لاهاي: أكد القضاء الدولي، الثلاثاء، في الاستئناف، الحكم بالسجن مدى الحياة بحق القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش بتهمة ارتكاب إبادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب خلال حرب البوسنة بين 1992 و1995.

ورفض اغلبية القضاة بشكل كامل استئناف الجنرال السابق، المدان خصوصًا بالابادة لدوره في مجزرة سربرينيتسا، وهي الأسوأ في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تُعتبر إبادة في نظر القضاء الدولي.

وأغلق الجنرال السابق المعروف باسم "سفاح البلقان" والبالغ نحو 80 عاماً، عينيه وهزّ رأسه عند سماعه حكم آلية المحاكم الجنائية الدولية ومقرها لاهاي.

ولقي الحكم بحق ملاديتش الذي لم يعد يستطيع استئنافه، ترحيبًا خصوصًا من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وواشنطن وبرلين.

وقالت بريسكا نيامبي القاضية الرئيسة لآلية المحاكم الجنائية الدولية التي حلّت محل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بعد إغلاق الأخيرة في 2017، إن "غرفة الاستئناف تؤكد عقوبة السجن مدى الحياة بحق ملاديتش".

وسيبقى ملاديتش قيد الاعتقال في لاهاي بانتظار وضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات نقله إلى دولة حيث سيُنفذ عقوبته، وفق أمر القضاة بدون أن يحددوا الدولة المعنية.

ورفض القضاة استئناف الادعاء الذي أراد إدانة ملاديتش أيضًا بتهمة ارتكاب إبادة في مناطق أخرى.

يومٌ تاريخي لدول البلقان

وتوجّه أقرباء بعض من الضحايا وهم ثمانية آلاف رجل وفتى من المسلمين قتلتهم قوات صرب البوسنة في سريبرينيتسا عام 1995، إلى لاهاي.

وقالت رئيسة إحدى جمعيات "أمهات سريبرينيتسا" منيرة سوباسيتش لوكالة فرانس برس "إنه يوم تاريخي، ليس فقط بالنسبة إلينا نحن الأمهات، إنما أيضًا لمجمل دول البلقان وأوروبا والعالم".

وصرّحت سوباسيتش التي فقدت زوجها هيلمو وابنها نيرمين (16 عامًا) في المجزرة، "كنت أنتظر أكثر من ذلك، كنت أنتظر أن يتمّ الاعتراف أيضًا بفظائع ارتُكبت في مناطق أخرى، كإبادة".

ويعتبر راتكو ملاديتش أحد القادة الرئيسيين الذين حوكموا أمام القضاء الدولي عن جرائم ارتكبت خلال الحروب في يوغوسلافيا السابقة إلى جانب الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كارادجيتش الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في 2019 والرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش الذي توفي في زنزانته في لاهاي بنوبة قلبية عام 2006 قبل انتهاء محاكمته.

وأسفرت حرب البوسنة (1992-1995) عن حوالي مئة ألف قتيل وتسببت بنزوح 2,2 مليون شخص.

قرب سريبرينيتسا، عند النصب التذكاري تكريمًا لضحايا الإبادة، وُضعت شاشة عملاقة وبثّت الثلاثاء شهادات ناجين وعائلات، بالقرب من مقابر أكثر من 6600 ضحية تمّ التعرّف عليها.

وقالت مونيفيرا كابيليتش (69 عامًا) قرب مدافن زوجها ونجليها اللذين قُتلا في عمر 17 و20 عامًا، "بدلاً من أن أبتهج مع أحفادي، جئتُ لأبكي هنا".

وأضافت "أكثر ما يؤلمني هو أنهم ينكرون حصول الإبادة". وتابعت "يقولون إن ذلك لم يحصل، لكن شواهد القبور هذه تثبت ذلك".

بايدن يُرّحب بالحكم

من جهته، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن "هذا الحكم التاريخي يظهر أن من يرتكبون جرائم فظيعة سيحاسبون فعلا على ما قاموا به".

ورأت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في بيان أن الحكم "يشير إلى تصميم القضاء الدولي على المحاسبة مهما استغرق الأمر من وقت - وفي حالة ملاديتش، فقد مضى نحو ثلاثة عقود على جرائمه الشنيعة".

وأوقف ملاديتش عام 2011 بعد فرار استمر 16 عامًا، وبات العسكري السابق الموقوف في لاهاي، والذي عرف ببنيته القوية ونفوذه خلال حرب البلقان، اليوم كهلًا مريضًا، بحسب محاميه.

وكان الجنرال السابق موضع جدل أيضًا اذ يؤكد انه ولد في 12 مارس 1943 فيما تعتمد المحكمة تاريخ 12مارس 1942.

وأدين ملاديتش أيضًا بتهمة تدبير حملة أوسع "للتطهير الاتني" لطرد المسلمين والبوسنيين من مناطق رئيسية لإقامة صربيا كبرى في يوغوسلافيا السابقة، التي تفككت بعد سقوط الشيوعية.

وبحسب محاميه، ليس هناك علاقة بين الجنرال السابق وأعمال القتل التي ارتكبت في سريبرينيتسا ولا أساس للاتهامات الموجهة إليه بارتكاب إبادة التي أدت إلى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وصرّح مدعي آلية المحاكم الجنائية الدولية سيرج براميرتس أن "الوقت حان لقبول الحقيقة. ملاديتش يُعتبر من مجرمي الحرب الأكثر شهرةً في التاريخ المعاصر"، مضيفًا أن هذا الحكم لن يكفي لوضع حدّ للانقسامات في دول البلقان.

واضاف "في كافة أنحاء يوغوسلافيا السابقة، ينبغي أن يخضع آلاف المشتبه بهم بجرائم حرب من كلّ المعسكرات لتحقيقات وملاحقات"، داعيًا المحاكم الوطنية إلى "مواصلة هذا العمل".

وقال المدعي "معًا، يمكننا أن نضمن أن جميع ضحايا الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة في يوغوسلافيا السابقة، يمكن أن يروا أولئك الذين ظلموهم يُحاسبون على جرائمهم.