وجّهت الولايات المتحدة لائحة اتهامات ضدّ الليبي أبو عقيلة محمد مسعود، المشتبه بصنعه القنبلة التي أدّت إلى تفجير طائرة "بان أم الرحلة رقم 103"، فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية عام 1988.

وقال وزير العدل الأمريكي ويليام بار إن أبو عقيلة يواجه تهماً تتعلق بارتكاب جرائم إرهابية بعد مرور 32 عاماً على الكارثة.

وكان الهجوم على طائرة بوينغ 747 قد أدى إلى مقتل 270 شخصاً، من بينهم 190 مواطناً أمريكياً.

ويسعى ممثلو الإدعاء إلى طلب تسليم أبو عقيلة مسعود ليحاكم في الولايات المتحدة.

وتزعم الولايات المتحدة أن مسعود كان يعمل سابقاً في جهاز المخابرات الليبية، وأنه قاد الهجوم على الطائرة، بأمر من الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي.

ولا تزال حادثة تفجير الطائرة التي انطلقت من لندن إلى نيويورك، تمثّل أكثر الحوادث دموية في بريطانيا، وثاني أعنف الهجمات في تاريخ الولايات المتحدة.

وكان ويليام بار، يشغل منصب المدعي العام عام 1991 أيضاً حين صدرت الاتهامات للمرة الأولى في القضية ضد مشتبه بهم ليبيين.

وقال رئيس شرطة اسكتلندا لاين ليفينغستون، إن الاتهامات تمثّل "تطوراً مهمّاً"، وإنهم سيتابعون العمل عن كثب مع الولايات المتحدة وسلطات دولية أخرى. وأضاف أنه "من غير المناسب التعليق أكثر من ذلك" الآن.

"القذافي شكره شخصياً"

وقال المدعي العام ويليام بار إنه "مسرور بإعلان توجيه الولايات المتحدة اتهامات جنائية ضد المتآمر الثالث، أبو عقيلة محمد مسعود، لدوره في التفجير".

وأضاف: "إذا لم يقع أي خطأ، مهما طال الزمن أو المسافة لن تتوقف الولايات المتحدة أو شركاؤها الاسكتلنديين عن السعي إلى تحقيق العدالة في هذه القضية".

وقال المدعي العام إن التطور الذي أدى إلى إصدار الاتهامات يوم الإثنين، جاء بعدما علمت السلطات أن المشتبه به محتجز في ليبيا. وأشار إلى أن السلطات الليبية سلّمت نسخة من المقابلة مع مسعود إلى المسؤولين الأمريكيين.

وأعلن أن أبو عقيلة مشتبه به في صنع القنبلة والتعاون مع اثنين آخرين. وأضاف قائلاً إن القذافي شخصياً شكره على "الهجوم الناجح ضد الولايات المتحدة".

وقال "أخيراً سيخضع هذا الرجل المسؤول عن مقتل أمريكيين وكثيرين غيرهم، للمحاكمة على جرائمه". وأبدى تفاؤله بشأن تسليمه من قبل السلطات الليبية.

انتظار طويل

تحليل بول آدامز- مراسل الشؤون الدبلوماسية

مرّ وقت طويل بالنسبة لبيل بار. فقد كان المدعي العام منذ 29 عاماً، حين وجه أولى لوائح الاتهام ضد المشتبه بهم في قضية لوكيربي.

وصرّح اليوم، خلال القيام بآخر أعماله بصفته أعلى مسؤول قانوني في إدارة دونالد ترامب، بأن الأحداث اكتملت مع الكشف عن الاتهامات الموجهة إلى أبو عقيلة.

وقال أمام مراسلين "على الإرهابيين أن يعلموا أننا في النهاية سنصل إليهم".

ودارت العديد من النظريات على مرّ السنين، حول المسؤول عن التفجير. ووجهت أصابع الاتهام، من وقت لآخر، تارة إلى سوريا وتارة إلى إيران، أو إلى الفصائل المسلحة الفلسطينية، وأخيراً إلى ليبيا.

لكن المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين اقتنعوا منذ وقت طويل بأن تفجير لوكيربي كان صنيعة عملاء ليبيين، يتلقون أوامرهم من القذافي.

يمكن للاتهامات التي صدرت اليوم أن تبعد أخيرا النظريات الأخرى.

