القدس: تولى بنيامين نتانياهو منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي لمدة قياسية بلغت 12 عاما متتالية، وهو أمر يعود جزئيا إلى نجاحه في إقناع بعض الناخبين بأنه وحده القادر على حماية الدولة العبرية والدفاع عنها على الساحة الدولية.

لكن في 23 آذار/مارس، يواجه السياسي المحنّك رابع انتخابات في غضون أقل من عامين، بعدما فشل مرارا في تشكيل ائتلاف موحّد داعم له، رغم امتلاكه قاعدة انتخابية يمينية مخلصة.

وتشير الاستطلاعات إلى أن رئيس الوزراء المعروف بمهارته السياسية والملقّب بشكل واسع بـ"بي بي"، قد يواجه على الأرجح صعوبات في الحصول على الغالبية البرلمانية التي يحتاجها بـ61 مقعدا.

ومنذ صوّت الإسرائيليون آخر مرة قبل عام، يبدو أن الدعم لحزب نتانياهو "الليكود" تراجع، على الرغم من إبرامه اتفاقيات تطبيع تاريخية مع أربع دول عربية وإطلاقه حملة تطعيم ضد كوفيد-19 كانت الأكبر على صعيد العالم.

ويرجع كولين شندلر من كلية "مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية" في لندن هشاشة موقف نتانياهو سياسيا إلى غياب الثقة مع الشركاء في أي ائتلافات يتم تشكيلها.

وقال شندلر مؤلّف كتاب "صعود اليمين الإسرائيلي: من أوديسا إلى الخليل" إنه "إذا كنت تثق بالناس طالما بإمكانك استخدامهم، يمكنك التظاهر بإقامة صداقات وتحالفات معهم. لكنك في نهاية المطاف، يتركّز توجّهك على حماية نفسك والنجاة. هكذا أرى نتانياهو".

لكن على الرغم من كونه أول رئيس وزراء إسرائيلي توجّه إليه اتهامات وهو في السلطة في إطار شبهات فساد ينفيها، تبدو فرص نتانياهو بالفوز في صناديق الاقتراع جيّدة مرة أخرى.

وبالنسبة لشندلر، يعود ذلك جزئيا إلى مسألة أن الناخبين لا يزالون يرون أنه الخيار الأسلم لقيادة البلاد. وقال "لهذا السبب لا يزال في السلطة. إنه حارس المرمى الوطني ولا يسمح (للأطراف الأخرى) بتسجيل أي أهداف".

ولد نتانياهو في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1949 في تل أبيب، وورث عن والده بن تسيون عقيدة متشددة، إذ كان الأخير المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي، زعيم تيار صهيوني يقدم نفسه على أنه "تصحيحي" ويسعى الى تأسيس "إسرائيل الكبرى".

يدافع نتانياهو عن رؤيته لإسرائيل بوصفها "دولة يهودية" يجب أن تمتد حدودها من الجهة الشمالية الشرقية وصولا للأردن. ومن هنا يأتي وعده بضمّ غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة.

وفي خطابه أمام "منتدى المحرقة العالمي" العام الماضي، قال نتانياهو إن على الشعب اليهودي "أن يأخذ تهديدات أولئك الساعين لتدميرنا على محل الجد دائما".

وأضاف أن على اليهود "أن يوجهوا التهديدات حتى الصغيرة منها، وقبل كل شيء، أن نمتلك القدرة على حماية أنفسنا بأنفسنا".

ولنتانياهو، مدخن السيجار بين فترة وأخرى وذو الصوت الخشن، ولدان من زوجته ساره وابنة من زواج سابق.

وعام 1976، كان شقيقه يوناتان الجندي الإسرائيلي الوحيد الذي قتل أثناء مشاركته في عملية عسكرية نفذتها الوحدة التي كان يشرف عليها لتحرير الرهائن المحتجزين على متن طائرة خطفتها منظمتان فلسطينية وألمانية في أوغندا.

وأثّرت الحادثة على نتانياهو بشدة وقال إنه كانت لها "تداعيات شخصية كبيرة".

ونشأ نتانياهو في جزء من حياته في الولايات المتحدة وتخرّج من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق.

وبفضل طلاقته باللغة الانكليزية، ركّزت القنوات التلفزيونية الأميركية عليه أثناء دفاعه عن إسرائيل بين أواخر ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي، وهو ما ساهم في صعود نجمه كشخصية سياسية على الصعيدين المحلي والدولي.

وتولى نتانياهو، الذي لطالما شكك في اتفاقيات أوسلو للسلام، زعامة حزب الليكود عام 1993 وقاده إلى الفوز في الانتخابات ليكون أصغر رئيس وزراء لإسرائيل سنا عام 1996 عندما كان يبلغ من العمر 46 عاما.

وخسر السلطة سنة 1999، لكنه استعادها بعد عشر سنوات ليبقى على رأسها مذاك.

لم ينخرط نتانياهو في محادثات سلام جوهرية مع الفلسطينيين بينما أشرف على توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.

وكثيرا ما يتحدث عن المخاطر التي تواجهها إسرائيل من قبل حزب الله اللبناني بينما وصف النظام الإيراني بأنه أكبر تهديد واجه الشعب اليهودي منذ ألمانيا النازية.

وتركّزت سياسته الخارجية على وضع حد لبرنامج إيران النووي المفترض.

وفي إحدى محطات عهده الدبلوماسية الأكثر إثارة للجدل، ألقى نتانياهو خطابا أمام الكونغرس الأميركي سنة 2015 دون دعوة من الرئيس آنذاك باراك أوباما دان فيه المفاوضات النووية التي كانت تجريها إدارة أوباما مع إيران.

وكتب أوباما في مذكراته الرئاسية "الأرض الموعودة" أن "رؤية (نتانياهو) لنفسه على أنه المدافع الأبرز عن الشعب اليهودي في وجه المحن سمحت له بتبرير أي أمر من شأنه إبقائه في السلطة".

وبعد ثلاثة انتخابات لم تكن نتائجها حاسمة في 2019 و2020، وافق نتانياهو على تأسيس حكومة وحدة مع خصمه الوسطي بيني غانتس.

وبموجب الائتلاف الذي تشكّل في أيار/مايو ومدته ثلاث سنوات، كان على نتانياهو تسليم السلطة إلى غانتس بعد 18 شهرا.

لكن توقع الخبراء بأن نتانياهو سيجد طريقة لإفشال الائتلاف قبل السماح لغانتس بتولي رئاسة الوزراء.

ومع اقتراب المهلة النهائية لإقرار ميزانية لإنقاذ الحكومة أو تركها تنهار باتّجاه انتخابات رابعة، ترك نتانياهو الأمور تسير باتّجاه الخيار الثاني.

وأكد غانتس أنه لم تكن لديه أي "أوهام" بشأن نتانياهو عندما انضم إلى الائتلاف، لكنه كان يأمل في أن يجبر الوباء والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه رئيس الوزراء على اختيار التهدئة السياسية بدلا من جولة انتخابات جديدة.

وقال غانتس قبل أيام من انهيار الحكومة "للأسف الشديد، لم يحصل ذلك.. لم يكذب نتانياهو عليّ. كذب عليكم جميعا".