إيلاف من بيروت: أرجأ الرئيس الأميركي جو بايدن مجدداً نشر آلاف الوثائق الحكومية المصنفة سرية، التي تتعلق بحادثة اغتيال الرئيس الأميركي الراحل "جون أف كينيدي" عام 1963، ما أثار تساؤلات المراقبين والصحافة الأميركية بشأن ما الذي يصر البيت الأبيض على إبقائه سراً بشأن تلك الحادثة التي وقعت أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بحسب مقالة نشرها موقع "إندبندنت عربية".

وبينما كان مقرراً نشر المزيد من الوثائق المتعلقة باغتيال كينيدي، الثلاثاء، أعلن البيت الأبيض تأجيل النشر بسبب تأثير جائحة كورونا في عمل الوكالات المعنية بمراجعة الوثائق وتنقيحها.

فيما أصدر الرئيس بايدن مذكرة قال فيها إن "التأجيل المستمر المؤقت ضروري للحماية من الضرر الذي يمكن أن يترتب على الدفاع العسكري أو العمليات الاستخباراتية أو إنفاذ القانون أو العلاقات الخارجية"، لافتاً إلى "أن الأمر يفوق المصلحة العامة في الكشف الفوري عن محتوى الوثائق".

قرار بايدن، الذي يأتي استمراراً لسياسات سلفه السابق دونالد ترمب الذي أمر عام 2017 بتأجيل نشر الوثائق، جاء كمفاجأة للمؤرخين والمراقبين السياسيين داخل الولايات المتحدة، بالنظر إلى التاريخ السياسي للرئيس الحالي الذي خدم في مجلس الشيوخ الأميركي عندما تم إقرار قانون "مجموعة سجلات اغتيال جون أف كينيدي" بالإجماع. وهو القانون الذي تم إقراره عام 1992 مع تزايد المطالبات الشعبية لكشف الملفات المتعلقة بالقضية بعد فيلم السيناريست أوليفر ستون "جيه أف كيه"، الذي أوحى بوجود مؤامرة وراء اغتيال كينيدي. وقد تم نشر معظم السجلات بين عامي 1994 و1998، مع الإبقاء على الوثائق الأكثر حساسية وأهمية سرية.

"عشيقة" جون كينيدي تكشف عن علاقتهما السرية

نقلت صحيفة "بولتيكو" الأميركية عن ديفيد كايزر، أستاذ التاريخ السابق لدى الكلية الحربية البحرية ومؤلف كتاب "الطريق إلى دالاس" قوله، "هل أصدق أن وكالة الاستخبارات المركزية لديها ملف يظهر أن مديرها السابق ألين دالاس قد ترأس عملية الاغتيال؟ لا، لكنني أخشى أن هناك أشخاصاً سيصدقون أشياءَ كهذه بغض النظر عما هو موجود في الملفات".

ويجادل كايزر في كتابه بأن مقتل كينيدي لا يمكن فهمه تماماً من دون دراسة حملتين رئيستين للاستخبارات الأميركية وجهات إنفاذ القانون في تلك الحقبة؛ وهما حرب المدعي العام روبرت كينيدي على الجريمة المنظمة والجهود "الفاشلة" لوكالة الاستخبارات المركزية لقتل الزعيم الشيوعي لكوبا فيدل كاسترو (بمساعدة المافيا).

مع ذلك، يعتقد المؤرخ الأميركي وخبراء آخرون أن وكالات الأمن القومي لا تزال تخفي المعلومات التي تُظهر كيف أن المسؤولين رفضوا إجراء عملية تحقيق ومحاسبة كاملة من قبل الكونغرس والمحاكم، كما تخفي معلومات عن شخصيات في عالم التجسس ربما تكون متورطة في مؤامرة لقتل الرئيس، وفقًا لـ "إندبندنت عربية".

الحرب الباردة

ويشير آخرون إلى أن الوثائق السرية التي تمتنع الإدارات الأميركية عن نشرها ربما توفر نظرة كاشفة عن العمليات السرية للحرب الباردة، في حين ليس من المتوقع أن تقدم أدلة حاسمة أو تكشف عن الحقيقة بشأن اغتيال كينيدي.

ولا يزال يتم حجب أجزاء من أكثر من 15 ألف سجل تم الكشف عنها، وفي بعض الحالات يُجرى حجب كلمة واحدة ولكن في حالات أخرى تقريباً المستند بأكمله، وفقاً للأرشيف الوطني.

