ما دامت أولوية الحزب الشيوعي الصيني دوام السيطرة السياسية على الكفاءة الاقتصادية، فإن هذا سيقف في طريق صعود الصين إلى أن تكون قوة عظمى في مجال التمويل العالمي.
إيلاف من بيروت: عندما أطلق صناع السياسة في الصين تدويل الرنمينبي على خلفية الأزمة المالية العالمية، قوبلت مبادرتهم بضجيج كبير، على الرغم من أن النظام المالي الصيني المعزول والمتخلف يعني أن البلاد تفتقر إلى أساس مهم لتطوير عملة دولية حقيقية. مع ذلك، بعد ما يزيد قليلًا عن عقد من الزمان، تزداد وتيرة تدويل النظام المالي الصيني، ويبدو أن بكين تتحول إلى قوة لا يستهان بها في مجال التمويل العالمي.
كان التطور اللافت أكثر من غيره الزيادة في تدفقات محفظة رؤوس الأموال عبر الحدود إلى الصين. في نهاية عام 2020، بلغت الحيازات الأجنبية من استثمارات الحافظة الصينية تريليوني دولار، أي خمسة أضعاف ما كانت عليه في عام 2009 عندما بدأت الصين الترويج لاستخدام الرنمينبي في التجارة الدولية. تم تسهيل هذا التطور بفتح حساب رأس المال الصيني الذي أدى إلى تحسين الوصول إلى الأسواق المالية في الصين. في عام 2014، أطلقت الصين برنامج "ستوك كونّيكت" لزيادة الاستثمار في الأسهم عبر الحدود، تلاه في عام 2017 برنامج "بوند كونّيكت" الذي يهدف إلى توجيه رأس المال الأجنبي نحو سندات الدين الصينية.
عكس تخفيف القيود المفروضة على رأس المال في الصين تحولًا في الأولويات الاقتصادية والمالية. لطالما اعتمدت بكين على نظام القمع المالي لتقديم قروض رخيصة للاستثمار في البنية التحتية والصناعة. لدعم هذه القروض، كان لا بد من إبقاء أسعار الفائدة على الودائع عند مستويات منخفضة، وكانت هناك حاجة إلى ضوابط على رأس المال لمنع المدخرين من البحث عن عوائد أعلى في الأسواق المالية الأجنبية. وبينما نجح هذا النظام في دعم أنموذج النمو الصيني الذي يقوده الاستثمار والتصدير، فإنه لم يعد ملائمًا لاقتصاد يحتاج إلى زيادة الكفاءة وتعزيز دور الاستهلاك.
دوافع اقتصادية
توفر نظرة على ميزان الحساب الجاري للصين طريقة أخرى لفهم الدوافع الاقتصادية لانفتاح النظام المالي الصيني. بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وصل فائض الحساب الجاري إلى مستويات غير مسبوقة، وبلغ ذروته عند 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007.
مع ذلك، قبل تفشي وباء كوفيد - 19، تقلص فائضها إلى واحد في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. (نظرًا لتأثيرات الجائحة، ارتفعت مرة أخرى في عام 2020، لكن هذا لم يُشر إلى انعكاس الاتجاه الهبوطي العام). يتوافق رصيد الحساب الجاري مع الفرق بين المدخرات والاستثمار، وفي حالة الصين، يمكن أن يعزى تقلص الفائض إلى انخفاض معدل الادخار؛ وهذا اتجاه لا بد أن يتزايد بسبب شيخوخة السكان في البلاد. إذا استمر الانخفاض في معدل الادخار في الصين من دون أن يقابله انخفاض في معدل الاستثمار، سيؤدي ذلك إلى عجز في الحساب الجاري.
ونظرًا إلى أن تمويل عجز الحساب الجاري يتم من خلال تدفق الأموال الأجنبية، تحتاج الصين إلى الاستعداد لهذا التحول بتوفير وصول أفضل إلى أسواقها المالية، وجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.
مع ذلك، وعلى الرغم من أن الأساسيات الاقتصادية المتغيرة للصين توفر مبررًا قويًا لزيادة التكامل المالي، فإن ميل الحزب الشيوعي الصيني إلى الاستقرار والسيطرة يقف في طريق صعود الصين في التمويل العالمي.
أدلة.. ولكن!