حطام الطائرة في لوكيربي عام 1988
Getty Images
حطام الطائرة في لوكيربي عام 1988

من هو أبو عقيلة محمد مسعود؟

يزعم أنه كان من كبار صانعي المتفجرات العاملين لدى القذافي.

اقتفى الصحفي كين دورشتاين، الذي قتل شقيقه على متن طائرة "بان أم"، أثر أبو عقيلة خلال تصوير فيلم وثائقي تلفزيوني عام 2015.

قال دورشتاين لبي بي سي إن مسعود كان "شخصية غامضة"، ذكر اسمه في التحقيق الأولي على أنه "خبير تقني".

وذكرت في الفيلم الوثائقي مزاعم عن دور لأبو عقيلة في تفجير ملهى ليلي في برلين الغربية، أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص.

وورد أنه سجن في ليبيا خلال انتفاضة عام 2011 بسبب دوره إلى جانب القذافي.

ماذا تضمنت الاتهامات الأمريكية؟

بناء على سجلات سفر وشهادات، يزعم المحققون الأمريكيون أن مسعود سافر من طرابلس في ليبيا إلى مالطا في كانون الأول/ديسمبر 1988، لكنه قابل قبل سفره مسؤولاً في المخابرات الليبية.

بعد ستة أيام، التحق به معاونان إلى مالطا. وبحسب المزاعم، عمل الثلاثة على صنع جهاز التفجير.

ويذكر في الشكوى أنهم استخدموا ملابس اشتروها من متجر في مالطا لإخفاء الشريط الذي يحمل المتفجرة.

ويزعم التحقيق أن مسعود جهّز العبوة للتفجير في 21 كانون الأول/ديسمبر.

ووضعت الحقيبة التي تحمل القنبلة على إحدى الرحلات الفرعية من مالطا إلى فرانكفورت، ثم إلى مطار هيثرو في لندن حيث شحنت على متن طائرة "بان أم".

وورد أن أبو عقيلة عاد في اليوم ذاته إلى طرابلس. وزُعم أنه التقى بعد أيام مع معاون له، مسؤولاً كبيراً في المخابرات أثنى على عملهم.

كارا ويبز، شقيقة أحد ضحايا التفجير خلال التعليق على توجيه لائحة الاتهام
Reuters
كارا ويبز، شقيقة أحد ضحايا التفجير خلال التعليق على توجيه لائحة الاتهام

كيف تجاوب أهالي الضحايا؟

قالت كارا ويبز التي فقدت شقيقها في التفجير خلال مؤتمر صحفي "كان شعار أفراد العائلات على مدى 32 عاماً، هو وجوب معرفة الحقيقة".

وقبل صدور الإعلان، انتقدت عائلات بريطانية توقيت إصدار التهم بالتزامن مع ذكرى التفجير، متهمة وزارة العدل الأمريكية باستخدام القضاية "لأغراض دعائية".

وقال جون موسي الذي قتلت ابنته البالغة من العمر 19 سنة في التفجير، إنه لن يقبل الدعوة لحضور الحدث عن بعد.

وكتب موسي أنه وزوجته شعرا بأن التوقيت كان "غريباً، غير محترم، عديم الحسّ وسيئ للغاية".

وقال: "لماذا تستغل ذكرى وفاة ابنتنا هيلغا و269 آخرين لاستعراض محاكمة مشبوهة للغاية مرة أخرى".

وأضاف أن السؤال عن لماذا سمح بحدوث الهجوم أهم بكثير من معرفة من ارتكبه.

من اتهم أيضاً بالتفجير؟

الليبي عبد الباسط المقرحي هو الرجل الوحيد الذي أدين عام 2001 في قضية التفجير.

وكان المقرحي الذي طالما أصرّ على برائته، قد تقدم بطلبي استئناف ضد الحكم بسجنه 27 عاماً. لم ينجح الاستئناف الأول وأسقط الثاني.

وأطلق سراح المقرحي من السجن في اسكتلندا لأسباب إنسانية بعد أن أصيب بمرض السرطان في مراحله النهائية. وعاد إلى ليبيا عام 2009. وتوفي بعد ثلاثة أعوام.

وتنظر محكمة في اسكتلندا استئنافا تقدمت به أسرة المقرحي ضد حكم إدانته بارتكاب التفجير.