ايلاف من الرياض: بثت قناة العربية فيلم وثائقي بعنوان "اغتيال الكلمة.. فرج فودة" لسيرة المفكر والكاتب المصري الراحل الدكتور فرج فودة الذي اغتيل بدم بارد في مصر على أيدي أفراد جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية قبل نحو 30 عاماً بعدما ظل يشهر سيف الكلمة في وجه خصومه من التيار المتشدد.

أعاد العرض الوثائقي الذي أنتجته قناة العربية تصوير حياة الراحل فرج فودة الذي لطالما أثار جدل واسع في الدوائر الفكرية المصرية و العربية لحدة أطروحاته التي وصفها بعض المتشددين بـ"الكفر".

العرض الممتد لنصف ساعة أحتوى مقابلات لشخصيات مقربة من الراحل فودة أهمها ابنته سمر، ونبيل نعيم قائد تنظيم الجهاد سابقاً، وشقيقته راوية التي قالت: نحن تربينا في قرية الزرقاء في محافظة دمياط وعلى ما أتذكر أننا كنا أسرة متدينة جداً وعددنا كبير مشيرة إلى أن ما يميز الراحل هو النهم الشديد للقراءة والمعرفة.

أما أبنته سمر فقالت إن: التطرف الفكري يعمل منظومة كاملة للتأثير على العقل الجمعي للناس بحاجات مشوهة، ولازم يكون هناك منظومة تساعد في تصحيح هذه المفاهيم والتشوه والأوضاع الخاطئة التي تؤدي للإرهاب والتطرف الفكري.

وتحدث جمال صلاح الدين صديق الراحل قائلاً: إن مشكلة كبار المفكرين مثل فوده إنهم سابقين لمجتمعهم بمسافة وإنهم يستطيعون عبر ثقافتهم الواسعة وجراءتهم تجعلهم يروا المستقبل إذ إن المقدمات تفضي للنتائج، ويرى جمال أن فودة كان يرى ما سيحدثه تيار الإخوان المسلمين المتشدد في مصر لذا اتخذ قراره في تفنيد حجج هذا التنظيم ويواجه مواجهة الرجال الشجعان وقد دقع حياته ثمناً لهذه المواجهة.

الفيلم أظهر بوضوح حياة الراحل والتغييرات التي عاشها في تلك الحقبة بدء من انضمامه لحزب الوفد الجديد الذي سرعان ما انسحب منه نظراً إلى تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية إضافة إلى الحرب النفسية التي شنها عليه أنصار التيارات المتطرفة؛ ومسيرة عمله السياسي والفكري وإطلاقه لمشروعين وهما "حزب المستقبل" والجمعية المصرية للتنوير".

فقبل مناظرته الشهيرة مع الشيخ محمد الغزالي التي قال فيها فودة إن لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ليختتمها بقوله إن القرآن بدأ بـكلمة اقرأ، وسنظل نتحاور لنوقف نزيف الدم ونصل إلى كلمة سواء، أصدر "علماء الأزهر" بيانا ضده مطالبين لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه الجديد الذي أطلق عليه اسم المستقبل، وزادت في بيانها قسوة عندما اتهمت فودة بالكفر وأوجبت قتله ونشرت صحف موالية ذلك البيان وتلقفته أيادي أنصار الجماعة الإسلامية.

فيلم "اغتيال الكلمة.. فرج فودة " والذي أعده الصحفيان سيد الحديدي وأشرف عبدالحميد استعرض كيف انتشر فكر فودة سريعاً بين عامة الناس عبر كتبه بلغة سهلة ممتنعة وأسلوب ساخر ليصل إلى رجل الشارع البسيط كما أظهر الفيلم أبرز مؤلفات الراحل مثل كتاب قبل السقوط الذي دعا عبره إلى تصحيح بعض المفاهيم السياسية التي يستخدمها رجال الدين والسياسة علاوة على نقد تجربة الدولة الدينية في السودان، وكتاب الإرهاب الذي يبرز منهج العنف الذي تتبناه الجماعات المتطرفة ويبرهن على ابتعاد فكرها عن الحوار السلمي كما أستعرض كتاب آخر وهو الحقيقة الغائبة إذ يعد من أشهر مؤلفاته متناولاً فيها رؤاه الفكرية المضادة لجماعة الإسلام السياسي وإعادة تفسير بعض المغالطات التي روُجت عن الفكر الإسلامي.

ويرى مؤيدو فرج فوده أن أفكاره تجاوزت حدود زمنه بنبوءته الصابة ببعض الأحداث التي تشهدها المنطقة إذ خلص عبر كتابه " الإرهاب" إلى أن هذا النهج ترتكز على أساس الشائعات والأخبار المغلوطة محذراً من انهيار الدول ونشر الفتن والانقسامات.

بعد خمسة أيام من تلك المناظرة الشهيرة انتظر شابان من الجماعة الإسلامية على دراجة بخارية أمام جمعية التنوير المصري التي كان يرأسها فودة، بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فودة. وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، أطلقوا عليه الرصاص.

وبالتحقيق مع أحدهما أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى دينية بقتل المرتد. وحينما سأله المحقق، "لماذا قتلت فرج فودة؟، أجاب: لأنه ينشر كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد. تابع المحقق: هل قرأت هذه الكتب؟، فأجاب القاتل: لا، أنا لا أقرأ ولا أكتب". وبسؤال القاتل عن اختيار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب "لنحرق قلب أهله عليه أكثر".

يذكر أن الراحل فودة كاتب ومفكر مصري علماني، ولد عام 1945 في بلدة الزرقا بمحافظة دمياط (شمال مصر)، حصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس.

فودة كان واحدا من رواد التنوير في مصر، إذ ألّف عددا من الكتب التي تضمنت فصل الدين عن الدولة، منها "قبل السقوط" و"الحقيقة الغائبة" و"الملعوب" و"الطائفية إلى أين؟" و"حوار حول العلمانية" ولقت الكتب اهتماما، فطبع بعضها أكثر من مرة ودرس بعضها في الجامعات والمعاهد.