تعتزم مرشحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشغل المقعد الشاغر في المحكمة العليا إبلاغ أعضاء مجلس الشيوخ لاحقا بأنها ستحكم في القضايا القضائية بإنصاف "مهما كانت تفضيلاتي الخاصة".

تواجه القاضية المحافظة آمي كوني باريت جلسات استماع لإقرار تعيينها تستمر أربعة أيام في مجلس الشيوخ تبدأ من اليوم الاثنين.

وإذا ما تمت الموافقة على تعيينها، فإن القاضية باريت، البالغة من العمر 48 عاما، ستحل محل القاضية الليبرالية روث بادر جنسبيرغ، التي توفيت أخيرا بعمر 87 عاما.

وأثار ترشيح القاضية باريت للمنصب جدلا سياسيا.

فقد أعلنه الرئيس ترامب في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي. ويحاول الجمهوريون الانتهاء من العملية قبل أن يواجه ترامب خصمه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل.

وفي حال إقرار تعيين باريت، فإن القضاة ذوي الميول المحافظة سيكون لديهم أغلبية بواقع 6-3 في المحكمة العليا، وهو ما سيغير من توازنها الأيديولوجي ربما لعقود قادمة.

يشغل قضاة المحكمة العليا التسعة المعينين مناصبهم مدى الحياة. ويمكن لقراراتهم أن تشكل السياسة العامة حول كل شيء من قضايا حيازة السلاح وحقوق التصويت إلى الإجهاض وتمويل الحملات الانتخابية.

ويخشى الديمقراطيون من أن يؤدي تعيين باريت إلى إعطاء أفضلية للجمهوريين في القضايا الحساسة سياسيا التي تصل إلى المحكمة العليا.

وباريت هي ثالث قاض يتم تعيينه من قبل الرئيس ترامب بعد نيل غورسوتش في 2017 وبريت كافانو في 2018.

ما الذي ستقوله القاضية باريت لأعضاء مجلس الشيوخ في كلمتها الافتتاحية؟

وفيما يعتبر مقابلة فعلية للمنصب، ستمنح جلسة الاستماع الخاصة بتثبيت التعيين باريت فرصة لشرح فلسفتها القضائية ومؤهلاتها للمنصب الذي يستمر مدى الحياة.

وفي كلمتها المعدة التي نشرت قبيل جلسة الاستماع، تقدم باريت الشكر للرئيس ترامب على "تكليفي بهذه المسؤولية العميقة"، التي تصفها بـ "تكريم العمر".

وفي خطابها، ستتحدث باريت، التي لديها سبعة أبناء، عن أهمية عائلتها وكيف هيأها والداها لـ "حياة الخدمة العامة والمبدأ والإيمان والحب".

وستشيد بالقضاة الذين عملت معهم، بمن فيهم القاضي بالمحكمة العليا السابق أنطونين سكاليا.

وستقول باريت إن المنطق الذي تحلى به القاضي سكاليا "شكّلني". وستقول أيضا: "فلسفته القضائية كانت بسيطة: على القاضي أن يطبق القانون كما كُتب، لا كما يرغب القاضي."

وستقول أيضا إنها "قررت الحفاظ على التصور نفسه" في عملها القضائي.

وتتحدث عن اعتقادها بأن اتخاذ "القرارات السياسية وتقييم الأحكام" أمر يعود للسياسيين المنتخبين وليس لقضاة المحكمة العليا.

وعن طريقتها في ممارسة عملها ستقول باريت: " في كل قضية، كنت أدرس الحجج المقدمة من الأطراف بعناية، وأناقش المسائل مع زملائي في المحكمة، وأبذل قصارى جهدي للوصول إلى النتيجة التي يتطلبها القانون، مهما تكن تفضيلاتي الخاصة."

وتشير إلى أنه "عندما أكتب رأيا في حل قضية ما، أقرأ كل كلمة من منظور الطرف الخاسر. وأسأل نفسي كيف سأنظر للقرار لو كان أحد أولادي الطرف الذي أحكم ضده."

ما هي عملية تثبيت التعيين؟

بعد انتهاء جلسات الاستماع الخاصة بالتعيين، سيصوت مجلس الشيوخ- الغرفة العليا في الكونغرس الأمريكي- على تثبيت أو رفض تعيين القاضية باريت.

ويتمتع الجمهوريون بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، لكن يبدو أن لديهم الـ 51 صوتا المطلوبة لتثبيت تعيين القاضية باريت.

القاضية باريت عملت مع القاضي الراحل أنتونين سكاليا
Reuters
سوف تتعهد القاضية باريت ببذل قصارى جهدها للوصول إلى النتيجة التي يتطلبها القانون، مهما تكن تفضيلاتها الخاصة.