في السنوات الأخيرة، كان هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أنه لا سيما في مواجهة الأزمات الحادة، يواصل صانعو السياسة المالية في الصين إظهار ولعهم بالتدخلات غير المتوافقة مع نظام مالي متحرر. إصلاح سعر الفائدة في الصين هو مثال على ذلك: مع إزالة السقف على معدلات الودائع، أكملت الصين رسميًا تحرير أسعار الفائدة في عام 2015. ومع ذلك، ظلت البنوك خاضعة لتوجيهات السياسة في ما يتعلق بأسعار الفائدة وتخصيص الائتمان.
يمكن سرد قصة مماثلة حول إصلاح سعر الصرف في الصين: في عام 2015، أعلن البنك المركزي الصيني أنه سيسمح للأسواق بأداء دور أكبر في تشكيل سعر صرف الرنمينبي، لكنه واصل تدخلاته لمنع تحركات كبيرة في سعر الصرف في الصين؛ أي من الاتجاهين. يبدو أيضًا أن تدخلات السياسة المتعلقة بسعر الصرف قد زادت خلال الجائحة. على الرغم من الفائض الكبير في الحساب الجاري وتدفقات رأس المال القوية، فإن قيمة الرنمينبي ارتفعت بشكل متواضع فقط في عام 2020. وفي الوقت نفسه، زادت الأصول بالعملات الأجنبية في النظام المصرفي بشكل كبير، ما يشير إلى أن البنوك التجارية في الصين كانت مكلفة بالتخفيف من ارتفاع قيمة الرنمينبي.
التدخل السياسي مشكلة
ما دام صانعو السياسة في الصين غير مستعدين لإيقاف التوجيه السياسي لأسعار الفائدة وسعر الصرف، سيتعين الحفاظ على قيود صارمة في ما يتعلق بتدفقات رأس المال، والأهم من ذلك... التدفقات الخارجة. هذه القيود ستمنع البلاد من أداء دور رئيس في التمويل العالمي.
إذا كان الحزب الشيوعي الصيني سيضع حدًا للتدخلات السياسية في النظام المالي، فسيكون لذلك تداعيات تتجاوز إدارة الأزمات. في اقتصاد أصبح أكثر تسييسًا منذ أن تولى شي جين بينغ منصب رئيس الحزب الشيوعي الصيني، لا تزال السيطرة السياسية على النظام المالي لا غنى عنها لدعم الشركات المملوكة للدولة والنهوض بأهداف السياسة الصناعية. بالتالي، فإن الإزالة الكاملة لضوابط رأس المال تتطلب إصلاحًا جذريًا لأبسط المبادئ الاقتصادية للحزب الشيوعي الصيني.
علاوة على ذلك، فإن درجة من التكامل المالي التي من شأنها أن تسمح للأسواق المالية الصينية بالتنافس مع نظيراتها في الولايات المتحدة ستتطلب أيضًا حماية قوية لحقوق الملكية، والتي من شأنها أن تتعارض مع ازدراء شي لسيادة القانون ولا يمكن التوفيق بينها وبين الحكم الشمولي المتزايد.
لا شيء يبشر بالخير
أخيرًا وليس آخرًا، ربما تؤدي التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة إلى إخراج أهداف أكثر تواضعًا للتكامل المالي عن مسارها. أصبح الضرر الذي يمكن أن تلحقه الولايات المتحدة بتدويل الأسواق المالية الصينية واضحًا عندما قام مزودو المؤشرات العالمية، استجابة لأمر تنفيذي من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يحظر على المستثمرين الأمريكيين امتلاك حصص في الشركات التي لها صلات مزعومة بالجيش الصيني، بإزالة أسهم عدد من الشركات الصينية من مؤشراتها.
لا شيء من هذا يبشر بالخير بالنسبة إلى احتمال تحول الرنمينبي إلى عملة عالمية حقيقية. وعلى الرغم مما قد يدفعنا مديرو الصناديق المتحمسون إلى تصديقه، فإن إدخال الرنمينبي الرقمي لن يغير هذه النظرة، نظرًا إلى أن النسخة الرقمية ستخضع لنفس القيود مثل النسخة القديمة.
إذا شرع الحزب الشيوعي الصيني في مسار التحرير الاقتصادي والسياسي، فسيكون أمامه فرصة جيدة لتحويل الصين إلى قوة مالية عالمية. لكن، ما دام الحزب يُخضع الكفاءة الاقتصادية للسيطرة السياسية، فلن تكون الصين قادرة على تحدي هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع ديبلومات.
التعليقات