باريس: كانت ساحة القديس بطرس في روما تعج بنحو 20 ألفًا من المصلين الذين كانوا يأملون في إلقاء نظرة سريعة على البابا يوحنا بولس الثاني بعد ظهر ذلك اليوم المصيري في شهر أيار/مايو قبل 40 عاما.
فجأة وفيما كانت عربته البيضاء المكشوفة (بوبموبيل) تمر وسط الحشود انهار الحبر الأعظم، فقد أطلق عليه النار من مسافة قصيرة تركي من اليمين القومي المتطرف لا تزال دوافعه غامضة حتى اليوم.
فعند الساعة 5:41 بعد ظهر الأربعاء 13 أيار/مايو 1981 بثت وكالة فرانس برس نبأ فلاش: "إصابة البابا يوحنا بولس الثاني بجروح من جراء طلقتين ناريتين".
ونقل كارول فويتيلا البالغ 60 عاما فورا إلى المستشفى. وقد أصيب في بطنه ويده اليسرى وذراعه اليمنى. كما أصيبت امرأتان من محيط البابا البولندي.
ودب الهلع في روما. وهرعت الفرق الطبية والشرطة والصحافيون إلى مكان الحادث والمستشفى.
وسرعان ما أكدت السلطات الإيطالية اعتقال مطلق النار البالغ 23 عاما، ويدعى محمد علي اقجا، مضيفة أن سلاحه هو مسدس من نوع براونينغ.
لكن شريكه، وهو تركي أيضا يدعي أورال تشليك، فر ولم يُعتقل سوى بعد بضع سنوات في فرنسا بتهمة تهريب المخدرات وتم تسليمه للسلطات الإيطالية.
أطلقت الأنباء فيضا من المشاعر في أنحاء العالم وعلت الصلوات من أجل أول بابا على الإطلاق من دولة سلافية .
والبابا يوحنا بولس الثاني صاحب الشخصية الآسرة انُتخب حبرا أعظم في 1978 وقام بالعديد من الرحلات العالمية التي تحولت إلى فعاليات إعلامية ضخمة وبرهنت عن شعبية كبيرة.
وإصراره على التواصل مباشرة مع المؤمنين، كحمله الأطفال على ذراعيه والسماح للناس بلمسه، كان شيئا جديدا كليا لكنه عقّد عمل فريقه الأمني.
والأجواء في الفاتيكان ذلك اليوم كانت "تفوق كل تصور وصادمة"، بحسب أحد صحافيي فرانس برس.
كان المؤمنون الكاثوليك في ساحة القديس بطرس يرددون الصلوات التي كان يبثها راديو الفاتيكان عبر مكبرات للصوت فيما كانت طوافات الشرطة تحلق فوقهم على علو منخفض.
وصرخت إحدى النسوة "مات البابا"، ناقلة نبأ عجز الناس لهوله عن تصديقه.
لكن البابا المعروف بصلابته خرج من الخطر، فلم يتأذى أي من أعضائه الحيوية ونجا بعد جراحة خطرة استمرت قرابة ست ساعات.
بعد ليلة من الصلوات في أنحاء روما وضعت الورود في المكان الذي أطلق فيه النار على البابا.
والأنباء عن تعافيه بعثت على التفاؤل لكن وحده البابا يمكنه تهدئة قلق الحشود، وصباح الأحد قام بخطوة غير مسبوقة عندما خاطب المصلين من سرير المستشفى في رسالة مسجلة.
وقت بث الرسالة، توقفت الحركة في روما.
وعلى إحدى الجادات الكبيرة المؤدية إلى ساحة القديس بطرس "توقفت كل الأنشطة لبضع لحظات. خرج الناس من الحافلات والمقاهي ومحلات بيع التذكارات لسماع الصوت الضعيف ولكن المطمئن" للبابا، حسبما أوردت فرانس برس.
في رسالته طلب من محبيه الصلاة من أجل "أخي" الذي أطلق النار عليه وقال إنه "سامحه بكل طيبة خاطر".
بحلول الثالث من حزيران/يونيو كان يوحنا بولس الثاني قد تعافى، ويحظى بشعبية أكبر من أي وقت مضى.
ذهب يوحنا بولس الثاني لزيارة الشخص الذي حاول اغتياله في السجن في 27 كانون الأول/ديسمبر 1983.
عندما التقيا ركع اقجا أمامه وتحولت المحادثة بينهما إلى اعتراف مؤثر. بعدها قال البابا إن أقجا ندم مكررا إنه سامحه.
وأطلق سراح أقجا العضو في مجموعة الذئاب الرمادية اليمينية المتطرفة، من سجن بأنقرة في 2010 بعد قرابة ثلاثة عقود خلف القضبان لمحاولة الاغتيال وجرائم أخرى ارتكبها في تركيا.
وضحيته المعروف الآخر هو الصحافي التركي اليساري الشهير عبدي إبكجي الذي اغتاله مع تشليك في اسطنبول في 1979.
وبرزت العديد من الفرضيات حول من يقف وراء قيام أقجا بمحاولة اغتيال البابا، نسبت بعضها إلى الاستخبارات الروسية (كي جي بي) في موسكو.
والبابا الذي أُعلنت قداسته فيما بعد، كان معارضا قويا للشيوعية. وأقجا الذي قال في مرحلة ما إنه يريد اعتناق الكاثوليكية بل يريد أن يصبح كاهنا، وشبه نفسه فيما بعد بالمسيح، زاد من الغموض.
والمهاجم البالغ الآن 63 عاما، قال في البدء إن الروس يقفون وراء المحاولة، لكنه غير روايته في مذكراته قائلا إن الإيرانيين هم الذين دفعوه إلى ذلك. ورفض الفاتيكان ذلك بوصفه أكاذيب.
في كتابه الأخير في 2005 عام وفاته، قال يوحنا بولس الثاني إنه متأكد من أن محاولة اغتياله تمت بإيعاز من جهة ما.
التعليقات