إيلاف من بيروت: دخلت الميليشيات الإيرانية الأراضي السورية مع بدايات الثورة السورية في العام 2011، بذرائع وحجج مختلفة اختلقها النظام السوري وقيادات من الحرس الثوري الإيراني كانوا على مقربة من مصادر القرار والقيادات الفاعلة في الجهاز الأمني والاستخباراتي السوري.

الميليشيات المدعومة من إيران والعاملة على الأرض السورية، كانت ولا تزال إحدى العقد التي تزيد من صعوبة الحل في سوريا، وبخاصة بعد نقل كل ما يحملون من تعقيدات إلى السوريين، ليتصارعوا بينهم على النفوذ والقوة، وما منافسة حزب الله اللبناني، المعروف بعقيدة وشراسة مقاتليه أمام المدنيين السوريين قبل المسلحين، مع لواء الفاطميون الإيراني، على النفوذ وإثبات الأجدر بالمال والدعم الإيراني إلا أحد أوجه الصراع، وفقًا لتقرير نشره "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

النشأة والتكوين

تم تأسيس ميليشيا لواء فاطميون في إيران بالتزامن مع اندلاع الثورة السورية، على يد قيادات الحرس الثوري الإيراني، واعتمد الحرس الثوري في تشكيل اللواء الذي سيستخدم لصالح إيران على عناصر غير إيرانية، حتى لا يثير استخدامهم قلقاً في الداخل، ولا يغدو يوماً ما قوة أساسية إلى جانب لواء القدس والحرس الثوري.

خلال أعوام الحروب الأفغانية، التجأ الآلاف من الأفغان إلى الأراضي الإيرانية، هرباً من الموت على يد طالبان أو القاعدة أو بالقصف الذي عاشته أفغانستان وقتاً طويلاً، وكان اللاجئين أكثرهم من أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان.

استقر قسم منهم في إيران ودرس أولادهم في “قم”، ومع انطلاق الربيع العربي وانقسام القوى المتصارعة في البلدان التي شهدت ثوارت ضد حكامها، كاليمن وسوريا، استغلت الحكومة الإيرانية الوضع القائم، وقرأت فيه امتداداً لنفوذها في هاتين الدولتين، فقررت تشكيل ميليشيات تتبع لها عقائدياً، لتكون مخفراً متقدماً يقي قواتها الرسمية التورط في انتهاكات قد تكون وبالاً عليها.

بدأت السلطات الإيرانية بالتضييق على اللاجئين في الحصول على الإقامة والعمل، ولأن لا حول ولا قوة للاجئين على الحكومة، رضخوا لشروط الحكومة التي خيرتهم بمنح الإقامة مقابل الانضمام إلى صفوف لواء فاطميون، الذي ستكون مهمته الرئيسية حماية الأضرحة والمزارات المقدسة الشيعية في سوريا، وأوكل إنشاء اللواء وتنظيمه، للقيادي في الحرس الثوري الإيراني علي رضا توسلي، الصديق المقرب من قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي قتل في العراق باستهداف إسرائيلي في يناير 2020، وكان معه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس وعدد من المرافقين العراقيين والإيرانيين.

خيّر علي رضا توسلي اللاجئين الأفغان بمغادرة إيران أو الانضمام للواء فاطميون، مقابل مبلغ شهري قدره مليون تومان إيراني والحصول مع عائلته على الإقامة في إيران، وفي حال قتل أي عنصر في العمليات العسكرية خلال خدمته في سوريا، ستحصل عائلته على مبلغ قدره 50 مليون تومان إيراني.

الامتداد إلى سوريا

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، نُشرت في الأوساط الشيعية بداية الحراك الثوري في سوريا، شائعة كررها رجال دين وخطباء ومتنفذين، مفادها أن أحداً من المعارضين للنظام السوري كتب على جدارٍ في مقام السيدة زينب في المنطقة التي تحمل اسمها في ريف دمشق الجنوبي، عبارة “إذا رحلتم عن سوريا فخذوها معكم”.

كانت إشاعة أججت الشعور الطائفي واستغلت من إيران لتكون الذريعة لدخول ميليشياتها لسوريا.

حملت الطائرات الإيرانية آلاف المقاتلين إلى سوريا لحماية المراقد المقدسة، في دمشق وريفها وحلب ومدن سورية أخرى، وقدر عدد عناصر الميليشيات الإيرانية بداية الدخول لسوريا نحو 5000 عنصر.

انتشر لواء فاطميون في المناطق التي تضم مراقد شيعية لحمايتها كما تم الاتفاق الأول مع اللاجئين الأفغان في إيران، لكنهم سرعان ما دخلوا في العمليات العسكرية لجانب قوات النظام السوري وقتل السوريين وتهجيرهم والتنكيل بهم.

الانتهاكات والعمليات العسكرية

مع اتساع رقعة العمليات العسكرية في سوريا، بدأت ميليشيات كثيرة بمساندة قوات النظام، وكان أبرزها وأكثرها قوة هما حزب الله اللبناني وميليشيا فاطميون.

