قلبت الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا الموازين على صعيد الانتخابات الفرنسية. وبات واضحا وضوح الشمس أن المستفيد الأول من تلك الحرب في انتخابات الرئاسة في فرنسا هو الرئيس الفرنسي الحالي الموجود في قصر الإليزيه.

يعد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية المقبلة بفضل المعارضة المتواضعة، والتطورات الاقتصادية الإيجابية، والتراجع في أعداد الإصابات بكوفيد، وذلك حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

لكن ما حدث الشهر الماضي من تطورات على صعيد الغزو الروسي جعل إعادة انتخاب ماكرون لفترة رئاسية ثانية يبدو نتيجة حتمية لتلك التطورات.

ولا يقتصر الأمر على تقدم ماكرون في استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية التي تضم أكثر من مرشح في جولتها الأولى في العاشر من إبريل/ نيسان المقبل، إذ يقول حوالي ثلث الناخبين إنهم سوف يعطون أصواتهم للرئيس الحالي.

بل إنه من المرجح أيضا أن يفوز ماكرون بالانتخابات في جولة الإعادة مهما كان من سيصل إليها معه من المرشحين، سواء مارين لوبان أو إريك زمور من أقصى اليمين أو فاليري بيكريس من الجمهوريين المحافظين أو جان لوك ميلينشون من أقصى اليسار.

يقول بيير هاسكي، المحلل السياسي المخضرم: "إن لم يقع حادث غريب، فإن فرصة عدم إعادة انتخاب ماكرون لفترة رئاسة جديدة الشهر المقبل تكاد تكون منعدمة تقريبا".

وأضاف "لديه (ماكرون) عاملان يلعبان لصالحه؛ الأول هو الفوضى التي تسود المعارضة بينما الآخر فيتمثل في الوضع الدولي الذي يلعب لصالحه بشكل مذهل. لذا تتحول هذه الانتخابات الرئاسية الفرنسية إلى أكثر انتخابات خالية من الإثارة في الذاكرة الحية".

ومع استمرار القتال في أوكرانيا، تحول اهتمام الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في فرنسا إلى تغطية الحرب، مما أدى إلى تراجع التركيز على حملات انتخابات الرئاسة الفرنسية.

وأصبحت القضايا الهامة التي أثارتها الصحافة الشهر الماضي، التي ساعدت في تعريف الناخبين بالمرشحين الرئاسيين، أقل أهمية. كما حل قلق وجودي محل القلق حيال أسعار السيارات الكهربائية.

وفي نفس الوقت، احتل ماكرون بؤرة الضوء على مسرح الأحداث على المستوى الدولي.

وربما تكون مكالمة ماكرون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أسفرت عن زيادة الاضطرابات فيما يتعلق بالنتائج، لكنها كانت إجراء من النوع الذي يحب الفرنسيون أن يفعله رئيسهم، وهو أنه "بذل جهدا إضافيا من أجل السلام".

ولحسن حظه، تزامنت رئاسة ماكرون لفرنسا مع رئاسة فرنسا للمجلس الأوروبي الذي يمثل جميع حكومات الاتحاد الأوروبي، مما أعطى للرئيس الفرنسي دورا بارزا في التنسيق بين 27 حكومة أوروبية من أجل فرض العقوبات على موسكو بعد غزوها كييف.

وأثارت بعض اللقطات بعدسة المصور الرسمي للرئيس الفرنسي ماكرون قدرا كبيرا من السخرية في فرنسا بعد أن حاولت تصويره وكأنه فولوديمير زيلينسكي أو كينيدي أثناء أزمة كوبا.

رغم ذلك، من المرجح أن أي خلل في أنشطة العلاقات العامة أثناء الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي سوف يعوضه وجود ماكرون في مقصورة القيادة بالفعل.

يقول إيمانويل ريفيير، خبير استطلاعات الرأي في شركة كانتار بابليك للاستشارات "هناك مخاوف حقيقية، وتهديد خارجي. وعندما يحدث ذلك، يلجأ الناس إلى القائد. ويستقر في أعماقهم أنه لا وقت للانقسام. إنه أثر التجمع حول العلم".

