كييف: لفترة طويلة، كان يُنظَر الى فولودومير زيلينسكي على أنه ممثل سابق أصبح رئيسا لأوكرانيا بالصدفة. ومع أنه لا يزال يحتاج إلى إقناع مواطنيه بأنه رجل دولة قوي، فقد ظهر بوجه جديد مع تصاعد الأزمة مع موسكو.
أصبح الرجل البالغ 44 عاما رئيسا لأوكرانيا في وقت يشهد أخطر مواجهة بين الكرملين والقوى الغربية منذ نهاية الحرب الباردة قبل أكثر من ثلاثة عقود.
شاهد روسيا وهي تحشد على حدود بلاده أكثر من 100 ألف عسكري فيما تتصاعد تحذيرات واشنطن من أن الحرب "أصبحت وشيكة" وقد تحصل "في أي وقت".
أدرك زيلينسكي الوضع وقام بأفضل ما يعرفه: أخبر الأوكرانيين الذين يبلغ عددهم أكثر من 40 مليون شخص بالحفاظ على الهدوء.
وتوجه إليهم الشهر الماضي بالقول "ماذا علينا أن نفعل؟ شيء واحد فقط... الحفاظ على الهدوء".
وأضاف "سنحتفل بعيد الفصح في نيسان/أبريل. ثم في أيار/مايو، كما هي الحال دائما، سنستمتع بالشمس والعطل وحفلات الشواء".
ثم أعلن يوم 16 شباط/فبراير، اليوم الذي حدده بعض المسؤولين الأميركيين كبداية محتملة للغزو الروسي، عطلة وطنية "يوم الوحدة" يخرج خلاله المواطنون بالأعلام والبالونات.
بدأت مغامرة فولوديمير زيلينسكي السياسية بشكل أشبه بمزحة مساء 31 كانون الاول/ديسمبر 2018 مع الإعلان المتلفز عن ترشحه للانتخابات الرئاسية.
وصعد نجمه بعدما أدى دور مدرّس تاريخ سليط اللسان في مسلسل تلفزيوني يصبح رئيسا بعدما صوّره أحد تلاميذه وهو يتكلّم بحماسة ضد الفساد ونشر المقطع على الإنترنت.
حقق العرض الكوميدي المسائي نجاحا كبيرا فيما كانت البلاد تشهد تغييرا عميقا.
فقد أطاحت ثورة أوكرانية مؤيدة للاتحاد الأوروبي عام 2014 الزعيم المدعوم من الكرملين فيكتور يانوكوفيتش وأتت بفريق سياسي جديد كان عليه أن يواجه صراعا متصاعدا في شرق البلاد واقتصادا يتجه نحو الانهيار.
شاهد الأوكرانيون الرئيس في العرض الكوميدي وهو يوجّه نكات فجّة لزوجته ويذهب إلى العمل على دراجة هوائية بنظرة مرتعبة.
وقد ساهم ذلك في جعل زيلينسكي يكسب بقلوب الملايين ويفوز في الانتخابات الرئاسية على المرشح بيترو بوروشنكو في الجولة الثانية بأكثر من 70 في المئة من الأصوات.
لكن بعض الأوكرانيين استعدوا للأسوأ. فقد شبّهه ناقدوه بسياسيين مشاهير على غرار الإيطالي سيلفيو برلسكوني والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كذلك، لم يساهم قراره المبكر بضم أعضاء شركته للإنتاج "كفارتال 95" إلى فريقه الرئاسي، في بناء ثقة الجمهور.
بدا ظهور زيلينسكي الأولي في وسائل الإعلام مع قادة العالم الآخرين مصطنعا.
وقال المحلل السياسي الأوكراني ميكولا دافيديوك "أعتقد أن شركاءنا الدوليين يواجهون صعوبة في التعامل معه. إنه ليس بمستواهم".
وأوضح "إنهم يتحركون على مستوى عالٍ جدا لا يستطيع الوصول إليه، ولا يستطيع أن يفهمه".
لكن يبدو أن بعض الدبلوماسيين الغربيين مفتونون بسحره.
وقال أحد الدبلوماسيين "بصراحة، أداؤه السياسي ليس سيّئا جدا. إنه يظهر رباطة جأش. لديه وظيفة مستحلية. إنه عالق بين ضغوط الروس والأميركيين".
تشكل المواجهة الحالية مع موسكو التي تضع أوكرانيا في قلب أخطر أزمة روسية غربية منذ نهاية الحرب الباردة، نقطة تحول في رئاسة زيلينسكي.
في العام 2019، وصل إلى الرئاسة الأوكرانية متعهدا فتح قنوات اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوضع حد للصراع الدموي في شرق البلاد الذي أودى حتى الآن بأكثر من 14 ألف شخص.
وعقد الزعيمان قمة في باريس بعد أشهر قليلة من انتخاب زيلينسكي وأشاد بها بوتين ووصفها بأنها "خطوة مهمة".
لكن زيلينسكي كان له رأي مختلف إذ صرّح "قال نظرائي إنها نتيجة جيدة جدا لاجتماع أول. لكنني سأكون صادقا، إنها نتيجة منخفضة جدا".
ومنذ ذلك الحين، تشهد العلاقات بين الرئيسين تدهورا مستمرا.
اتهم بوتين حكومة زيلينسكي "بالتمييز" ضد الناطقين بالروسية والتخلي عن الوعود السابقة لتسوية الصراع في الشرق.
والشهر الماضي، لم يلق اقتراح زيلينسكي عقد قمة ثلاثية مع بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن آذانا صاغية في موسكو.
لكن بعض المحللين يعتبرون أن فولوديمير زيلينسكي في طريقه للخروج منتصرا من الأزمة.
وقال روب لي الباحث البارز في معهد السياسة الخارجية للبحوث "إذا لم تصعّد روسيا وتقلل وجودها قرب الحدود الاوكرانية، من المحتمل أن يكون ذلك محرجا بعض الشيء للاستخبارات الأميركية، لكنه سيعزز أيضا موقف زيلينسكي".
وأوضح " فهو لم يتراجع، والدعم الدفاعي لحلف شمال الأطلسي ازداد".
التعليقات