نيويورك: لطالما كانت الغرافيتي جزءا من تاريخ نيويورك منذ أكثر من 50 عاما، غير أنها باتت تنتشر في المدينة أكثر من أيّ وقت مضى في ظلّ تفشي الوباء، في ما يراه البعض مؤشّرا إلى الانحطاط وينظر إليه آخرون على أنه سمة من سمات الحيوية.

عند حلول الليل، يلقي رسّام الغرافيتي ساينوسليب نظرة سريعة على محيط متجر للسلع الفاخرة أغلق بعد تعرّضه للنهب على هامش التظاهرات التي اندلعت على خلفية مقتل جورج فلويد.

ويقول الفنان الأربعيني الذي يسترزق من فنّه لكن تحت اسم مستعار آخر "لم نشهد أبدا فترة كهذه".

وتشكّل واجهات مئات المتاجر التي أغلقت أبوابها نهائيا من جرّاء التداعيات الاقتصادية للوباء "دعوة" إلى الفنّانين، على حدّ قول ماري فلاجول القيّمة على متحف فنون الشارع في نيويورك (موسا).

والحال كذلك بالنسبة إلى الجدران والشوارع والأرصفة التي تمثّل كلّها ركائز لهذه الرسوم، وصولا إلى عربات قطار الأنفاق التي طُليت 34 منها منذ مطلع ديسمبر.

ويقول ساينوسليب "إنها نهضة الغرافيتي".

وقد انتقلت الرسوم الجدارية من الشارع إلى صالات العرض اعتبارا من الثمانينات وشهدت انتشارا واسعا في مطلع الألفية في سياق فنون الشارع التي لم تعد في أغلب الأحيان تقتصر على مخالفات قانونية وباتت تزدهر في أماكن مرخّصة.

لكن منذ مارس، تنتشر هذه الرسوم الجدارية التي كانت مضبوطة حتّى فترة حديثة بشكل متفلّت في نيويورك.

ويقول ساينوسليب إن "الناس يريدون الإعراب عن مكنوناتهم"، مشيرا إلى أنه رأى أشخاصا في السبعينات من العمر يمارسون هذا النشاط، "فقد استولى عليهم الملل ويريدون ما يشغلهم".

وقد أدّى تنامي حركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمّة) دورا في ازدهار الغرافيتي، مع كتابة شعاراتها ومطالبها على الجدران.

وفي مدينة لم تعد شوارعها تنبض بالحياة وغابت عنها مظاهر الحياة الاجتماعية، تشكّل الغرافيتي "وسيلة للتأكيد على الوجود في ظلّ الانطباع السائد بأن نيويورك قد ماتت"، بحسب ما تقول فلاجول.

"مؤشّر تدهور"

غير أن هذا الزخم الإبداعي لا يلقى استحسان الجميع. ففي يوليو، انتقد حاكم ولاية نيويورك أندرو كوومو ما وصفه بتقاعس رئيس بلدية المدينة بيل دي بلازيو، معتبرا أنه "مؤشّر إضافي إلى تدهور" ظروف العيش في نيويورك في ظلّ ارتفاع الجرائم وعمليات إطلاق النار.

وما زاد من حدّة الانتقادات تعليق برنامج "غرافيتي-فري نيويورك سيتي" الذي سمح بتنظيف نحو 15 ألف موقع في 2019، لأسباب مالية في مارس.

وتقول دارسي ويبير التي انتقلت مؤخرا للعيش في نيويورك "إنها حقّا قذرة. يقول البعض إنه فنّ، لكن هل هو مجاز؟ لا، لذا، هي أعمال تخريب".

ويرى البعض أن هذه الغرافيتي تعود بالذاكرة إلى السبعينات والثمانينات عندما كانت المدينة تئن تحت وطأة الجرائم وصعوبات مالية.

ويلفت ساينوسليب إلى "العدد المتدنّي لرجال الشرطة في الشوارع".

وتؤكّد شرطة نيويورك من جهتها في اتصال مع وكالة فرانس برس أنها "تدرك ضرورة التعامل مع الجنح المتعلّقة برسوم الغرافيتي"، مع الإشارة إلى أن عدد الحوادث المرتبط بهذه الممارسات قد انخفض بنسبة 17 % مقارنة بالعام الماضي.

والحال كذلك في هيئة المواصلات في نيويورك (ام تي ايه) حيث كشفت الإدارة عن تراجع في الحوادث ذات الصلة بنسبة 35 %.

ويقول ساينوسليب "منذ بداية العزل العام، رصدتني الشرطة مرّات عدّة، لكنّ أحدا لم يوقفني".

وفي تسجيل مصوّر نشر في مطلع نوفمبر، قال إريك آدمز رئيس بروكلين إنها ممارسات "تشوّه حيّنا وتكلّف أصحاب العقارات آلاف الدولارات لإزالتها".

ويلفت كين لوفيت مستشار المدير التنفيذي في هيئة المواصلات إلى أن الغرافيتي تستنزف موارد قيّمة "في وقت تواجه الهيئة أسوأ أزمة مالية في تاريخها".

ويقول برايس غراهام الذي يقطن حيّ تشيلسي "كنت لأستغرب الأمر في مدينة أخرى، مثل أوتاوا في كندا حيث تعمّ النظافة لكن ليس في نيويورك".