وتعهد ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، بإجراء تصويت التثبيت قبل موعد الانتخابات الرئاسية.

وما لم تحصل مفاجأة، فإنه يبدو أن الديمقراطيين لديهم خيارات إجرائية قليلة لمنع إقرار مجلس الشيوخ تعيينها في المحكمة العليا.

لماذا يثير تعيين القاضية باريت كل هذا الجدل؟

منذ وفاة القاضية جنسبيرغ بمرض السرطان في 18 سيتمبر/ أيلول الماضي، اتُهم الأعضاء الجمهوريون في مجلس الشيوخ بالنفاق بسبب مضيهم قدما في تعيين مرشحة للمحكمة العليا خلال سنة تشهد انتخابات رئاسية.

ففي العام 2016، رفض ميتش ماكونيل عقد جلسات استماع لمرشح الرئيس الديمقراطي باراك أوباما للمحكمة العليا، ميريك غارلاند.

ونجح الجمهوريون في اعتراض عملية الترشيح، التي جاءت قبل 237 يوما من موعد إجراء الانتخابات، لأنهم عقدوا جلسة للمجلس وذهبوا إلى القول إن القرار يجب أن يتم في وقت خارج السنة التي تجرى فيها الانتخابات.

أما هذه المرة، فقد أشاد ماكونيل بتعيين القاضية باريت، قائلا إن الرئيس "ما كان ليتخذ قرارا أفضل من ذلك."

يقول الديمقراطيون إنه يتعين على الجمهوريين أن يتمسكوا بموقفهم السابق ويدعوا الناخبين يقررون. لكن الجمهوريين يردون عليهم بالقول إن الديمقراطيين أيضا غيروا موقفهم منذ 2016.

وقد وصف بايدن جهود ترامب في تعيين قاضية للمحكمة العليا بأنه "إساءة استخدام للسلطة".

ورفض حتى الآن التعليق على ما إذا كان الديمقراطيون سيحاولون إضافة مقاعد للمحكمة العليا في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.

وحث الديمقراطيون القاضية باريت على عدم المشاركة في أي قضايا تتضمن نتيجة الانتخابات الرئاسية والتحدي القادم لقانون الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير".

وحجتهم في ذلك هي أنه وبسبب تعيينها من قبل الرئيس ترامب خلال حملة انتخابية، فإنه لن يكون أمرا أخلاقيا بالنسبة لها أن تصدر حكما في مثل هذه القضايا.

كما أثار الديمقراطيون المخاوف من انتشار فيروس كورونا بين سياسيين كبار، بمن فيهم جمهوريون مشاركون في جلسات الاستماع الخاصة بتثبيت تعيين القاضية باريت.

لكن قادة الجمهوريين الحريصين على المضي قدما في عملية التعيين، رفضوا المناشدات الداعية إلى تأجيل جلسات الاستماع.

من هي آمي كوني باريت؟

* المرشحة المفضلة من قبل المحافظين الاجتماعيين بسبب سجلها من المواقف من قضايا مثل الإجهاض وزواج المثليين.

* كاثوليكية ملتزمة لكنها تؤكد أن إيمانها لن يؤثر على رأيها القضائي.

* أصولية، وهو ما يعني تفسيرها للدستور الأمريكي كما أراد واضعوه، وليس كدستور يتوافق مع تغير الأزمان.

* تعيش في ولاية إنديانا، ولديها سبعة أولاد، بينهم اثنان تم تبنيهم من هاييتي.

تحليل: أنتوني زورتشر: مراسل بي بي سي في أمريكا الشمالية

سيكون للتغير في التوازن الأيديولوجي للمحكمة تأثير على كافة مناحي الحياة الأمريكية وعلى عموم الولايات المتحدة. وربما سيكون هذا التغير في ولاية تكساس أكثر من أي مكان آخر.

وبينما يجري الخلاف السياسي حول التعيين الذي قام به ترامب في واشنطن دي سي، إلا أن بعضا من أكبر المعارك القضائية التي وصلت إلى المحكمة العليا في السنوات الأخيرة جاءت من تكساس.

إن الولاية، التي اعتادت على توسيع حدود القانون المحافظ وقضاياه والدفع بها إلى أقصى مدى، لم تكسب دائما تلك القضايا الرفيعة المستوى.

ففي القضايا الخاصة بالقانون المناهض للواط، حقوق التصويت، عقوبة الإعدام ومؤخرا الإجهاض، كانت تقترب في الغالب من الإقرار، وفي كثير من الأحيان بأغلبية ضئيلة في القرارات بنتيجة تصويت 5 إلى 4.

غير أنه بوفاة القاضية جنسبيرغ واستعداد القاضية باريت لشغل مقعد في المحكمة، فإن المحافظين في تكساس متفائلون بقلب الأمور في المحكمة العليا لصالحهم.