وأضاف "ومن المهم أيضا للفرنسيين أن يكون لبلادهم دور هام على المستوى الدولي. وعندما يرون ماكرون يتحدث إلى بوتين، حتى ولو كان ذلك وسط تباعد كبير في وجهات النظر، فسوف يتأكدون أنها تلعب هذا الدور الهام. كما أن هناك قدر كبير من الحساسية لدى المواطن الفرنسي تجاه الوضع الذي تتمتع به بلادهم في الحسابات الدولية".

فاليري بيكريس
Reuters
تنتقد فاليري بيكريس سجل ماكرون في السلطة، وتصفه بالمخادع

ووسط حالة التأكد من إعادة انتخاب ماكرون لفترة رئاسة ثانية، يشير محللون سياسيون فرنسيون إلى أضواء تحذيرية لتنبيه الرئيس ماكرون.

يشير الضوء التحذيري الأول إلى المشكلة الكلاسيكية التي غالبا ما تواجه المرشحين الأوفر حظا، وهي أن تكون جميع الشواهد تؤكد أن المرشح المفضل هو الرابح الأكبر، لكنه يفشل في الفوز يوم الانتخابات.

ولا يخشى هؤلاء المحللون هنا أن يتعرض ماكرون للهزيمة في الانتخابات المقبلة، لكنهم يخشون أن يكون فوزه في الانتخابات بهامش صغير، مما يعطي للمعارضة قدر أكبر من الشجاعة ويقلل من فرص حصول ماكرون على القدر الكافي من الحرية لتنفيذ سياساته في فترة الولاية الثانية.

أما الضوء التحذيري الثاني فيتعلق بالحملة الانتخابية للرئيس ماكرون.

ففي هذا الوقت من الأزمة، سوف نشاهد منافسي الرئيس الفرنسي على مقعده الحالي يروجون لأنه مشغول جدا بالقضايا العليا لدرجة أنه لا يستطيع النزول إلى المعترك السياسي الداخلي الذي قد تطاله فيه الكثير من الأضرار، وهي الحجة التي يروج لها أمثال المرشحة الجمهورية للرئاسة الفرنسية فاليري بيكريس التي تحذر من أن تكون إعادة انتخاب ماكرون إقتيادا ضمنيا أو تجديدا تلقائيا لبقائه في السلطة.

وتشير تلك الألفاظ إلى المصطلحات القانونية المستخدمة في صياغة تأمين عقود الهاتف الجوال التي تجدد العقد تلقائيا إلا في حالة رفضها صراحة من جانب المتعاقد، وهو عادة ما يثير غضب العملاء.

أما المعنى السياسي للاقتياد الضمني والتجديد التلقائي فيشير إلى أن ماكرون قد يعاد انتخابه للضرورة، لا بسبب دعم شعبي على نطاق واسع لبرنامجه، لكن ببساطة من أجل الظروف الخاصة التي تفرضها الحرب.

أخبرتني فاليري بيكريس، أثناء مؤتمر انتخابي كبير في مدينة مو الفرنسية: "إنه (ماكرون) يتهرب من مناقشة سجله في فترة الولاية الأولى في هذا المنصب والإصلاحات التي تحتاجها البلاد بشدة، وهو ما أعتقد أنه يعكس عدم احترامه للفرنسيين".

وهناك اعتبارات أخرى قد تقل أو تزداد خطورة بالنسبة للرئيس الفرنسي، والذي يتمثل في أن خلو الحملة الانتخابية للرئيس الحالي من مناقشة القضايا المحلية سوف يجعل إيمانويل لا يلومن إلا نفسه عندما يواجه متاعب أثناء محاولة إحداث أي تغيير مثل رفع سن التقاعد في فرنسا إلى 65 سنة.

يقول عمدة مدينة مو والوزير الفرنسي السابق، جان فرانسوا كوبيه، الذي يدعم المرشحة فاليري بيكريس "تعلمون جيدا كيف يتصرف الفرنسيون، فإذا لم تُسمع أصواتهم في الانتخابات، فسوف ينزلون إلى الشوارع حتى تُسمع. وهو ما لا يمكن لأحد أن يعرف إلى ماذا قد ينتهي".