقيا خلال أزمة كوفيد-19 وبعدها" و"خوصصة العنف في إفريقيا عن طريق الجماعات المسلحة غير الحكومية والأمن الخاص"، فضلا عن ورشتي عمل حول قضايا مرتبطة بمؤشر الأمن البشري في إفريقيا، الذي يعكف على بلورته حالياً الاتحاد الإفريقي، ومؤشر السلام العالمي الذي يُعتبر أداة مرجعية من إنتاج معهد الاقتصاد والسلام في بلجيكا.
وكانت الدورات السابقة للمؤتمر قد تناولت مواضيع "الاتحاد الإفريقي: الخيارات الممكنة من أجل تحقيق استقلالية استراتيجية" (2017) و"عمليات حفظ السلام في إفريقيا: اتجاهات وتحديات" (2018) و"مكانة إفريقيا وتأثيرها في عالم متحول" (2019).

آثار (كورونا)
يقول المنظمون إن "معظم البلدان الإفريقية عاشت بالفعل فترةً من السلم النسبي منذ مارس الماضي، وهو ما يؤكده التقرير المشترك الصادر في يوليو الماضي عن الاتحاد الإفريقي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، غير أن "أعمال العنف التي تقع بين مختلف العشائر والأهالي في بعض البلدان قد تزداد حدتها بفعل التداعيات الاقتصادية الناتجة عن أزمة (كوفيد – 19) وما يترتب عنها من آثار على الأمن الغذائي؛ ناهيك من أن الهجمات التي تنفذها الجماعات المسلحة والميليشيات والمنظمات الإرهابية لم تنقطع، بل إنها قد جرت بعض البلدان مثل بوركينا فاسو ومالي والصومال إلى منزلقات خطيرة".

وبالنسبة للمنظمين، دائما، فإن "إجراءات حظر السفر وإغلاق الحدود التي كانت تتوخى منها الدول الإفريقية حصر انتشار الجائحة قد أدت بدورها إلى عرقلة تدخلات القبعات الزرق المنتشرة في مختلف ربوع القارة، إضافةً إلى تحجيم أعمال المنظمات الإنسانية".

الأمن في إفريقيا .. إبان وبعد (كورونا)
ناقشت الجلسة الأولى من المؤتمر، التي أدارها بدر الدين الحارثي (المغرب) المستشار الرئيسي في إصلاح قطاع الأمن ودولة القانون ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، موضوع "قطاع الأمن في إفريقيا إبان وبعد الأزمة الصحية لـجائحة (كوفيد-19)".

وذكّر رشيد الحديكي ، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، في كلمة الافتتاح، بأن المركز أصدر منذ شهر مارس الماضي أكثر من ألفي منشور على صلة بجائحة (كوفيد – 19)، التي قال إنها قد تحدث تحولات على مستوى الأمن البشري في أفق إقرار أمن أفريقي مستدام مع مراعاة الخصائص الوطنية والإقليمية والقارية.

ركز يوناس أداي أديتو (إثيوبيا)، مدير معهد دراسات السلام والأمن، مداخلته على إثيوبيا، التي لم تختر حكومتها مسار الحجر الصارم، بل أصرت على اتباع مقاربة اجتماعية، تهدف الى تشجيع النظام التقليدي المبني على التضامن المجتمعي، مشيرا إلى أنها أقرت هذه المقاربة "بتشجيع مبادرات تقوية القدرة على الصمود، نظرًا لكون الناس يعيشون لكل يوم على حدة". أما بالنسبة للوضع السياسي، فهو يتميز بطابع خاص قد يؤدي إلى إعادة جدولة الانتخابات، مما خلق توترات بين الحكومات الوطنية والجهوية".

اضطرابات اجتماعية
بدوره ، رأى جيوفاني فالج، المسؤول عن التحليل والبحث في إفريقيا جنوب الصحراء بالمعهد الأوروبي للدراسات الأمنية، أن طبيعة التهديدات تغيرت، مشيرا إلى أن "الوباء الحالي يمثل نقطة تحول للأمن الدولي. إذ تم تجاوز المفاهيم التقليدية للأمن العسكري أو القومي، وباتت الأزمة الصحية تشكل تهديدا أمنيا جوهريا للجنس البشري"، حيث رافق الوباء تنامي السياسات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا، ولا سيما في منطقة الساحل وبحيرة تشاد وموزمبيق، على الرغم من نداء الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار عبر العالم. وأفضت التداعيات الاقتصادية إلى الضغط على بعض الدول، مع تقلص الميزانيات الخاصة بالأمن وحظر السفر وتراجع المساعدات الدولية.