شارك الفصيلان المدعومان إيرانياً، بالعمليات العسكرية ضد الفصائل المعارضة المسلحة والجهادية على امتداد الجغرافيا السورية.

برزت مشاركة الفصائل المدعومة إيرانياً في معارك دمشق وريفها كالقلمون والزبداني وحصار مضايا وتجويع أهلها وموت العديد منهم جوعاً، أو الاستسلام لشكل آخر من الموت.

وشاركت الميليشيات ايضاً في معارك السيطرة على الغوطة الشرقية ومحيط مطار دمشق الدولي وريف دمشق الجنوبي امتداداً إلى محافظة درعا، مهد الثورة السورية، والتي عانت ولا تزال تعاني من ممارسات الميليشيات المدعومة من إيران.

في معارك لواء الفاطميون في درعا، إلى حانب قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني، تَلَقوا خسارة كبيرة بمقتل مؤسس اللواء علي رضا توسلي، ما شكل نقطة فارقة في عمل اللواء وتوجهه في سوريا.

وفي حمص وريفها كان للميليشيات المدعومة من إيران عمليات خسروا فيها الكثير من عناصرهم، كما قتلوا من السوريين الكثير، في مدينة حمص وتدمر والقصير وحقل شاعر.

وبما أن انطلاقة الميليشيات المدعومة إيرانياً كانت من دمشق، فلم تقف عند حمص، بل امتدت إلى حماة وحلب وإدلب، وشاركت بقوة في معارك فك الحصار عن سجن حلب.

توزع الميليشيات الإيرانية

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تتوزع الميليشيات الإيرانية في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، بعدد لا يقل عن 65500 ألف مقاتل بين حاملٍ للجنسية السورية أو جنسيات أخرى.

بحسب إحصائيات المرصد، تعداد عناصر ميليشيا لواء فاطميون يبلغ على أقل تقدير 8000 عنصر، من العدد الإجمالي للميليشيات الإيرانية.

ففي العاصمة وريفها ينتشر نحو 10200 مقاتل، في المدن والقرى والبلدات، ليضمنوا بشكل أساسي المنطقة الممتدة من دمشق إلى الحدود اللبنانية.

أما في الجنوب السوري فتعداد الميليشيات الإيرانية يقدر بنحو 11500، وتتم عمليات التجنيد عن طريق “سرايا العرين” التابع للواء 313 الواقع شمال درعا، وفي مراكز أخرى في منطقة اللجاة بريف درعا، وخان أرنبة ومدينة البعث بريف القنيطرة قرب الحدود مع الجولان السوري المحتل، بالإضافة لريف السويداء.

يصل تعداد الميليشيات الإيرانية في حمص وباديتي حماة والرقة الواقعتان تحت سيطرة قوات النظام السوري، نحو 4800 عنصر من جنسية سورية وجنسيات عربية وآسيوية.

وفي إدلب يقدر عدد عناصر الميليشيات الموالية لإيران والدعومة منها نحو 900 عنصر من جنسيات سورية غير سورية.

في حلب فيقدر عدد العناصر بنحو 8350، وينتشرون في نبل والزهراء والمناطق المحيطة بهما في الريف الشمالي لحلب، وفي العيس والحاضر في الريف الجنوبي لحلب، ومسكنة ودير حافر والسفيرة بريف حلب الشرقي، إضافة لانتشارهم داخل مدينة حلب.

أما في القامشلي بمحافظة الحسكة، فقد بلغ تعداد عناصر الميليشيات الإيرانية، ما لا يقل عن 800 شخص، 390 منهم من عناصر وقيادات في الدفاع الوطني التابع لقوات النظام، بينما 410 من المدنيين وأبناء العشائر العربية مثل “العبيد ويسار وحريث وبني سبعة والشرابيين”، والذين تمّ تجنيدهم بدفع رواتب شهرية مغرية، ليُنقَل معظهم إلى محافظة دير الزور بعد سيطرة قوات الأمن الداخلي “الأسايش” على حي طي في مدينة القامشلي.

لكن للميليشيات الإيرانية في دير الزور وضفة الفرات الغربية، ترتيب آخر، فينتشر في ضفة الفرات الممتدة من حدود المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركياً في ريف حلب الشرقي، إلى الحدود العراقية مروراً بدير الزور، ما لا يقل عن 29000 عنصر يتبع للميليشيات الإيرانية، وبحسب الإحصائيات فإن 11000 عنصر منهم يحملون الجنسية السورية، ونحو 18000 ألف من حملة الجنسيات العربية والآسيوية.

وفي منطقتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي شُكّل فصيل عسكري تحت اسم “فوج الحاج قاسم سليماني”، وعناصرها من أبناء المنطقة، ونقل العديد منهم للعمل في البوكمال بريف دير الزور.

الاستقطاب والتجنيد

دخلت الميليشيات الإيرانية مدعومة بتمويل قوي وبالدولار، وبما أن السوريين يعيشون حالة حرب، وصعوبة في تأمين مستلزمات الحياة الأساسية، كان من السهل على الميليشيات إغراء السكان بالرواتب الشهرية العالية، مقارنة بالرواتب التي يمنحها النظام السوري، وفقًا لتقرير المرصد.