وتقول "بولتيكو"، "إن الكثير مما لم يتم نشره بعد يتضمن أنشطة استخباراتية خلال ذروة الحرب الباردة، التي لم يكن لها على الأرجح، تأثير مباشر في مؤامرة قتل كينيدي ولكنها قد تلقي الضوء على عمليات سرية. فواحد من الملفات التي تخضع لرقابة مشددة يتضمن تفاصيل مؤامرة لوكالة الاستخبارات المركزية لقتل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وآخر يتضمن خطة البنتاغون لعام 1963 لتدبير ذريعة لإطاحته".

ويُعتقد أن الملفات المنقحة الأخرى تحتوي على معلومات جديدة حول فضيحة التجسس المعروفة بـ"ووترغيت" لعام 1972، التي أسفرت عن استقالة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون. لكن وفقاً لوسائل إعلام أميركية، فإن البعض قد يكشف المزيد عن الأحداث التي أدت إلى اغتيال كينيدي.

هارفي أوزوالد

بحسب "إندبندنت عربية"، عندما اغتال "لى هارفي أوزوالد"، الجندي السابق لدى مشاة البحرية الأميركية الذي كان واحداً من أكثر الرماة مهارة، الرئيس كينيدي في دلاس بولاية تكساس الأميركية في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963، أُثيرت شكوك بشأن مؤامرة كوبية روسية، لكن القادة الأميركيين استبعدوا الأمر لغياب قرائن تؤكد الفكرة. و"أوزوالد" كان يصف نفسه بأنه "شيوعي" ومتزوج من روسية وحاول اللجوء إلى روسيا، غير أن أمره انتهى بالقتل على يد صاحب نادٍ ليلي في دلاس خلال ترحيله إلى السجن.

يهتم الباحثون بشدة بالملف الخاص بجورج جوانيدس، الذي كان عميلاً لدى وكالة الاستخبارات المركزية، إذ يُعتقد أنه كذب على الكونغرس بشأن ما يعرفه عن مجموعة تدعمها وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج كانت على صلة بـ"أوزوالد". وقد أيدت محكمة استئناف فيدرالية عام 2018 رفض وكالة الاستخبارات المركزية دعوى من قبل الباحث جيفرسون مورلي للحصول على الملف.

ويحتوي ملف آخر، تم نشر أجزاء منه سابقاً، على معلومات حول مراقبة وكالة الاستخبارات المركزية "أوزوالد" خلال رحلة يزعم أنه قام بها إلى مكسيكو سيتي قبل الاغتيال. ونقلت "بولتيكو" عن لاري شنابف، المحامي والباحث، أن الملفات يمكن أن تكشف المزيد "عما كانت تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية في نيو أورلينز، وبعض المعلومات الإضافية حول مكسيكو سيتي وربما حتى بعض الاكتشافات حول دور وكالة الاستخبارات في ووترغيت".

غضب عائلة كينيدي

ووفقاً لمذكرة بايدن، فإنه وجه الأرشيف الوطني نحو إجراء "مراجعة مكثفة" على مدى العام المقبل لكل الوثائق المنقحة المتبقية لضمان زيادة الشفافية إلى أقصى حد، و"الكشف عن جميع المعلومات في السجلات المتعلقة بالاغتيال" مع بعض الاستثناءات. وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من الوكالات لا يزال بإمكانها إقناع بايدن بمزيد من التأجيل بشأن نشر بعض الوثائق.

قرار البيت الأبيض أثار غضب عائلة الرئيس الأميركي الراحل، التي وصفته بأنه انتهاك للديمقراطية. وقال روبرت أف كينيدي جونيور، ابن شقيق كينيدي، "إنه انتهاك للديمقراطية الأميركية. ليس من المفترض أن يكون لدينا حكومات سرية داخل الحكومة". وتساءل مستنكراً، "ما الذي يبرر عدم نشر الوثائق بعد مرور 58 عاماً على مقتل كينيدي؟".

كما أكد باتريك كينيدي، النائب السابق عن ولاية رود آيلاند، وهو أيضاً ابن شقيق الرئيس الراحل، "أنه يجب الكشف عن السجلات ليس من أجل عائلته، ولكن لأن المواطنين الأميركيين لديهم الحق في معرفة "شيء ترك ندبة في روح هذه الأمة التي لم تفقد رئيساً فقط بل وعد بمستقبل أكثر إشراقًا". وأضاف "أعتقد أنه من أجل مصلحة البلاد، يجب الكشف عن كل شيء حتى يكون هناك فهم أكبر لتاريخنا".