فيما يمكن أن تؤدي قضايا الأمن الغذائي والسكان النازحين إلى تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي، سواء في المناطق الحضرية أو على طول الحدود. وكرد على إجراءات الحجر، أدت الاضطرابات الاجتماعية إلى الضغط على السلطات ما يؤدي إلى تفاقم أشكال القمع في الدول وجعلها أقل ديمقراطية من ذي قبل، ولا سيما عندما يكون استخدام الشرطة يهدف إلى احتواء الحركات الاجتماعية كما شوهد في باماكو وأبيدجان وواغادوغو. هذا وتراجعت الثقة بين السكان والسلطات بسبب الممارسات القمعية من قبل قوات الأمن كما فاقمت الجائحة حالات الهشاشة الموجودة سلفا.

وبخصوص الآفاق المستقبلية، أكد على مكانة الشباب الأفريقي، الذي يمثل 70 بالمائة من الساكنة، والذي يمكن أن يلعب دور حاجز ضد آثار الجائحة. وهنا، قد يعتبر الاستثمار في منظومة الصحة والتعليم في المدن أمرا حكيما في صالح السياق الأمني بشكل عام.

تراجع الدعم الدولي
من جهته ، أوضح سعيد عباس أحمد، مدير تينكينغ أفريكا، أن ازمة "كورونا " كان لها بالفعل تأثير قوي على الدول الضعيفة، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ولاحظ أن الجائحة فاقمت من نقص الميزانية الضرورية لمواصلة مشاريع الإصلاحات الأمنية الجارية، منذ أوائل عام 2000 في منطقة البحيرات العظمى. كما كان لتراجع الجهات المانحة تأثير على الإصلاح الأمني بشكل عام، حيث مس، أيضا، الإدارة والقضاء، بالإضافة إلى الجيش والشرطة، وهي القطاعات التي يتوقف عليها حل النزاعات المتكررة التي تحدث في المنطقة. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا يزال الناس يقتلون كل يوم في منطقة مالييما جراء بزوغ حركات التمرد بشكل تكراري.

وبسبب هذه الأوضاع، سيتعين على هذا البلد أن يعتمد على أمواله الخاصة لتنفيذ برنامجه ومواصلة مشاريعه الإصلاحية. وعلاوة على ذلك، لا تزال هناك حاجة لفتح الباب أمام حوار واسع النطاق حول السلام، يشمل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك ميليشيا ماي ماي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال. فبفضل الرجوع إلى اتخاذ القرار على المستوى الوطني يمكن ضمان نجاح مجهودات أكثر استدامة من أجل السلام.

أزمة معقدة
أكد خالد الشكراوي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن الأوضاع لا تزال مختلفة بعضها عن بعض في إفريقيا، مما يدل على ضعف عام للدولة، وغياب سياسات فعالة لمواجهة الآثار السلبية على الاستقرار.

ولاحظ الشكراوي أن أزمة كورونا جعلت مهمة الأمن أكثر صعوبة في إفريقيا، مع وجود تفاوتات كبيرة بين البلدان، بالنظر إلى درجة احتدام الصراع وقضايا الحكامة التي سبقت الوباء. قبل أن يشدد على أن تطور الوباء يرتبط بخصوصيات كل بلد، الشيء الذي يستدعي البحث في مسألة التشابه بين دول شمال وجنوب القارة الإفريقية. ومن جهة أخرى، لم تعد العديد من البلدان تنشر البيانات الخاصة بـالجائحة في إفريقيا.

كما أن النظم والاستراتيجيات الصحية غير متجانسة، فضلاً عن مظاهر المرض، وهي مسألة يصعب التعليق عليها في غياب البحث، حيث لا يوجد نقاش في إفريقيا حول الانتشار والطفرات المحتملة للفيروس. لذلك تظل إدارة الأزمة معقدة للغاية بالنسبة للدول، ولكن هذه المأساة الإنسانية هي أيضًا فرصة للدول لحماية السكان بدلاً من فرض القوة، وفرصة للتصالح والتفاعل مع السكان، من خلال المؤسسات الاجتماعية والثقافية، والإقناع بفاعلية وشرعية الإجراءات المتخذة. فلا تزال الاستراتيجيات الأمنية تفتقر إلى البعد الإقليمي والقاري، من أجل استشراف تطور الأزمة الصحية في المستقبل والاستجابات اللازمة. وزاد الشكراوي قائلا " إننا كلنا ننتظر من دول وقوى أخرى إنتاج لقاحات ضد (كوفيد – 19)، وسندفع الثمن، بعد إبرام إتفاقيات مع دول معينة، بدلاً من شرائها بسعر أرخص من الصين أو روسيا.