واشنطن: بعد يومين على أعمال العنف التي اجتاحت مبنى الكابيتول وهزت أميركا وأثارت صدمة في العالم، تبدو رئاسة دونالد ترمب على حافة الانهيار.
وأعلن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته الذي تخلى عنه عدد من المسؤولين الجمهوريين وبات منعزلا في البيت الابيض، في تغريدة مقتضبة الجمعة أنّه لن يحضر مراسم تنصيب جو بايدن رئيساً.
من جهتها أعلنت زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس نانسي بيلوسي الجمعة انها تواصلت مع الجيش الاميركي للتأكد من ان ترمب لن يكون قادرا على استخدام الرموز النووية، متوعدة بأن الكونغرس سيتحرك إذا لم يتنح سريعا.
ونكست أعلام الكابيتول بعد وفاة شرطي كان أصيب في المواجهات مع أنصار ترمب ما يرفع حصيلة أعمال العنف التي وقعت الاربعاء الى خمسة قتلى.
وقد وجه القضاء الفدرالي الأميركي الاتهام الى 15 شخصا في قضية أعمال العنف في الكابيتول.
ومع دعوات للاستقالة وخطط لاجراءات عزل وسيل من الانتقادات لرئيس متهم بانه قوض المؤسسات وصب الزيت على النار، بات ترمب قبل 12 يوما على انتهاء ولايته منعزلا في البيت الابيض ووحيدا الى حد كبير.
وكان أقر في رسالة عبر الفيديو نشرها مساء الخميس، أخيرا بهزيمته رغم انه لم يذكر ابدا الرئيس المنتخب جو بايدن او حتى هنأه.
في هذا الفيديو الهادف الى محاولة انقاذ نهاية ولايته، ندد أيضا "بهجوم مقيت" على الكابيتول لكن بدون ان يتطرق الى مسؤوليته في هذه المأساة التي مست بصورة أميركا في كل انحاء العالم.
وقال الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته إنه "ساخط إزاء أعمال العنف" التي ارتكبها مئات من انصاره الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأربعاء. وأضاف "لقد عشنا للتو انتخابات شديدة الوطأة والمشاعر لا تزال جياشة (..) لكن ينبغي التحلي بالهدوء".
لكن عددا من المسؤولين الديموقراطيين والجمهوريين أجمعوا الى القول ان رسالته جاءت متأخرة فيما تتوالى الاستقالات في فريقه المقرب وحكومته.
إرحل الى مارالاغو
يعتقد بعض منتقديه أن أسهل طريقة هي أن يصمت الرئيس الخامس والأربعون ويترك نائب الرئيس مايك بنس يتولى منصبه بحكم الأمر الواقع حتى 20 كانون الثاني/يناير موعد اداء جو بايدن اليمين.
يرى وزير الأمن الداخلي السابق جيه جونسون أن أي شخص لديه تأثير ضئيل على دونالد ترمب يجب ان يوصل اليه رسالة بسيطة "اصعد في طائرة الرئاسة وارحل إلى مارالاغو وابق هناك".
وقال السناتور الجمهوري بن ساسي في حديث مع إذاعة "ان بي ار" كلما قام بأمور أقل خلال الايام ال12 الأخيرة، كان الأمر أفضل" مضيفا "لقد كذب دونالد ترمب على الأميركيين والأكاذيب لها تداعيات".
ودعت صحيفة وول ستريت جورنال التي يملكها رجل الأعمال روبرت مردوخ الذي كان حليفا لترمب ، في مقال افتتاحي الرئيس المنتهية ولايته الى تحمل مسؤولياته والاستقالة. وكتبت "سيكون هذا أفضل للجميع، بمن فيهم هو نفسه، اذا رحل بهدوء".
من معقله في ويلمينغتون بولاية ديلاوير تولى جو بايدن بدون الانتظار دور القائد المكلف تضميد جراح أميركا المقسومة قائلا انها "عاشت أحد أحلك الأيام" في تاريخها.
وأضاف ان دونالد ترمب "كثف الهجمات" منذ اربع سنوات على المؤسسات الديموقراطية الأميركية في السنوات الأربع الأخيرة وقد بلغت هذه الحملة "ذروتها" الأربعاء.
