الجزائر: يؤكد الخبير في ملف حرب الجزائر بيار دوم، واضع كتاب "آخر المحرمات" بعد تحقيق استمر سنتين، أن الجزائريين الحركيين لم ينخرطوا، على عكس "الخطاب السائد"، في دعم الفرنسيين بسبب "خيار إيديولوجي" و"بقيت غالبيتهم في الجزائر" بعد الاستقلال في عام 1962.

بعد الاستقلال، بقيت غالبية الحركيين في الجزائر ولم تصدر جبهة التحرير الوطني أمرا بإعدامهم. في فرنسا كما في الجزائر، الخطابات السائدة مليئة بالأخطاء.

ويقول إن أول خطأ كبير هو الاعتقاد بأنهم التحقوا بالجيش الفرنسي +حبّا بالعلم الفرنسي، وبخيار أيديولوجي. فاليمين المتطرف الفرنسي يعتبر أنهم "المسلمون الجيدون" المعارضون لـ "الفلاقة الأشرار" (الوصف الذي أطلقه الجيش الفرنسي على المناضلين الجزائريين). في الجزائر، يعتبرون عن خطأ أيضا "الخونة" مثل "المتعاونين" الفرنسيين مع النازيين.

ما هي دوافعهم؟ في الغالب، كان السبب أن عائلاتهم كانت تموت جوعاً في "معسكرات اعتقال" أنشأها الجيش الفرنسي الذي رحّل قسرا (منذ عام 1955 لتجنب أن يدعموا دعاة الاستقلال) 2,5 مليون مزارع من مجموع ثمانية ملايين.

ووقع آخرون بين مطرقة عنف الجيش الفرنسي وسندان بعض عناصر جيش التحرير الوطني. وبالنسبة للبعض، كان السبب النزاعات العشائرية القديمة الموروثة عبر الأجيال.

وتشير كلمة "حركي" إلى الجزائريين المنضوين كمدنيين لمساعدة الجيش الفرنسي، والذين بلغ عددهم 250 ألفا. لكنها تستخدم في الغالب بمعنى واسع فتشمل أيضًا الجنود الجزائريين في الجيش الفرنسي والمجندين والأعيان الموالين لفرنسا، ما يرفع عددهم إلى 450 ألفا. وغادر 30 ألفا منهم فقط الجزائر نحو فرنسا، في كثير من الأحيان مع زوجاتهم وأطفالهم، ما أعطى "هجرة حركيين" بلغت 90 ألف شخص في عام 1962.

ويتابع: هذا هو الخطأ الثاني الكبير. في فرنسا، يُقال إنهم "ذُبحوا جميعًا"، ما يسمح للمدافعين عن منظمة الجيش السري (التي نفذت تفجيرات وهجمات مطالبة بجزائر فرنسية) بالادعاء بأن هذه المنظمة الإرهابية أرادت إنقاذ الحركيين والأقدام السوداء (الفرنسيون المولودون بالجزائر) من "وحوش" جبهة التحرير الوطني.

ويكشف التحقيق الذي قمت به أن الغالبية العظمى من الحركيين عادوا إلى قراهم. لكن كثيرين منهم اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب. فقد أنشأت جبهة التحرير الوطني محاكم شعبية وتم إعدام الحركيين المتهمين بالتعذيب أو الاغتصاب على الفور. وهناك حديث عن آلاف وحتى بضع عشرات آلاف من القتلى الحركيين.

في فرنسا، فمن بين 90 ألف شخص وصلوا في عام 1962، توزّع النصف دون أن تعرف هوياتهم في مناطق عدة، والنصف الآخر احتُجز في معسكرات في ظروف معيشية مهينة: حرمان من الحرية وعزل عن المجتمع الفرنسي وتعليم سيء الأطفال، ورعاية طبية مزرية وعنصرية من الحراس...

تمّ التعامل مع الحركيين على أنهم مستعمَرون بالطريقة نفسها التي تعاملت بها فرنسا مع "الأهالي الأصليين" لمستعمراتها لمدة ثلاثة قرون.

ديغول حاول منعهم من العبور

وبذل الجنرال شارل ديغول قصارى جهده لضمان عدم عبورهم البحر الأبيض المتوسط من الجزائر نحو فرنسا، لذلك كان عددهم قليلا في فرنسا. فمنذ عام 1959، كان يقول لوزيره آلان بيريفيت "نحن أولا وقبل كل شيء شعب أوروبي من العرق الأبيض والدين المسيحي. العرب عرب والفرنسيون فرنسيون".

ويشير إلى أنه من بين الثلاثين ألف رجل الذين وصلوا الى فرنسا في عام 1962، عدد قليل لا زال على قيد الحياة. الحركيون الذين تتحدث عنهم وسائل الإعلام الفرنسية هم أفراد جمعيات لأبناء الحركيين. ويوجد أيضًا مئات الآلاف من أبناء الحركيين في الجزائر لا يزال بعضهم ضحية للإقصاء الاجتماعي.

استعدادًا للانتخابات الرئاسية، شرع الرئيس إيمانويل ماكرون في جولة يقول فيها لكل فئة: الحركيون، والأقدام السوداء، وأبناء المقربين من جبهة التحرير الوطني الذين أُلقي بهم في نهر السين في عام 1961، أنه يعترف بمأساة الماضي، وأنه لا بدّ من تجاوز الماضي والاعتراف بالحقيقة التاريخية.

كل هذه الآلام لها مصدر مشترك: الاستعمار كمشروع إجرامي. على فرنسا أن تدرك أن الجزائريين هم إلى حد بعيد أولئك الذين عانوا أكثر من غيرهم من جرائم الاستعمار. بعد ذلك، سيتعين على الجزائريين الاعتراف بأن الحركيين كانوا أيضًا ضحايا للاستعمار. عندها، يمكننا التفكير في إصلاح وتسوية الذاكرة الجريحة.