لاليبيلا (إثيوبيا): بعد ظهر يوم من آب/أغسطس، كان الأب تسيج ميزغيبو يترأس الصلاة في واحدة من كنائس لاليبيلا عندما دخل متمردو تيغراي المدينة وطلبوا من المؤمنين أن يهتفوا "ليحمي الله مدينتنا!".

شعر الأب تسيج على الفور بالخوف من حدوث الأسوأ للكنائس الإحدى عشرة البالغ عمرها أكثر من ألف عام وتجعل من هذه المدينة الواقعة في منطقة أمهرة بشمال إثيوبيا مكانا مقدسا لعشرات الملايين من المسيحيين الأرثوذكس في البلاد وموقعا سياحيا.

سبقت وصول متمردي جبهة تحرير شعب تيغراي أخبار تثير الرعب. فقد اتهمهم قادة اتحاديون ومنظمات غير حكومية بارتكاب جرائم قتل واغتصاب جماعي خلال هجومهم في أمهرة الذي بدأ في تموز/يوليو.

وحث الأب تسيج السكان على التزام الهدوء وعدم الفرار من المدينة. وقال "أؤمن بالله وكان لدي إيمان بأنه لن يحدث شيء في هذا المكان المقدس".

لكن الأشهر الأربعة التالية لم تشهد سوى حرمان وأعمال عنف.

نهب المتمردون منازل ومرافق صحية. وبدون وسائل نقل أو كهرباء أو مصارف أو اتصالات، وجد السكان أنفسهم معزولين عن العالم.

وانتهى هذا الوضع الأسبوع الماضي عندما استعاد الجيش السيطرة على لاليبيلا في هجوم مضاد خاطف كان أحدث تطور في النزاع الذي يدور منذ أكثر من عام بين القوات الموالية للحكومة ومتمردي تيغراي.

وكانت وكالة فرانس برس أول وسيلة إعلامية مستقلة تدخل المدينة منذ ذلك الحين.

ما كان يفترض أن تستمر الحرب في إثيوبيا طويلا ولا أن تبلغ لاليبيلا.

آبيي أحمد

فقد وعد رئيس الوزراء آبيي أحمد حائز جائزة نوبل للسلام في 2019 بعملية عسكرية سريعة وموجهة عندما أرسل الجيش في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى منطقة تيغراي الشمالية للإطاحة بجبهة تحرير تيغراي التي اتهمها بشن هجمات على قواعد للجيش الاتحادي.

لكن في نهاية حزيران/يونيو 2021 سيطرت جبهة تحرير شعب تيغراي على الجزء الأكبر من تيغراي ثم تقدمت إلى منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.

ولاليبيلا واحدة من البلدات العديدة في أمهرة حيث فضلت القوات الموالية للحكومة الفرار على القتال. ولحقت بها السلطات المحلية، وتركت للأب تسيج وغيره من الرجال الدين وحدهم إدارة المدينة التي يسيطر عليها المتمردون عسكريا.

وطلب رجال الدين من المقاتلين وكثير منهم من المسيحيين الأرثوذكس، في البداية إزالة مدافع الهاون والأسلحة الثقيلة الأخرى المتمركزة بالقرب من الكنائس، فوافقوا ووعدوا باحترام الموقع. كما اعتادوا على ترك رشاشاتهم في الخارج قبل التوجه للصلاة في كنيسة القديس جورج، إحدى كنائس لاليبيلا المبنية بشكل صليب.

الكنائس

وبقيت الكنائس سليمة وجميعها صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) ضمن التراث العالمي.

في البلدة نفسها لم يبد المتمردون تساهلا وطرقوا الأبواب في جميع الأوقات لطلب هواتف محمولة وطعام، كما يقول السكان.

وقال بيلاينيو مينجشو أحد منظمي الرحلات السياحية "لا يمكنك أن تطلب منهم إعادة الأشياء إليك. كانوا مسحلين وقالوا إنهم سيقتلوننا".

نهب المتمردون المكاتب الحكومية والمصارف ودمروا المطار الذي تتناثر فيه الآن خطوط الكهرباء المقطوعة والزجاج المحطم وبطاقات الصعود الفارغة.

كان مستشفى المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو عشرين ألف نسمة شاهدا على كل البؤس الإنساني الناجم عن هجوم المتمردين.

فمع نفاد مخزون السكان من المواد الغذائية استقبل 290 طفلاً يعانون من سوء التغذية، بينهم 90 حالتهم خطيرة. مات منهم ستة.

يتنهد تيميسغين موش الأخصائي الاجتماعي في المستشفى "لم نتمكن من علاجهم لأن جبهة تحرير شعب تيغراي نهبت المكملات (الغذائية)".

واضطر الأطباء لابتكار حلول لأداء مهمتهم.

فقد جلبوا سرا على ظهر حمير أدوية من من بلدة ميكيت (40 كلم غربا). وتحت جنح الظلام أوصلوها للمرضى المصابين بأمراض مثل الإيدز والسل.

وعلى الرغم من هذه الانتصارات الصغيرة، ساد شعور باليأس في المستشفى في الأسابيع الأخيرة.

فاحتياطي الأوكسجين ينفد ولم يتبق سوى ما يكفي لإجراء عملية مدة 30 دقيقة.

وبما أن المصارف تعطلت، لم يتمكن الأطباء من تسلم رواتبهم وأصبحوا يعتمدون على عمليات توزيع الطعام والمال التي ينظمها القادة الأرثوذكس.

وعند عودتهم من مناوبة الليل وجد بعضهم منازلهم منهوبة وقد تعرض أفراد أسرهم للضرب على أيدي المتمردين.

شعر السكان ببعض الارتياح مع وصول الجيش والقوات الخاصة للأمهرة وميليشيا تسمى فانو.

وانتقلت المدينة إلى سلطة أخرى من دون قتال حقيقي، مع أن الجنود تحدثوا عن اشتباكات عنيفة في المناطق المحيطة.

نفت جبهة تحرير شعب تيغراي أن تكون هزمت مؤكدة أنها قامت بعملية انسحاب تكتيكي.

في المستشفى، يتدفق المرضى الآن من البلدات والقرى المحيطة التي يُتهم المتمردون بقصفها وإطلاق النار على مدنيين فيها أثناء انسحابهم.

وقامت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بتوثيق أعمال عنف جنسي وقتل في أماكن أخرى في أمهرة.

وقال الأب تسيج إن أصعب ما عاشه السكان في الأشهر الأخيرة هو انعدام بعض الخدمات الأساسية مثل المصارف والاتصالات.

وهذا يجعله متعاطفا مع المدنيين في منطقة تيغراي الذين عاشوا الظروف نفسها طوال معظم العام الماضي.

وقال "أشعر بالأسف تجاههم كإنسان وكمؤمن. نحن عانينا خلال هذا الوقت القصير، ولكن بالنسبة لهم كان ذلك وقتًا طويلًا".

ويؤكد المقاتلون الموالون للحكومة المستعدون للقتال إنهم يريدون مواصلة تقدمهم حتى الوصول إلى ميكيلي عاصمة تيغراي.

وقال عليو أحمد إيشيتي أحد أفراد القوات الخاصة في أمهرة الذي أصيب برصاصة قناص قبل عامين بجرح سطحي في الرأس "كنت سعيدًا جدًا عندما علمت أننا أخذنا لاليبيلا على الرغم من إصابتي".

وأضاف "أريد أن أعمل ثانية وأخدم شعبي".