وحض كبار مسؤولي الحزب الديموقراطي مايك بنس على أن يعلن مع غالبية من اعضاء الحكومة ان دونالد ترمب "غير أهل" لتولي مهام منصبه استنادا إلى التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأميركي.
لكن بنس لا يؤيد هذا الأمر خشية ان يؤدي ذلك الى تفاقم التوتر، بحسب ما قال احد المقربين منه لصحيفة نيويورك تايمز.
عزل
من جانب آخر يمكن للكونغرس أن يطلق اجراء عزل. وتستعد مجموعة من الاعضاء الديموقراطيين في مجلس النواب الأميركي، لتقديم اجراءات "عزل".
ورأى زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن "ما حصل في الكابيتول يشكل تمردا على الولايات المتحدة بتحريض من الرئيس". وأكد أنه "ينبغي على الرئيس ألا يبقى في منصبه ولو ليوم واحد بعد الآن".
وحذر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن ماكارثي الديموقراطيين معتبرا ان إطلاق اجراء عزل ضد ترمب لن يؤدي "إلا الى انقسام البلاد بشكل اضافي".
في تغريدة نشرها صباح الجمعة لم يتطرق ترمب الى الدعوات لاستقالته لكنه أكد ان "ال75 مليونا من الوطنيين الاميركيين العظماء الذين صوتوا له سيكون لهم صوت هائل في المستقبل" مضيفا "لن يعاملوا بأي شكل كان بطريقة غير عادلة".
وأظهرت الصور الملتقطة داخل المبنى العريق التاريخي أعضاء في الكونغرس يضعون الأقنعة الواقية من الغاز وعناصر شرطة يشهرون أسلحتهم ومتظاهرين يحتلون مكاتب برلمانيين.
وقضت امرأة من المقتحمين وعنصر شرطة في أعمال العنف. وتفيد وسائل إعلام أن ثلاثة أشخاص آخرين قضوا أيضا في ظروف لم تتضح بعد.
وأثارت هذه المشاهد صدمة في العالم والحقت ضررا كبيرا بسمعة الولايات المتحدة وصورتها كنموذج للديموقراطية.
وقد استقال رئيس شرطة الكابيتول ستيفن سوند من منصبه بعد تعرضه لانتقادات كثيرة لإدارته الوضع.
وباشر القضاء تعقب المسؤولين عن الاقتحام. وقال المدعي العام الفدرالي في واشنطن مايك شيروين إن 55 إجراء قضائيا بوشرت في غضون 36 ساعة". وأكد "هذه مجرد بداية" موضحا أن مئات من الموظفين يتتبعون وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد هوية المشاركين في العملية.
ويظهر التململ واضحا داخل الحزب الجمهوري وحكومة ترمب وفريق إدارته. فقد أدى سلوكه المتطرف إلى ابتعاد جزء من أفراد معسكره.
فقد استقالت وزيرتا التربية بيتسي ديفوس والنقل إيلين تشاو. وقالت ديفوس في رسالة موجهة إلى دونالد ترمب "لا يُمكن إنكار أنّ خطابكم كان له تأثير على الوضع، وهذا كان نقطة تحوّل بالنسبة إليّ".
واستقال كذلك ميك مالفاني موفد الولايات المتحدة إلى إيرلندا الشمالية وقال في مقابلة مع "سي ان بي سي"، "لا يمكنني البقاء بعد ما حدث في الأمس (الأربعاء)".
وأعلن أعضاء عديدون في مجلس الأمن القومي استقالتهم كذلك.
واعرب السناتور الجمهوري لينسدي غراهام المقرب من ترمب عن قلقه من هذا النزيف وحثهم "على البقاء. فنحن نحتاج إليكم أكثر من أي وقت مضى".
ويتولى جو بايدن السلطة في مرحلة صعبة في التاريخ الأميركي إلا انه سيتمتع بصلاحيات شبه مطلقة لمدة سنتين على الأقل بسبب سيطرة الديموقراطيين على مجلسي الكونغرس.
التعليقات