عمان: لطالما حلم محمد ملحس بأن يصبح طياراً، لكنّ ظروفه لم تسمح له بذلك... وقد قرر هذا الأردني البالغ 76 عاما بناء قمرة قيادة طائرة في قبو منزله لتحقيق حلمه بالتحليق في رحلات افتراضية من المنزل.
ويقول ملحس المتقاعد الذي عمل لمدة 35 عاما في إدارة مستشفى خاص أنشأه والده في عمّان: "منذ الأزل كان الإنسان يتفرج على الطيور في عنان السماء ويحلم بالطيران بحرية".
وأضاف في قبو منزله حيث عُلقت على الجدران نماذج من طائرات مصغرة وملأت مكتبته كتب حول الطيران "منذ كان عمري 10 سنوات عندما كنت ألعب مع زملائي بالطائرات الورقية خلال العطل الصيفية المدرسية كنت أقول مع نفسي: كيف باستطاعة هذه الأوراق أن تحلق هكذا عاليا في السماء، منذ ذلك الحين تولدت عندي رغبة وحب للطيران".
وتابع "كان قلبي دائما معلقا في السماء وحلمي أن أصبح طيارا لكنّ الظروف لم تسمح بذلك إلا أن الشغف ظل في داخلي طوال حياتي".
وهكذا ورغم انشغاله في إدارة المستشفى بعد تخرجه من جامعة "سيتي أوف ويستمينستر كولدج" في لندن عام 1969 حيث درس إدارة المستشفيات، ظل ملحس يتابع هوايته ويقرأ الكتب المتعلقة بالطيران.
وعام 1976، انضم ملحس إلى أكاديمية الطيران الملكية ليتعلم قيادة طائرة صغيرة من نوع "بايبر" ذات المحرك الواحد، فكان يطير فجرا قبل أن يتوجه مسرعا الى عمله صباحا في المستشفى. وقد حصل على الرخصة بعد عامين.
ثم انضوى لقرابة عقد في نادي الطيران الشراعي الملكي وكان يطير أسبوعيا بطائرة شراعية.
بعد عام 2006 كان ملحس يطير افتراضيا من خلال برامج طيران إلكترونية، ثم انضم لمنظمة عالمية تحمل اسم "فيرتشوال ترافيك ستيموليشن" تساعده على الطيران في ظروف شبه حقيقية بوجود مراقب جوي يوجهه.
ويقول "كنا مجموعة من نحو 30 إلى 40 صديقا من هواة الطيران من مختلف دول العالم نتحدث مع بعضنا البعض ونطير افتراضيا في أوقات فراغنا".
ويضيف "كنا نطير الى بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة ودبي وجدة وفرنسا والمانيا وإيطاليا واليونان وقبرص وبريطانيا والولايات المتحدة نبقى أحيانا ست ساعات جالسين على أجهزة الكمبيوتر كما لو كنا نحلق برحلات حقيقية".
ويوضح ملحس أن "الأمر أشبه بخداع الدماغ، من خلال النظر تشعر وكأنك تطير في السماء، ولكنك في الحقيقة جالس في بيئة آمنة تسترخي على كرسي داخل منزلك بعيدا عن المخاطر".
ورغم هذا كله، لم يشعر ملحس بمتعة الطيران الحقيقي أمام شاشة الكمبيوتر، فقرر أن يصنع قمرة قيادة تحاكي التصميم الداخلي للقمرة في طائرة بوينغ 800-737 للشعور بقدر أكبر من الواقعية، في قبو منزله في حي دابوق الراقي غرب عمان.
وهو اشترى كل شيء من السوق المحلية. كما استحصل على الكراسي في القمرة من سوق الخردة، وهي كانت عائدة لحافلة.
ووضع أمامه ثلاث شاشات كبيرة ليشعر بالاندماج في محيطه، وذلك من خلال مقاطع فيديو مصممة لتتناسق مع تحركاته ليبدو وكأنه في طيران حقيقي في الجو، حيث السماء والغيوم والبر والأنهار والغابات والصحراء. كما في إمكانه تحديد الطقس خلال الطيران.
واستغرق إنجاز المشروع ثلاث سنوات، بمساعدة عدد من أصدقائه من مهندسي الإلكترونيات والكهربائيات بكلفة تجاوزت ستة آلاف دينار (8460 دولارا) تمكّنه من خوض تجربة الطيران بكافة تفاصيلها وحيثياتها.
ويقول أحمد فارس (25 عاما) وهو مهندس ميكانيكي وصديق لملحس يحدّث أنظمة قمرة القيادة "أنا أعمل على تبديل المفاتيح والساعات والمؤشرات بأخرى حديثة لجعلها تتجاوب مع حالة الطائرة لتبدو وكأنها حقيقية عند الطيران الافتراضي".
ويضيف فارس الذي تعرّّف على ملحس خلال جولات الطيران الافتراضي الجماعية إنه "عند الانتهاء ستقرأ المؤشرات الارتفاع وقوة دفع المحرك والوقود وعمل الأجنحة لكي يشعر ملحس بأنه على متن طائرة حقيقية".
ويقول ملحس "قمرة القيادة هذه أصبحت كمنتدى لهواة الطيران حيث يأتي في بعض الأحيان طلاب الطيران ليطيروا منها ويستمتعوا بالطيران حول العالم".
ويضيف خلال استعداده للانطلاق في رحلة ليلية افتراضية من عمّان إلى باريس "أعتقد أنه لأمر رائع أن تنطلق في رحلة طيران وأنت جالس في منزلك بأمان وتشعر بمتعة الطيران حول العالم".
التعليقات