الخرطوم: تعد معضلة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، أحدث عقبة في مسار الانتقال السياسي في البلاد منذ إزاحة الرئيس السابق عمر البشير بعد حكم استمر لثلاثة عقود.
ويحكم السودان راهنا بموجب اتفاق لتقاسم السلطة ابرم بين العسكريين والمدنيين في آب/أغسطس 2019.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020 وقعت الحكومة الانتقالية إتفاق سلام مع عدد من الحركات التي كانت تقاتل في دارفور (غرب البلاد) نص على ضمها إلى صفوف الجيش ومن بينها قوات الدعم السريع.
وقوات الدعم السريع قوة شبه عسكرية تأسست في العام 2013 لمساندة الحكومة في نزاعها مع المتمردين في إقليم دارفور.
وأتى غالبية أفراد الدعم السريع من رعاة الإبل وقد اتهمتهم مجموعات حقوقية عديدة تحت نظام البشير بارتكاب الكثير من الجرائم في إقليم دارفور. وكان آنذاك يُطلق عليهم لقب "جنجويد".
وشهدت الأيام الماضية توترا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خصوصا بعدما أعلن قائدها ونائب مجلس السيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" رفضه دمجها في صفوف الجيش.
وحذر حميدتي في بيان مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي من دمج قواته في الجيش وقال "الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن أن يفكك البلد".
وأضاف "(قوات) الدعم السريع مكون بموجب قانون مُجاز من برلمان منتخب وهو ليس كتيبة أو سرية حتى يضموها للجيش .. إنه قوة كبيرة".
ونفى مسؤولون عسكريون مرارا أن يكون ثمة انشقاق، لكن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أشار إلى انقسامات "مقلقة جدا" بين مؤسسات البلاد العسكرية، ودعا الى دمج مقاتلي الحركات المسلحة فيها بما في ذلك قوات الدعم السريع.
وحذر حمدوك من أن هذه الانقسامات إذا لم يتم حلها قد تؤدي إلى فوضى تهدد البلاد.
وقال في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي "السؤال الآن للسودان هو أن يكون أو لا يكون".
منذ توليها السلطة في 2019، تسعى حكومة حمدوك لمعالجة أزمة البلاد الاقتصادية وانهاء عزلتها الدولية وتوقيع اتفاق سلام مع الحركات المسلحة ودمجها في الجيش.
وشهدت شوارع الخرطوم في الأسابيع الماضية أحداث عنف اثناء احتجاجات شعبية بسبب الاصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة.
وشدد قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على ضرورة "عدم الالتفات إلى الشائعات التي تستهدف وحدة المنظومة الأمنية" مؤكداً على "انسجامها وتماسكها".
وهو دعا حميدتي إلى "القضاء على الشائعات (..) في مهدها".
ويحذّر الخبراء من أن اتفاق السلام قد ينهار إن لم تتم عملية إصلاح القطاع الأمني. واندلع النزاع في دارفور عندما حملت مجموعات تنتمي إلى أقليات إفريقية، السلاح ضد حكومة البشير العام 2003 بدعوى تهميشهم وممارسة العنصرية ضدهم. وفي المقابل سلحت حكومة البشير الرعاة العرب.
وبحسب الأمم المتحدة تسبب النزاع الذي استمر لسنوات في مقتل 300 ألف شخص وتشريد 2,5 مليونا من منازلهم .
وقال الخبير الأمني أمين اسماعيل لوكالة فرانس برس "دمج قوات الدعم السريع في الجيش أمر لابد منه في هذه المرحلة".
وأوضح "قوات الدعم السريع تم تشكيلها إبان نظام الحكم السابق لغرض محدد والآن بعد زوال النظام يجب دمجها في الجيش الموحد".
وقال جوناس هورنر كبير محللي مجموعة الأزمات الدولية إن اصلاح القطاع الأمني "طلب أساسي في الانتقال السياسي في السودان".
لكنه حذر من أن محاولة دمج قوات الدعم السريع ونزع سلاحها بالقوة "سيكون محفزا لحرب أهلية خطرة".
ورأى هورنر "إنه قبل الموافقة على دمج قواته، من المرجح أن يسعى حميدتي للحصول على تأكيدات بشأن دوره في السودان ما بعد المرحلة الانتقالية، والدعوات لمقاضاته بشأن نزاع دارفور".
وشارك حميدتي في اطاحة الجيش بالبشير في نيسان/ابريل 2019 على خلفية احتجاجات شعبية امتدت لشهور ضد النظام.
لكن، يتهم المتظاهرون الدعم السريع بالمشاركة في العنف الذي صاحب عملية فض اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة وأسفر عن مقتل 128 شخصا بحسب لجنة أطباء السودان في حزيران/يونيو الماضي.
ونفى حميدتي هذه الاتهامات، مشددا على أنه "حامي ثورة السودان" أنه شارك في المحادثات التي جرت مع المتمردين في عاصمة دولة جنوب السودان جوبا وافضت لتوقيع اتفاق السلام.
وعلقت هذا الشهر مفاوضات مع فصيل رئيسي. وقال كبير مفاوضيه لوكالة فرانس برس إن إحدى القضايا العالقة بينهم والحكومة ترتبط بدمج المجموعات المسلحة في الجيش.
وقال هورنر إن هذا الدمج هو "أمل بعيد المنال" مشددا على أن "سلطة حميدتي وقوته في سيطرته على الدعم السريع".
ورأى أن إصلاح قطاع الأمن "غير مرجح طالما احتفظ السودان بقوات مسلحة عديدة لها مصالح وقواعد متنافسة".
التعليقات