إيلاف من دبي: انتهت الانتخابات التشريعية العراقية بحلول مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المنشق الذي شن تمردًا بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، في المرتبة الأول، ما يؤكد أنه الشخصية الأكثر نفوذًا وشعبية في البلاد. لكن ثمة شك في ما إذا كان هذا الأمر سيجعل حكم العراق، الدولة المتنازع عليها بين الولايات المتحدة وإيران وساحة المذابح الجهادية السنية، سهلًا.

يقول دافيد غاردنر في "فايننشال تايمز" إن النتائج الأولية منحت الكتلة الصدرية 73 مقعدًا من 329 مقعدًا في البرلمان، ارتفاعًا من 54 مقعدًا في عام 2018. وتراجع تحالف "الفتح" المؤلف من الميليشيات المدعومة من إيران، وفي مقدمها الحشد الشعبي، بشكل حاد، إذ فاز بـ 20 مقعدًا مقارنة بـ 48 مقعدًا في الانتخابات الماضية. سجل حزب سني وشيعي آخر 30 مقعدًا، بينما فازت الأحزاب الكردية مجتمعة بـ 60 مقعدًا.

انخفض معدل الإقبال على الاقتراع بنسبة 41 في المئة، وهذا أدنى مستوى منذ بدء الانتخابات في ما بعد الحرب في عام 2005. ومنذ ذلك الحين تحدى العراقيون القنابل والرصاص للتصويت. لكن الاحتجاجات الجماهيرية حلت تدريجًا محل التصويت وسيلةً للشكوى من عجز الدولة الغنية بالنفط عن توفير الكهرباء أو المياه النظيفة أو الصحة أو التعليم أو حتى الأمن الأساسي في كثير من الأحيان - وضد الطبقة الحاكمة التي اعتمدت المحاصصة لنهب موارد الدولة، تحت غطاء التقاسم الطائفي للسلطة.

في أكتوبر 2019، أطلق ناشطون شباب انتفاضة مدنية أسقطت الحكومة السابقة. طردتهم الميليشيات الإيرانية وقوات الأمن من الشارع، ما أسفر عن مقتل نحو 600 متظاهر. أدى هذا القمع إلى رفض العديد من الشباب العراقيين (ثلثي السكان أقل من 30 عامًا) انتخابات الأحد الماضي، على الرغم من أن عشرات المرشحين من حركة تشرين (أكتوبر) التي شكلوها قد فازوا على ما يبدو بمقاعد برلمانية.

تمثل ردة الفعل العنيفة ضد الميليشيات وتحالف "الفتح"، والاشمئزاز الواسع من محاولة إيران تحويل العراق إلى محمية، حتى بين الأغلبية الشيعية، انتكاسة سياسية لطهران. لكن رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، كافح لإخضاع هذه الجيوش الخاصة لسيطرة الدولة. لقد أدوا دورًا رائدًا في هزيمة داعش بعد أن استولت على ثلث العراق في عام 2014، وظلت قوة عسكرية في الأرض. علاوة على ذلك، عند رؤية الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، قد تعتقد الميليشيات التي قاتلت القوات الأميركية سنوات أن الوقت حان لطرد 2500 جندي أميركي موجودين في العراق.

وبحسب غاردنر، مقتدى الصدر هو سليل طبقة أرستقراطية من رجال الدين عارضت دكتاتورية صدام حسين الذي أطيح في عام 2003، وكان بطلًا سابًقا للشيعة المحرومين، أعاد اكتشاف نفسه بصفته وطنيًا عراقيًا يريد إخراج الأميركيين والإيرانيين من بلاده. وهو عزز شعبويته باستفزاز خصومه الشيعة والتشهير بالفساد. بصفته إسلاميًا، فإنه يلجأ إلى سلطة أعلى ويتظاهر بأنه فوق السياسة، بينما يسعى إلى السلطة بلا هوادة.

ربما كانت نتيجة الصدريين أفضل لو لم يدعم زعيمهم مقتدى انتفاضة عام 2019 أولًا قبل أن يخونها. ربما كانت ردة فعله بسبب ضغط من طهران التي كانت تواجه في الوقت نفسه ثورة شعبية ضد الحكومة المدعومة من حزب الله في لبنان، وستفقد قريبًا قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الذي يقود وكلاء إيران من العرب الشيعة.

منذ عام 2019 ، اقتدى الصدر ببعض تكتيكات حزب الله واستعمر المؤسسات والوزارات العراقية بكوادره، إلا الإدارات الرقابية كالدفاع والداخلية والاتصالات، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء. وعلى الرغم من أن الصدر حلّ جيش المهدي نظريًا في عام 2008، فإنه أعاد إحيائه تحت اسم "سرايا السلام" في عام 2014 عندما اقتربت قوات داعش من بغداد والنجف وكربلاء حيث الأضرحة الشيعية.

مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي ورئيس الاستخبارات السابق الذي وصل إلى السلطة بعد الاحتجاجات التي أطاحت سلفه، يقف في طريق الصدر إلى حد ما. على الرغم من أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه هو تدجين الميليشيات الشيعية الخارجة على القانون، فإنه ادعى النجاح في القبض مؤخرًا على سامي جاسم الجبوري، الرجل الثاني في داعش. في الشهر الماضي، التزمت شركة النفط الفرنسية "توتال" استثمار 27 مليار دولار في الطاقة العراقية. كما عقد الكاظمي قمة في بغداد لخفض التصعيد الإقليمي، حضرتها السعودية وإيران وتركيا ومصر، ما أكسبه شهرة في الولايات المتحدة وأوروبا والخليج.

ختم غاردنر: "بينما يتدافع العراقيون العاديون للعيش ويطالبون بحكومة لائقة، فإن قادتهم كانوا غير راغبين أو غير قادرين على تقاسم السلطة والموارد. في معادلة صفرية، لا يمكنهم حتى الاتفاق على ميثاق اجتماعي. إذا كان الصدر قوميًا حقًا، فإن وظيفته الأولى هي الخروج من طائفيته ووضع العراق والعراقيين أولًا".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "فايننشال تايمز".