صنعاء: ظنّت الشابة اليمنية العنود حسين شريان أن مأساتها شارفت على النهاية بعيد طلاقها من رجل عنيف أُجبرت على الزواج منه في سن الثانية عشرة، لكنه هاجمها بالأسيد بعد أربع سنوات انتقاما.

وقد فاقمت الحرب والفقر ظاهرة تعنيف النساء في اليمن. فمنذ اندلاع النزاع في أفقر دول شبه الجزيرة العربية في منتصف 2014، ازدادت حالات الزواج المبكر بين العائلات اليمنية الباحثة عن لقمة عيشها وسط الانهيار، وارتفعت معدلات العنف ضد النساء مع الانزلاق نحو أكبر أزمة إنسانية في العالم.

وتروي العنود التي تبلغ الآن من العمر 19 عاما قصتها لوكالة فرانس برس من صنعاء، في شهادة نادرة على معاناة الكثير من النساء في هذا البلد.

يخفي الحجاب وجهها الذي سكب عليه زوجها السابق الحمض الكاوي لتشويهها.

وتتذكر الشابة التي فقدت عينها اليسرى تقريبا وعانت من حروق من الدرجتين الثالثة والرابعة كيف اعتدى عليها قائلة "قام بشدي من شعري وسكب الأسيد عليّ... كان يضحك بينما كان يسكب الأسيد".

وتابعت "لم أستطع أن أفعل شيئا إلا أن أغمض عينيّ".

وتصف العنود حياتها مع زوجها بـ"جحيم في جحيم"، مشيرة إلى أنّه كان يضربها ويربطها بالأسلاك ويعتدي عليها.

توفي والد العنود وهي صغيرة، فتزوجت والدتها مرة أخرى، ثم قامت بعد فترة بتزويج ابنتها في سن الثانية عشرة من عمرها ل"حمايتها"، وفق ما تقول العنود.

وبعدما عاشت أربع سنوات تصف حياتها خلالها، بأنها كانت مثل حياة "العبد"، حصلت العنود على الطلاق وانتقلت للعيش مع شقيقتها. قررت العودة إلى الدراسة واختارت الطب ثم عملت في مجال التمريض في مستشفى خاص.

في أكتوبر الماضي، هاجمها زوجها السابق داخل منزل شقيقتها بعد رفضها العودة إليه.

تلقت العنود العلاج في العيادة الخاصة التي كانت تعمل فيها. وهي تنتظر حاليا الخضوع لثلاث عمليات تجميلية لإصلاح ما يمكن إصلاحه.

وبينما يقر الطبيب المعالج متوكل شحاري بصعوبة العمليات وتكلفتها المرتفعة، يؤكد أن "الآثار النفسية التي لا يمكن إصلاحها" هي التي ستلاحق الشابة، بينما يبقى زوجها السابق فارا من العدالة.

وتزويح الاطفال ممارسة شائعة في اليمن مثل تعدد الزوجات، ولا يتطلب موافقة الفتيات، وجعلت ست سنوات من الحرب وضعت البلاد على شفا المجاعة، هذه الزيجات أكثر شيوعا.

وتقول تيسير وليد من "اتحاد نساء اليمن"، وهي منظمة غير حكومية لدعم النساء في صنعاء، إن العائلات الفقيرة تسعى "للتخلص من مصاريف الأطفال وبشكل خاص الفتيات بسبب سوء الأحوال المادية".

وبسبب الحرب، لم تعد هناك منظمات كافية لدعم النساء ورعايتهن.

وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير نشر في العام 2020 إن "معدل العنف ضد النساء في اليمن مرتفع للغاية"، مقدرا وجود 2,6 مليون فتاة وسيدة يتعرضن للعنف.

وتوقع "أن يرتفع مستوى العنف القائم على جنس الشخص مع استمرار تفشي جائحة كوفيد-19".

وأشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في تقرير في 2020، أن "عدد الأطفال المتزوجين في البلاد يصل الى أربعة ملايين، 1,4 مليون منهم دون سن الخامسة عشرة".

وكان تقرير للأمم المتحدة أعد في العام 2013 أفاد أن ثلث النساء اليمنيات اللواتي تراوح أعمارهن بين 24 و32 عامًا تزوجن قبل سن 18، وأن 9 بالمئة منهن تزوجن قبل سن الخامسة عشرة.

ومنذ 2014، خلّف النزاع في اليمن عشرات آلاف القتلى ودفع نحو 80 في المئة من السكّان للاعتماد على الإغاثة الإنسانية وسط أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقاً للأمم المتحدة. وتسبّب كذلك بنزوح نحو 3,3 ملايين شخص.

وقتل وتشوّه أكثر من 7500 طفل في الأعوام الماضية، بحسب دراسة لمنظمة "سايف ذي تشيلدرن" غير الحكومية العام الماضي، بينما يحرم الملايين من الذهاب إلى المدرسة بسبب الدمار والفقر.

ورغم استمرار ويلات الحرب، تأمل العنود في الحصول على مساعدة من منظمات متخصصة محلية ودولية من أجل "إصلاح" حياتها لتعود إلى دراستها مرة أخرى.

وفي مطلع العام، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تطبيقاً للهاتف المحمول لتقديم إرشادات الحماية للناجيات من العنف ضد المرأة في جميع أنحاء اليمن.

وأشار الصندوق إلى أن المبادرة ولدت بعدما أدى النزاع إلى "تفاقم المشكلات التي تواجهها النساء، بما في ذلك زيادة العنف (...) بنسبة 63 بالمئة منذ بداية الحرب".

بالنسبة للشابة العنود، كل ما تريده هو فرصة جديدة لإعادة حياتها إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء: إصلاح ما يمكن إصلاحه في وجهها وجسدها، والعمل.

وتقول الشابة لوكالة فرانس برس وهي تكشف عن الحروق على يديها "أريد من الشرطة والقضاء والمنظمات أن تأخذ حقي من هذا المجرم، لكنني أريد أيضا أن أعود لشبابي ولدراستي وللعمل. أريد أن استعيد حياتي".