إلى أي مدى سوف يذهبان؟ تضاعفت الخلافات بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي رجب طيب إردوغان والمواقف الاستراتيجية المتعارضة، ما جعل العلاقات بينهما تصل إلى حد تبادل الإهانات.

باريس: من الدبلوماسية إلى الجغرافيا السياسية والعلاقة مع الإسلام .. تتراكم الملفات منذ عام وتتصلب المواقف منذ بداية الصيف. في ما يأتي قائمة بالخلافات فيما استُدعي السفير الفرنسي لدى تركيا إلى باريس "للتشاور".

إرث ثنائي معقد

عندما تولى إيمانويل ماكرون الحكم في عام 2017، كانت العلاقات الثنائية متوترة بالفعل. لم تكن باريس مطلقاً متحمسة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2001، اعترفت فرنسا بإبادة الأرمن مثيرة ردود فعل غاضبة في أنقرة.

منذ ذلك الحين، تضاعفت مواضيع الخلاف ومعها الانتقادات. وصار يمكن وصف ما يدور بينهما بحوار الطرشان و"الأخطر، رفض محاولة فهم منطق المحاور"، كما يقول ديدييه بيون، المتخصص بشؤون تركيا ونائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس)، مضيفاً: "يبدو الآن أن الرؤى الأيديولوجية المتعارضة هي السائدة وتؤدي إلى طريق مسدود".

سوريا وليبيا والبحر الأبيض المتوسط والقوقاز

توترت العلاقات الثنائية حول ما تسميه باريس "الغطرسة التركية".

في سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، أثارت أنقرة غضب باريس من خلال الاستيلاء من القوات الكردية، حليفة الغرب في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، على شريط حدودي يبلغ طوله 120 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.

وفي ليبيا، تدخل إردوغان عسكريًا إلى جانب حكومة فايز السراج المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، ضد سلطات شرق ليبيا ممثلة بالمشير خليفة حفتر. بعد اتهامها بدعم حفتر، تدين باريس اليوم جميع التدخلات الأجنبية وترفض السماح لتركيا بالحصول على موطئ قدم في ليبيا حيث ستسيطر على نقطة عبور ثانية للمهاجرين إلى أوروبا.

في شرق البحر الأبيض المتوسط، تستند تركيا إلى اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وقعتها مع السراج للمطالبة بالسيادة على جرف قاري ممتد حيث تجري أبحاثًا للعثور على الغاز مثيرة استياء اليونان وقبرص.

أما الجبهة الأخيرة ففي القوقاز حيث تدعم تركيا أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا حول ناغورني قره باغ. وندد الرئيس ماكرون في هذا الصدد بإرسال تركيا مرتزقة سوريين إلى الجبهة.

مواجهة في حلف الاطلسي

ومثل حلف شمال الأطلسي وكلا البلدين عضوان فيه ساحةً للخلاف. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وصف إيمانويل ماكرون الحلف بأنه في حالة "موت سريري". في المقابل، دعا إردوغان الرئيس الفرنسي إلى أن "يفحص موته السريري".

تغير الوضع في بداية الصيف، عندما نددت باريس بالسلوك التركي "العدواني للغاية" ضد فرقاطة فرنسية تشارك في مهمة لحلف شمال الأطلسي في البحر المتوسط، خلال محاولة السيطرة على سفينة شحن يشتبه في أنها تنقل أسلحة إلى ليبيا. ورفضت أنقرة الاتهامات التي قالت إن "لا أساس لها".

مسألة الإسلام

اشتعل الخلاف بين الجانبين في ما يتعلق بالقضية الدينية على خلفية مشكلات داخلية، إذ ردت أنقرة بحدة على خطاب الرئيس ماكرون حول "الانعزالية الإسلامية" وضرورة "هيكلة الكيانات الإسلامية" في فرنسا.

من جانبها، اتهمت باريس السلطات التركية بعدم استنكار قطع رأس المدرس صمويل باتي في 16 تشرين الأول/أكتوبر بسبب عرضه رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد على تلامذته. وقالت أنقرة إنها قدمت تعازيها في اليوم التالي ودانت رسمياً الاثنين "الاغتيال الوحشي" للمدرس.

يقول علي بكير المحلل السياسي التركي المقيم في أنقرة إن تصريحات ماكرون حول الإسلام في فرنسا لا يمكن إلا أن تصدم محاوره. ويضيف "كان على إردوغان أن يختار بين الاتفاق مع ما يقوله الرئيس الفرنسي، وبذلك يظهر ضعيفا وعاجزا أمام مواطنيه والمسلمين الذين يؤمنون بقيادته، أو الرد. بالطبع اختار الرد".

سجال شخصي

اختار إردوغان شن هجوم شخصي على ماكرون السبت، ما أدى إلى تأجيج مشاعر قوية جداً معادية للفرنسيين في العالم الإسلامي. "كل ما يمكن قوله عن رئيس دولة يتعامل مع ملايين ينتمون إلى طوائف دينية مختلفة بهذه الطريقة هو: افحص صحتك العقلية أولاً".

والاثنين، نشرت صحيفة ديلي صباح التركية الموالية للحكومة على صفحتها الأولى صورًا مركبة للرئيس الفرنسي وزعيم اليمين المتطرف الهولندي غيرت فيلدرز مع عنوان: "ماكرون وفيلدرز وجهان للكراهية والعنصرية في أوروبا".

يقول بيار رازو، المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر الأبيض المتوسط للدراسات الاستراتيجية: "تتمثل استراتيجية إردوغان في دفع فرنسا إلى ارتكاب خطأ من خلال مضاعفة الاستفزازات اللفظية المباشرة، لإثارة ضجيج وصرف الانتباه" عن الصعوبات الداخلية والخارجية في تركيا.

ويضيف: "إردوغان يحاول عزل فرنسا وتقسيم الأوروبيين، لذا يشعل الأمور على كل الجبهات".