مزار الشريف (أفغانستان): عاد الرئيس الأفغاني أشرف غني الأربعاء إلى كابول بعدما قام بزيارة خاطفة إلى مدينة مزار الشريف في شمال البلاد لتعزيز معنويات قواته، في وقت بات مقاتلو طالبان يسيطرون على أكثر من ربع عواصم ولايات البلاد في غضون أقل من أسبوع.
وخيّم استسلام مئات الجنود الأفغان في قندوز القريبة على الزيارة، إضافة إلى سقوط عاصمة ولاية أخرى هي تاسع مدينة يسيطر عليها المتمرّدون منذ الجمعة.
وقال ضابط في الجيش رفض الكشف عن اسمه انهم تعرضوا للقصف بالهاون في مطار قندوز ولم يكن أمامهم من خيار سوى الاستسلام.
وأضاف لوكالة فرانس برس "لم يكن هناك مجال للتصدي لهم".
وأوضح "لقد استسلمت للتو وحدتي مع 20 جنديا وثلاث آليات هامفي وأربع شاحنات. ننتظر الآن تسلم رسالة العفو، هناك صف انتظار طويل".
وأجرى غني في مزار الشريف محادثات مع الرجل القوي البارز محليا عطا محمد نور وأمير الحرب عبد الرشيد دوستم بشأن الدفاع عن المدينة، فيما اقترب مقاتلو طالبان من أطرافها.
ولم يفصح مسؤولون عن نتائج المحادثات، لكنهم أفادوا في وقت لاحق الأربعاء بأنه تم تعيين الجنرال هبة الله قائدا للقوات المسلحة والجنرال سامي سادات قائدا لقوات النخبة الخاصة.
ستشكل خسارة مزار الشريف في حال وقوعها ضربة كارثية لحكومة كابول وستعني انهيارا كاملا لسيطرتها على شمال البلاد المعروف بأنه معقل للمسلحين المناهضين لطالبان.
قبل ساعات من وصول غني، أظهرت صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للحكومة، دوستم يستقل طائرة في كابول الى جانب كتيبة من عناصر مسلحة في طريقه إلى مزار الشريف.
بعد وصوله الى المدينة وجه دوستم تحذيرا الى قوات طالبان التي تقترب من المدينة.
وقال للصحافيين "حركة طالبان لا تستخلص العبر أبدا من الماضي" متوعدا بإنزال الهزيمة بالجهاديين.
وأضاف "لقد قدمت طالبان عدة مرات الى الشمال لكن في كل مرة كانت تقع في مكمن. ليس من السهل عليهم الخروج".
دوستم متهم بقتل مئات أو حتى آلاف من سجناء الحرب من طالبان خلال عمليات مدعومة من الجيش الأميركي في 2001 أدت الى الإطاحة بنظام طالبان.
تدهور الوضع الأمني في افغانستان بشكل كبير منذ أيار/مايو حين بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة المرحلة الأخيرة من انسحابه من البلاد الذي يفترض ان يستكمل قبل نهاية الشهر الحالي.
وقالت الأمم المتحدة الأربعاء ان هناك "ارتفاعا كبيرا" في حالات النزوح الداخلي، وأن 390 ألف أفغاني نزحوا جراء النزاع منذ بداية العام.
وفي فايز آباد عاصمة ولاية بدخشان شرق مزار الشريف، قال نائب محلي لفرانس برس إن قوات الأمن انسحبت بعد أيام من المواجهات العنيفة.
وقال النائب ذبيح الله عتيق "استولت طالبان على المدينة".
تبقى قندوز أهم مكسب لطالبان حتى الآن، لكن مع استسلام عدد كبير من قوات الأمن الافغانية سيكون من الصعب شن هجوم مضاد لاستعادة هذه العاصمة.
وما زال عدد غير محدد من القوات الحكومية في ثكنات للجيش خارج المدينة.
ويبدو أن المتمردين يشددون قبضتهم على المدن التي سيطروا عليها في الشمال حيث يقوم مسلحوهم بدوريات راجلة في شوارع قندوز وداخل آليات هامفي فيما يتصاعد الدخان من المواقع التي دُمرت خلال القتال للسيطرة على المدينة.
تقاتل القوات الحكومية أيضا الاسلاميين المتشددين في ولايتي قندهار وهلمند، الواقعتين في الجنوب.
واندلعت في قندهار مواجهات عنيفة بين متمردي طالبان وقوات الأمن فيما أفيد عن اشتباكات عنيفة قرب سجن المدينة الذي كان المتمردون يحاولون الوصول اليه منذ أسابيع.
وأعلنت طالبان على تويتر في وقت متأخر الأربعاء أن المنشأة "باتت تحت السيطرة التامة بعد حصار طويل". وأضافت "أطلق سراح مئات المساجين ونقلوا إلى مكان آمن. كما استسلم عناصر الحراسة في السجن".
وغالبا ما تستهدف حركة طالبان السجون من أجل الإفراج عن المقاتلين المحتجزين وتعزيز صفوفها.
ويحاول الدبلوماسيون الأميركيون جاهدين لإعادة إحياء محادثات السلام التي باتت بحكم الميتة بين الحكومة الأفغانية وطالبان في الدوحة، حيث يعمل مبعوث واشنطن الخاص زلماي خليل زاد على إقناع المتمرّدين بالموافقة على وقف إطلاق النار.
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء أن خليل زاد سوف يلتقي بشكل منفصل مع مفاوضي الحكومة الأفغانية وطالبان للعمل على تسوية سياسية "لتأليف حكومة أفغانية شاملة".
وقال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس للصحافيين انه "من خلال الدبلوماسية فقط باستطاعتنا تحقيق النتيجة المنصفة والمستدامة التي نسعى اليها".
وأعرب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الأربعاء عن دعمه للتوصل الى حل دبلوماسي، مبديا استعداده للقاء قادة طالبان في محاولة للمساعدة على إرساء السلام.
ولدى تركيا جنود في أفغانستان ضمن قوات حلف شمال الأطلسي، وسبق أن عرضت تأمين الحماية لمطار كابول بعد انسحاب القوات الأميركية.
وبدت طالبان غير مكترثة بدرجة كبيرة بأي مساع للسلام فيما تبدو عازمة على تحقيق انتصار عسكري يتوّج عودتها إلى السلطة بعد الإطاحة بها قبل 20 عاما غداة هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
وبعد احتلالها معظم مناطق الشمال، تضع طالبان الآن مزار الشريف -- التي لطالما كانت حجر الأساس لسيطرة الحكومة على المنطقة -- نصب عينيها بعدما سيطرت على شبرغان غربا وقندوز وتالقان شرقا.
وشهدت مزار الشريف معارك اعتبرت من الأشرس منذ سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها طالبان في هجومها في أنحاء البلاد في تسعينات القرن الماضي، إذ اتهمتها مجموعات حقوقية بقتل ما يقرب من ألفي مدني معظمهم من الهزارة الشيعة، بعد السيطرة على المدينة عام 1998.
التعليقات