ميليشيا حزب الله اللبناني سبقت لواء الفاطميون في تجنيد السوريين ضمن صفوفها، لكن مع اتساع رقعة العمليات العسكرية، قللت ميليشيا حزب الله من مشاركاتها في العمليات العسكرية وبالتالي خفّ التجنيد أيضاً.

في حين للواء الفاطميون مع التجنيد سيناريو مختلف، فمؤسس اللواء علي رضا توسلي كان له هدفان بعد انتقال ساحة عملياته إلى سوريا، فالهدف الأول منافسة حزب الله اللبناني في سوريا على الحظوة لدى القيادات العسكرية والسياسية الإيرانية، والهدف الثاني التغلغل في الداخل السوري، والانتشار باستخدام كل الإمكانات المتاحة للواء.

دخول قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” على خط الصراع في سوريا، قّرب القوات الأمريكية أي العدو الإيراني البعيد كما تزعم القيادات العسكرية في الحرس الثوري الإيراني وقيادات الصف الأول في الميليشيات العاملة بتمويل منها في سورية، وبالتزامن مع اتساع رقعة العمليات العسكرية وتوجه قوات النظام إلى بسط سيطرتها على كامل الجغرافية السورية مدعومة بالميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، ووصولها إلى محافظة دير الزور، فوجئت بالقوات الأمريكية على الضفة الشرقية من نهر الفرات.

الاقتراب من القواعد الأميركية واستهدافها، بدا حملاً أكبر من حزب الله اللبناني، الذي خشي على ضياع ما استحوذ عليه بسيطرته وتحكمه بالحدود بين لبنان وسوريا، فانكفأ دوره وتصدى للقيام بالمهمة لواء الفاطميون، وبذلك أصبح الأقرب إلى قلب الإيرانيين من حزب الله الذي انشغل بالتهريب والأزمة داخل لبنان.

مع تأزم الأوضاع المعيشية وصعوبة الحياة في الداخل السوري، كان حصان طروادة للدخول إلى قلب السوريين واستقطابهم الدولارات التي يدفعونها كل شهر، ليبدأوا بنشر التشييع بين المجندين والانتقال من خلالهم إلى عوائلهم ومحيطهم الاجتماعي.

ففي دير الزور وريفها استخدم لواء الفاطميون أساليب عدة لتشييع السكان وتجنيد الشبان منهم، فقد غيروا أسماء المساجد التي تحمل أسماء لا تناسبهم، كمسجد أبو بكر في البوكمال، حولوه إلى مسجد فاطمة الزهراء، وطالبة تحمل اسم عائشة غيروا اسمها إلى رقية، والطفل عمر أمين، أجبروه وأهله على تسميته بعلي.

كما نشروا الشعارات التي تُردد في إيران، كشعار “الموت لأمريكا وإسرائيل” بين أطفال ريف دير الزور، من خلال الرحلات الترفيهية التي يأخذونهم إليها لنشر التشيع بينهم وتنشئتهم عليه.

مضايقة واعتقال

أما الشبان فالمضايقة والاعتقال كانت الطريقة التي تقودهم إلى التطوع، وأحياناً يجبرون أفراداً على ترك عملهم أو تغيير عمله، لقطع السبل به إلّا من الانتساب إليهم.

وبحسب مصادر من المنطقة فإن حياة عناصر ميليشيات لواء الفاطميون، لها قواعد خاصة بهم، فقيادات الصف الأول باللواء إيرانيون، والصف الثاني هم من الأفغان، ويسكنون مع عوائلهم في المنازل المجاورة للمقرات والمراكز التابعة لهم وتعود ملكية أغلب المنازل لأشخاص مطلوبين لقوات النظام وفرّوا إلى خارج مناطق سيطرتها، ويحتكرون المساعدات الإغاثية المقدمة من المنظمات والجمعيات الإغاثية ليوزعوها على عائلات عناصرهم الأفغان، كما خصّصوا مستشفى “الشفاء” في الميادين، للعناصر الأفغان وعائلاتهم، مانعين سكان المنطقة من السوريين الاستفادة منه.

ويتنقل عناصر اللواء في سوريا مستخدمين بطاقات أمنية باللون الأخضر، ويمنع إيقافهم أو عرقلتهم من قبل قوات النظام وحواجزهم المنتشرة في مناطق سيطرتهم، ويتحكمون بطرق التهريب بين سوريا والعراق، ويهربون عبر وكلاء لهم الخضار من العراق إلى دمشق وحمص، والتبغ والمخدرات من سوريا إلى العراق.

ووفق مصادر مقربة من اللواء فإن العناصر الأفغان يفضلون النوم في المناطق البعيدة عن المقرات والمراكز العسكرية، خوفاً من غارات التحالف الدولي أو الغارات الإسرائيلية، والتي تسببت بمقتل عشرات العناصر من اللواء، إضافة لتدمير العديد من معسكراتهم ومواقعهم في ريف دير الزور والبادية السورية، ناهيك عن المواقع المستهدفة في ريف دمشق الجنوبي والقلمون.