باريس: جدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوته للقادة السياسيين الى تشكيل حكومة والانخراط في تنفيذ اصلاحات تزامناً مع مرور عام على انفجار مرفأ بيروت المروع، منتقداً رهانهم على "اهتراء" ما، وملوّحاً بفرض عقوبات على المعرقلين.

وقال ماكرون خلال كلمة ألقاها عبر تقنية الفيديو في افتتاح مؤتمر دولي ينظمه بالتعاون مع الأمم المتحدة لدعم الشعب اللبناني، وسط مشاركة من أربعين دولة ومنظمة دولية، "يراهن المسؤولون اللبنانيون على ما يبدو على اهتراء".

وتسبب انفجار هائل في مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020، نتج عن تخزين كميات من مادة نيترات الأمونيوم من دون اجراءات وقائية، بمقتل 214 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين. وألحق الانفجار الذي وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، دماراً ضخماً في المرفأ وأحياء في محيطه، وطالت اضراره معظم المدينة وضواحيها.

إفلاسٌ شخصي وجماعي

واعتبر ماكرون، الذي زار بيروت مرتين منذ الانفجار ويقود منذ عام ضغوطاً دولية على المسؤولين لتشكيل حكومة جديدة، أنّ "الأزمة التي يشهدها لبنان لم تكن حتمية بل أتت نتيجة إفلاس شخصي وجماعي واختلالات غير مبررة".

وأضاف من المقر الصيفي للرؤساء الفرنسيين في بورم لي ميموزا في جنوب فرنسا "استمرت الطبقة السياسية اللبنانية مجتمعة في تعميق (الأزمة) من خلال إعطاء الأولوية لمصالحها الشخصية وأنصارها قبل مصالح الشعب اللبناني".

ودفع انفجار المرفأ حكومة حسان دياب الى الاستقالة بعد أيام. ولم تتمكن القوى السياسية منذ عام من تشكيل حكومة جديدة. وكلّف رئيس الجمهورية ميشال عون في 26 تموز/يوليو الملياردير ورئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، تشكيل حكومة، ليكون بذلك ثالث شخصية توكل اليها هذه المهمة الصعبة، من دون أن يُحرز تقدماً بعد.

حكومة اختصاصيين

ويشترط المجتمع الدولي منذ عام تشكيل حكومة تضم اختصاصيين وتقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي. ويكتفي في الانتظار بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، من دون المرور بالمؤسسات الرسمية، رغم تكرار السلطات مناشدتها الجهات المانحة عدم ربط دعمها للبنان بتشكيل حكومة.

وقال ماكرون "لقد فوتوا كل الفرص ولم يحترموا أي التزام" مضيفاً "يستحق لبنان ألا يستمر بالعيش معتمدا إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي".

وأعلن عن تقديم بلاده مساعدات جديدة عاجلة بقيمة نحو مئة مليون يورو في الأشهر الـ12 المقبلة، بعد 85 مليون يورو قدّمتها عام 2020، للاستجابة الى الحاجات المباشرة للسكان في مجالات المواد الغذائية والتعليم والصحة وتنقية المياه. وأفاد كذلك عن أن بلاده سترسل نصف مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في الأسابيع المقبلة.

وتأمل فرنسا جمع 350 مليون يورو من المؤتمر، وهي قيمة الحاجات الجديدة التي حددتها الأمم المتحدة، المشاركة في تنظيم المؤتمر والممثلة بنائبة الأمين العام أمينة محمّد.

وهذا المؤتمر هو الثالث الذي تنظمه فرنسا والأمم المتحدة لتقديم مساعدات إنسانية منذ الانفجار . وجمع المؤتمران السابقان مساعدات بقيمة 280 مليون يورو.

(ماكرون يتفقد المنطقة المنكوبة جراء انفجار بيروت في آب/أغسطس 2020)

التزامات ألمانيا

وأعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عن التزامات تصل إلى 40 مليون يورو، بما في ذلك للاجئين السوريين، بعد 24 مليون يورو قدمتها بلاده في العام الماضي. وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 5,5 مليون يورو من أجل التصدي لوباء كوفيد-19.

وبينما اعتبر ماس أنه "ليس هناك وقت لنضيّعه وأن الدعم الدولي يعتمد" على ذلك، شدّد ماكرون على أنّ "مؤتمر اليوم هو مؤتمر إنساني لدعم الشعب وهو غير مشروط، لكن لن نعطي شيكا على بياض للنظام السياسي اللبناني لأنه منذ بداية الأزمة وقبلها حتى كان معتلا".

ولوّحت فرنسا، التي فرضت في نيسان/أبريل قيوداً على دخول شخصيات لبنانية، تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد، إلى أراضيها، مجدداً بالعقوبات، بما فيها على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وقال ماكرون "على القادة اللبنانيين ألا يشكوا ولو لثانية واحدة بتصميمنا".

ويغرق لبنان منذ صيف عام 2019 في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، صنّفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة.

حضورٌ دولي

ويشارك في مؤتمر الدعم الذي يُنظم عبر تقنية الفيديو، الرئيس الأميركي جو بايدن إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس اللبناني.

ويتزامن عقد المؤتمر مع مرور عام على انفجار المرفأ الذي يثير نقمة اللبنانيين، وخشيتهم من تمييع التحقيق بفعل تدخلات سياسية من أطراف عدّة، في بلد مرت فيه عشرات جرائم الاغتيال والتفجير من دون محاسبة.

وأكد ماكرون أن "المسؤولين اللبنانيين مدينون لشعبهم بالحقيقة والشفافية" مضيفا "تعاونت فرنسا ودول أخرى لتوفير كل المعلومات المتاحة لدينا ونحن مستعدون لأي تعاون فني" لا يزال ضروريا في إطار التحقيق "الذي يترقب كل الشعب اللبناني" نتائجه.