طهران: يستبعد أن يكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، حتى في حال الفوز المرجح للمحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي، تأثير يذكر على المفاوضات الجارية مع الدول الكبرى لاحياء الاتفاق حول برنامج طهران النووي، على ما يرى محللون.
وتجرى الدورة الأولى للانتخابات في 18 حزيران/يونيو، لاختيار خلف للرئيس المعتدل حسن روحاني الذي أبرِم في عهده العام 2015، اتفاق مع ست قوى كبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا)، بشأن برنامج إيران النووي، بعد أعوام من التوتر والمفاوضات الشاقة.
وتترافق الانتخابات مع خوض طهران وأطراف الاتفاق منذ مطلع نيسان/أبريل، مباحثات في فيينا سعيا لإحيائه بعد الانسحاب الأميركي منه العام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وتشارك الولايات المتحدة التي أبدى رئيسها الجديد جو بايدن استعداده للعودة الى الاتفاق، بشكل غير مباشر في المباحثات ومن دون التواصل مباشرة مع وفد إيران.
ويستبعدون محللون أن تثمر المباحثات قبل موعد الانتخابات التي يبدو رئيسي المرشح الأوفر حظا للفوز بها، لكنهم يلفتون الى أن القرار بشأن كل ما له علاقة بالملف النووي يتخذ في إيران على مستوى أعلى من الرئاسة، ويدخل في إطار السياسة العامة للبلاد التي تعود الكلمة الفصل فيها الى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
ويقول الباحث الفرنسي كليمان تيرم المتخصص بالشأن الإيراني في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، لوكالة فرانس برس، إن "قرار (إجراء) تسوية بشأن الملف النووي يتخطى المنافسات بين الشرائح (السياسية في إيران). هو يتعلق بالموازنة بين استمرارية النظام (السياسي) المرتبط بتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي، والرغبة في الحفاظ على الوضع القائم" سياسيا.
وشدد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في مؤتمر صحافي الثلاثاء، على أن "الملف النووي هو محط اجماع في الجمهورية الإسلامية"، وهو "لذلك غير مرتبط بالتطورات الداخلية في البلاد وتتولاه جهات على مستوى أعلى".
ورسم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الخط الأساسي للمفاوضين الإيرانيين في فيينا، بتأكيده أن الأولوية هي رفع العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على بلاده بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق، وأتت ضمن سياسة "ضغوط قصوى" اعتمدتها إدارته خلال ولايته التي امتدت بين العامين 2017 و2021.
وأتاح الاتفاق، واسمه الرسمي "خطة العمل الشاملة المشتركة" ووضع إطاره القانوني بقرار مجلس الأمن الرقم 2231، رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، في مقابل تقييد أنشطتها وضمان سلمية برنامجها وعدم سعيها لتطوير سلاح نووي.
لكن ترامب أعاد فرض عقوبات مشددة انعكست بشكل حاد على الاقتصاد الإيراني وسعر صرف العملة. وفي رد على الانسحاب الأميركي، بدأت طهران تدريجا اعتبارا من العام 2019، التراجع عن غالبية التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.
واتخذت طهران في الأشهر الماضية إجراءات إضافية ضمن ما تسميه "إجراءات تعويضية" بعد الانسحاب، اذ قيّدت عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفعت نسبة تخصيب اليورانيوم الى 60 بالمئة، علما بأن الاتفاق حدد سقف التخصيب عند 3,67.
وتجري مفاوضات فيينا بشكل أساسي بين طهران والأطراف الأخرى التي لا تزال منضوية في الاتفاق، بينما تتولى الأخيرة (مع الاتحاد الأوروبي) التنسيق بين الوفدين الإيراني برئاسة نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، والأميركي برئاسة المبعوث الخاص لإيران روبرت مالي.
وتشترط الولايات المتحدة للعودة الى الاتفاق ورفع العقوبات، عودة إيران الى احترام التزاماتها. من جهتها، تؤكد الأخيرة استعدادها للامتثال لموجباته بشرط رفع واشنطن كل العقوبات التي أعاد ترامب فرضها.
وأكد الأطراف تحقيق تقدم خلال الأسابيع الماضية، مع إقرارهم بأن جهدا إضافيا لا يزال مطلوبا للتوصل الى تفاهم.
وحضر الاتفاق النووي بشكل مقتضب في تصريحات المرشحين للانتخابات، وهم أبدوا - بمن فيهم رئيسي - دعمهم للالتزام به متى رفعت العقوبات.
ويرى المحلل لدى مجموعة "أوراسيا غروب" البحثية هنري روم، أن "طهران تريد إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (...) بالنسبة الى إيران، رفع العقوبات هو حاجة استراتيجية".
ووعد روحاني الإيرانيين بالسعي لرفع العقوبات التي انعكست أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، قبل نهاية عهده الذي بدأ العام 2013، مشددا على أن مفاوضات فيينا شهدت حل قضايا "رئيسية" مع الولايات المتحدة. لكنه أقر بأن إحياء الاتفاق قبل نهاية ولايته يحتاج الى "إرادة" غير محصورة بحكومته فقط.
ومن المقرر أن يسلم روحاني منصبه إلى خلفه المنتخب خلال آب/أغسطس المقبل.
لكن حتى في حال كان هذا الخلف هو رئيسي المحسوب على المحافظين المتشددين الذين يبدون موقفا متحفظا حيال الغرب وسبق لهم انتقاد حكومة روحاني على خلفية تعويلها المفرط على الاتفاق، يرى محللون أن الحكومة الإيرانية الجديدة ستسعى لإيصال مفاوضات فيينا الى خاتمة إيجابية.
ووفق ورقة تحليلية لـ"أوراسيا غروب" نشرت حديثا، يبدي رئيسي "تأييده للعودة الى الاتفاق النووي، وسيقوم على الأرجح بمتابعة تنفيذه كرئيس".
وأضافت "سينال رئيسي فوائد سياسية مهمة من العودة الى الاتفاق النووي"، خصوصا وأن احياءه "سيؤدي على الأرجح الى زيادة مطردة في نمو الاقتصاد الإيراني تقودها بشكل أساسي زيادة صادرات النفط"، ما سيوفر لحكومته إيرادات مالية إضافية تتيح لها الحد من التضخم وتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
التعليقات