إيلاف من بيروت: السرد الغربي الحالي للأزمة الأوكرانية هو أن روسيا قوة ميكافيلية ذات أجندة توسعية. تشكل وجهة النظر هذه استجابتنا: نحن نطابق عدوان فلاديمير بوتين، ونقابل القوة بالقوة والتهديدات بالتهديدات. لكن، ماذا لو حاولنا الدخول إلى عقل العدو، وسألنا ما الذي كان دافعًا للعدوان؟ وهل يمكننا كسر هذه الحلقة وتقديم مخرج لبوتين أيضًا؟

في "غارديان" البريطانية، تقول غابرييل ريفكيند، المتخصصة في حل النزاعات ومديرة "عملية أكسفورد"، إنه عندما نشر الاتحاد السوفياتي صواريخ باليستية في كوبا في ستينيات القرن الماضي، "كاد قربها من الولايات المتحدة أن يطلق العنان لحرب عالمية ثالثة. جالسًا في موسكو اليوم، هل يرى بوتين محاصرة الناتو له تهديداً مماثل؟ بعد كل شيء، أحد مطالبه الأساسية هو أن يكبح الناتو توسعه قرب الحدود الروسية، وألا تنضم أوكرانيا إلى الحلف. وتزعم روسيا أن الولايات المتحدة أبلغت القادة السوفيات مرارًا أنها ستدمج روسيا في إطار أمني أوروبي تعاوني. من الناحية العملية، ظهر الناتو كإطار أمني تهيمن عليه الولايات المتحدة مع وجود نحوالي 75000 جندي أميركي على الأراضي الأوروبية. تتعامل القوى العظمى دائمًا بالريبة والعداء مع وجود القوى العظمى المتنافسة على حدودها".

مرارة بوتين

بحسبها، كان بوتين يشعر بالمرارة دائمًا بشأن انهيار الاتحاد السوفياتي. انتظر طويلًا، وفي عام 2014 استولت روسيا على القرم وأرسلت قوات إلى منطقة دونباس الأوكرانية الناطقة بالروسية لدعم الحركة الانفصالية.

ترى ريفكيند أن روسيا اليوم ليست ديمقراطية ليبرالية حميدة والرئيس بوتين مميز بعقلية ذكية، يلعب البوكر لا الشطرنج. إنه مستعد للتهديد بالحرب وإثارة الفوضى ونشر المعلومات الخاطئة لإبعاد الناتو عن حدود روسيا. باستخدام الدبلوماسية القسرية، حشد أكثر من 130 ألف جندي على الحدود الشرقية لأوكرانيا، وهو تهديد مستمر لسيادتها. مع ذلك، مهما كان سلوك روسيا الاستفزازي، فإن الحكومات الغربية تتحمل مسؤولية عدم تصعيد خطر الحرب".

تتابع: "ستكون عواقب المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا كارثية من جميع الأطراف. يمكن أن تتصاعد حرب تقليدية واسعة النطاق إلى حرب نووية. حتى الحرب المحدودة قد تخلق أزمة اقتصادية عالمية مدمرة يمكن أن تدمر في المستقبل المنظور أي فرصة لاتخاذ إجراءات جادة ضد تغير المناخ.

خطر حرب خاطفة

تكتب ريفكيند: "عملت في حل النزاعات على مدى السنوات العشرين الماضية ورأيت مخاطر الوقوع في الحروب، وأنا غير قادرة على التوقف أو العودة إلى الوراء. ربما يبدو بيع الأسلحة لدولة ما كأنه عمل قائم على المبادئ لدعم حليف، لكنه في العادة يأخذهم أعمق في مستنقع الصراع. حرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على أربع حروب فاشلة وشاركت فيها في هذا القرن، لكن يبدو أننا فشلنا في استخلاص العبر". فهناك من يجادل بأن إرسال دعم عسكري إلى أوكرانيا يقوي الناتو على طاولة المفاوضات. مع ذلك، هناك مخاطر متأصلة في هذا النهج - قد يكون استخدام الردع هو الشيء نفسه الذي يؤدي إلى تصعيد الموقف.

تضيف ريفكيند أن واشنطن ولندن تعهدتا بزيادة المساعدات العسكرية الهجومية لأوكرانيا وأعلنا تسليم أسلحة وذخيرة وأسلحة مضادة للدبابات. تسعى المملكة المتحدة إلى وضع نفسها في طليعة الجهود الغربية لإحباط ما وصفه رئيس الوزراء، بوريس جونسون، بخطر نشوب "حرب خاطفة" في أوروبا الشرقية. تقول: "كانت ألمانيا أكثر تشككًا حيث منعت نقل الأسلحة الألمانية من دول البلطيق إلى أوكرانيا. ولطالما جادلت ضد إرسال أسلحة إلى مناطق الصراع النشطة. أعلنت ألمانيا أنها مستعدة لإجراء حوار جاد مع روسيا لنزع فتيل الوضع الخطير للغاية ، بحجة أن الدبلوماسية هي الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق. وبغض النظر عما تشعر به الحكومات الغربية بشأن سلوك موسكو، فإن تخفيف حدة الصراع ومنح موسكو حيزًا للتراجع هو في مصلحة الجميع. لا ينبغي أن نقلل من الصلة بين الإذلال والعدوان. بوتين رجل فخور للغاية ، ويجب على السياسات الذكية للحكومات الغربية أن تقدم إيماءات لحفظ ماء الوجه إذا كنا جادين في تجنب الحرب".

الأخطر والأسهل

تنقل ريفكيند عن أناتول ليفين، الأكاديمي والمتخصص في أوكرانيا، قوله إن هذه "أخطر أزمة في العالم اليوم، والأكثر سهولة في الحل". تقول: "نعم، يوجد حل، صاغته فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا في عام 2015، يتضمن تنفيذ اتفاقية مينسك-2، أي نزع السلاح، واستعادة أوكرانيا سيادتها على الحدود مع روسيا، مع حكم ذاتي لمنطقة دونباس. يتمثل الاعتراض الرئيسي لكييف في أن الاستقلال الذاتي لمنطقة دونباس سيمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي".

تضيف: تتمثل إحدى طرق حل هذه المسألة في أن يعلن الناتو أن أوكرانيا دولة محايدة، ويصدر مرسومًا بعدم انضمامها إلى الناتو مدة عقد على الأقل. من الناحية العملية، فإن العضوية الأوكرانية في الاتحاد الأوروبي مستبعدة جيلًا على الأقل بسبب الفساد في أوكرانيا والخلل السياسي والافتقار إلى التقدم الاقتصادي".

وتختم ريفكيند مقالتها في "غرديان" بالقول إن المحادثات بين بوتين وماكرون هذا الأسبوع كانت أكثر تصالحية في نبرتها. قال ماكرون: "لا أمن للأوروبيين إذا لم يكن هناك أمن لروسيا". فهناك حاجة إلى منتدى دائم ترحب به روسيا لإعادة فحص النظام الأمني في أوروبا بعد الحرب الباردة. هذا النهج في التعامل مع قضايا مثل نشر الصواريخ، والحد من التسلح، والشفافية في التدريبات العسكرية، يمكن أن يخفف من هذا الصراع. ويمكن مثل هذا الحوار أن يخلق مناخًا من التعاون الأمني مع روسيا.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان" البريطانية