إيلاف من دبي: شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً في نسق الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل، بعدما امتدت لتشمل ملايين المدنيين في البلدين، وجدوا أنفسهم ضحايا لحرب دائرة بين الدولتين، بحسب "الشرق".

ففي خلال السنوات الأخيرة، انخرطت تل أبيب وطهران في حرب سرية براً وبحراً وجواً من خلال أجهزة الكمبيوتر، لكن الأهداف بقيت في معظم الأوقات إما عسكرية أو ذات صلة بالحكومة، إلا أن الأشهر الأخيرة أظهرت أن هذه الحرب الإلكترونية اتسعت لتشمل استهداف المدنيين على نطاق واسع، وفقًا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز".

تقييمات سرية

في أكتوبر الماضي، أدى هجوم إلكتروني على نظام توزيع الوقود في إيران، إلى شلّ محطات الوقود في نحو 4300 محطة وقود، واستغرق العمل فيها 12 يوماً لاستعادة خدماتها السابقة بشكل كامل. وقال مسؤولان عسكريان أميركيان للصحيفة الأميركية، تحدثا شرط عدم الكشف عن هويتيهما: "هذا الهجوم نُسب إلى إسرائيل في تقييمات استخباراتية أميركية سرية"، بحسب "الشرق".

وجاء الهجوم على محطات توزيع الوقود في إيران، بعد أيام قليلة من تعرض إسرائيل لهجمات سيبرانية، شملت منشآت طبية كبرى وموقعاً إسرائيلياً خاصاً بمواعدة المثليين، نسبها مسؤولون إسرائيليون لإيران.

وهذا التصعيد يأتي في الوقت الذي حذرت فيه السلطات الأميركية من محاولات إيرانية، لاختراق شبكات الكمبيوتر في المستشفيات والبنية التحتية الحيوية الأخرى في الولايات المتحدة، التي رجحت تزايد مثل هذه الهجمات مع تعقد الجهود الدبلوماسية بشأن الاتفاق النووي الإيراني.

وصارت الأهداف المدنية خلال الأشهر الأخيرة عرضة للهجمات السيبرانية، على غرار الهجوم الذي استهدف خطوط سكك الحديد الإيرانية في يوليو، لكن هذا الاختراق البسيط نسبياً، ربما لم يكن إسرائيلياً، فيما يتم اتهام طهران بشن هجوم فاشل على شبكة المياه الإسرائيلية العام الماضي. ويُعتقد أن الهجمات السيبرانية الأخيرة، هي الأولى التي تلحق أضراراً واسعة النطاق بأعداد كبيرة من المدنيين، رغم أنها لم تسفر عن وفيات.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن هذه الهجمات "كانت تهدف إلى خلق حالة من الفوضى والغضب والخوف على نطاق واسع"، مشيرة إلى أنها "نجحت بشكل كبير في تحقيق ذلك، وكلا البلدين يهاجم المدنيين، لإرسال رسائل إلى حكومتيهما".

موجة مناهضة للحكومة

تزامن اختراق نظام توزيع الوقود الإيراني في 26 أكتوبر، مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية للاحتجاجات الكبيرة المناهضة للحكومة، التي اندلعت بسبب زيادة مفاجئة في أسعار البنزين، والتي ردت الحكومة عليها بـ"حملة قمع وحشية" وفق منظمة العفو الدولية، التي قالت إن نحو 300 شخص لقوا حتفهم خلالها.

ويبدو أن الهجوم الإلكتروني الأخير كان يهدف إلى إثارة موجة مماثلة من الاضطرابات المناهضة للحكومة"، بحسب الصحيفة.

وتوقفت مضخات الغاز فجأة عن العمل، وتم توجيه رسالة للعملاء تطالبهم بتقديم شكوى إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، مع عرض رقم هاتف مكتبه، كما سيطر المتسللون على اللوحات الإعلانية في مدن مثل طهران وأصفهان، واستبدلوا الإعلانات برسالة مكتوب بها: "أين البنزين يا خامنئي؟"، وانتشرت أحاديث حينها، بأن الحكومة دبرت هذه الأزمة لرفع أسعار الوقود.

ولم يسفر الحادث عن تظاهرات جديدة، إذ سارعت الحكومة الإيرانية إلى احتواء الأزمة وإخماد نيران الغضب. وعقدت وزارة النفط والمجلس الوطني للفضاء الإلكتروني اجتماعات طارئة، وأصدر وزير النفط جواد عوجي اعتذاراً علنياً نادراً عبر التلفزيون الحكومي، وتعهد بتقديم 10 لترات إضافية من الوقود المدعوم لجميع مالكي السيارات"، كما أتى في تقرير "الشرق".

ولإعادة تشغيل المضخات، كان على الوزارة إرسال خبراء تقنيين إلى كل محطة وقود في البلاد، وحتى بعد إعادة تشغيل المضخات، فإن معظمها لم تتمكن إلا من بيع الوقود غير المدعوم فقط، والذي يبلغ سعره ضعف سعر الوقود المدعوم، واستغرق الأمر نحو من أسبوعين لاستعادة شبكة الدعم، التي خصصت لكل سيارة 60 لتراً شهرياً بنصف السعر.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن أحد المسؤولين البارزين في وزارة النفط الإيرانية المطلعين على التحقيقات، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن "المسؤولين قلقون من سيطرة المتسللين على خزانات الوقود التابعة للوزارة، وربما تمكنوا من الوصول إلى بيانات حول مبيعات النفط الدولية، وهو سر من أسرار الدولة، يمكن أن يفضح كيفية تهرب إيران من العقوبات الدولية".

وأشارت الصحيفة إلى أنه نظراً لأن خوادم الحاسب الآلي التابعة للوزارة تحتوي على مثل هذه البيانات الحساسة، فإن النظام يعمل دون اتصال بالإنترنت، ما يثير شكوكاً بين المسؤولين الإيرانيين بأن إسرائيل ربما حصلت على مساعدة من الداخل في عملية الاختراق.

عن بلاك شادو

وبعد أربعة أيام من توقف مضخات إيران عن العمل، تمكن المتسللون من الوصول إلى قاعدة بيانات موقع المواعدة الإسرائيلي "أتراف"، والملفات الطبية في معهد "ماشون مور" الطبي، وهي شبكة من العيادات الخاصة في إسرائيل.

ونشر المتسللون الملفات المسروقة من كلا الاختراقين، بما في ذلك المعلومات الشخصية لنحو 1.5مليون إسرائيلي، وهو ما يمثل نحو 16% من سكان البلاد، على قناة على تطبيق المراسلة "تيلجرام".

وطلبت الحكومة الإسرائيلية من التطبيق حجب القناة، وهو ما تم بالفعل، لكن المتسللين، وهم مجموعة غير معروفة تسمى "بلاك شادو"، أعادوا نشر المواد على قناة جديدة بشكل فوري، واستمروا في القيام بذلك في كل مرة يتم حظرها فيها.

كما نشرت المجموعة ملفات مسروقة من شركة التأمين الإسرائيلية "Shirbit"، والتي تم اختراقها في ديسمبر الماضي، بالإضافة إلى بيانات موظفي وزارة الدفاع الإسرائيلية المؤمن عليهم.

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، طلبوا عدم كشف هوياتهم، قولهم إن "بلاك شادو إما جزء من الحكومة الإيرانية، أو متسللون مستقلون يعملون لحساب الحكومة".