لندن: بعد انتعاش قياسي في العام 2021، أصبح الاقتصاد ومستويات المعيشة بين الأُسر في المملكة المتحدة مهددين بسبب الحرب في أوكرانيا التي تغذي التضخم المتصاعد مع تعرّض وزير المال ريشي سوناك لضغوط لكي يتحرّك.

وارتفع الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في كانون الثاني/يناير بنسبة 0,8% بعد انخفاض بنسبة 0,2% في كانون الأول/ديسمبر بسبب تفشي المتحورة أوميكرون والقيود الصحية، حسبما أفاد الجمعة مكتب الإحصاءات الوطني.

وأدّت عودة الزبائن إلى المتاجر والمطاعم إلى انتعاش الحركة. لكن رغم الأداء الأفضل من المتوقع، يتوقّع الاقتصاديون أن تشهد البلاد تباطؤًا في النمو بسبب ارتفاع الأسعار الذي سيُلقي بثقله على الطلب.

وقال ريشي سوناك في بيان "نعلم أن غزو أوكرانيا من قبل روسيا يؤدي الى عدم استقرار اقتصادي مهمّ وسنستمرّ بمراقبة تأثيره على المملكة المتحدة".

ولكنه شدّد على أن "من الضروري أن نكون إلى جانب الشعب الأوكراني للدفاع عن قيمنا المشتركة للحرية والديموقراطية".

وكان سوناك قد أعلن في مطلع شباط/فبراير عن مساعدات بقيمة 9 مليارات جنيه استرليني لمساعدة الأكثر حاجة لدفع فواتير الطاقة المستمرّة بالارتفاع، لكن قد يبدو ذلك غير كافٍ.

ويتّفق المحللون على أن التضخم سيتجاوز بسهولة أحدث تقديرات بنك انكلترا الذي توقّع ذروة 7,25% في نيسان/أبريل.

وقد يصل مستوى التضخم إلى 8,7%، حسبما يفيد مركز البحوث الاقتصادية والأعمال "سي ايه بي آر"، ما قد يُخفض مستوى معيشة البريطانيين بشكل كبير هذا العام بمعدّل 2,553 جنيه استرليني (أكثر من 3000 يورو) للأسرة الواحدة.

وبحسب معهد الدراسات المالية (آي اف اس)، يواجه وزير المال الذي يدعو إلى التقليدية في الموازنة بعد الانفاق الكبير الذي تسببت به الأزمة الصحية، معضلة بين انفاق واقتراض مليارات إضافية أو ترك الأُسر تواجه صدمة على دخلها هي ربما الأكبر منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.

وسيُلقي سوناك في 23 آذار/مارس "خطاب الربيع" وهو نوع من العرض الصغير لموازنة الدولة أمام البرلمان.

ويعتبر كبير الاقتصاديين في "كابيتال ايكونوميكس" بول ديلز أن الحكومة قادرة على تحمّل المزيد من الاقتراض لتخفيف الضربة على القوة الشرائية للأسر، مشيرًا إلى أن المملكة المتحدة التي تُنتج الهيدروكربونات أقل اعتمادًا على منتجات الطاقة من روسيا مقارنةً بباقي دول أوروبا.

لكنه يرى أن الأُسر ستشعر فورًا، بعد خطوة مماثلة، بـ"الضرر الذي يلحق بالدخل الحقيقي المتوفّر للأسر" بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والزيادات الضريبية المقرر حصولها في نيسان/أبريل.

وتعتبر الخبيرة الاقتصادية في شركة "كي بي أم جي" يائيل سلفين أن "دينامية النمو سيُعرقلها ربما النزاع في أوكرانيا، مع أسعار مواد أولية مرتفعة أكثر ومتقلّبة أكثر وشحّ في المواد الأساسية التي تؤثّر على الانتاج والتي تؤدّي إلى ازدياد التضخم".

وقد يتراجع النمو إلى 3,3% هذا العام و0,8% العام المقبل بحسب قولها، ما يشكّل ضربة للاقتصاد البريطاني الذي وصل النمو فيه إلى 7,5% في العام 2021 (أقوى زيادة مسجّلة بين اقتصادات دول مجموعة السبع) بعد انكماش تاريخي بـ9,4% قبل عام بسبب جائحة كوفيد-19 (أقوى تراجع مسجّل بين اقتصادات دول مجموعة السبع).

لكن مركز البحوث الاقتصادية والأعمال "سي ايه بي آر" متشائم أكثر، واعتبر أن "ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع الاستهلاك والتصدير بسبب العقوبات على روسيا" قد يؤدّيان إلى تراجع النمو إلى 1,9% هذا العام وإلى صفر في العام المقبل.

ورفع مصرف انكلترا أسعار الفائدة مرتين منذ نهاية العام 2021 في محاولة لتهدئة التضخم، ويتوقع الاقتصاديون رؤيته يتحرّك مرة أخرى الأسبوع المقبل.