كييف: ناشدت أوكرانيا دول الغرب تقديم مزيد من المساعدات العسكرية لها وذلك عشية قمة لحلف شمال الأطلسي، في وقت حذرت من أن قرابة مئة ألف شخص عالقون وسط قصف روسي ومعرضون للجوع في مدينة ماريوبول المحاصرة.

فر عشرات آلاف الأهالي من المدينة الواقعة جنوبا ومعهم روايات مروعة عن "جحيم جليدي وشوارع تنتشر فيها الجثث وأنقاض المباني المدمّرة"، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

وفيما دعت الأمم المتحدة روسيا إلى وقف حربها التي "لا يمكن الانتصار فيها" قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمان الياباني إن مجلس الأمن الدولي عاجز عن أداء وظيفته وبحاجة إلى إصلاح، وذلك بعدما استخدمت روسيا حق النقض لمنع إدانة غزوها لأوكرانيا.

كما دعا في خطاب أمام البرلمان الفرنسي الشركات الفرنسية ومن بينها رينو ومحلات السوبرماركت أوشان ومتاجر ليروا ميرلان إلى مغادرة روسيا. وقال "على الشركات الفرنسية أن تغادر السوق الروسي ... على رينو وأوشان وليروا ميرلان وسواها أن تكف عن رعاية آلة الحرب الروسية".

وبعد نحو شهر على الغزو أفضت محادثات سلام إلى توافق بشأن ممرات إنسانية يومية للاجئين، وأبدت أوكرانيا استعدادها لطرح بعض المطالب الروسية في استفتاء عام.

لكنها امتنعت حتى الآن عن الرضوخ للضغط الروسي بنزع السلاح والنأي عن جميع التحالفات الغربية. ومن المقرر أن يخاطب زيلينسكي الخميس قمة لحلف شمال الأطلسي في بروكسل يشارك فيها الرئيس جو بايدن.

وأعلن المفاوض الأوكراني ميخايلو بودولياك الأربعاء أن المفاوضات مع روسيا تواجه "صعوبات كبيرة"، وذلك عقب اتهام موسكو الولايات المتحدة بعرقلة عملية التفاوض.

وفي تلك الأثناء ترفض روسيا استبعاد استخدام السلاح النووي إذا ما تعرضت ل"تهديد وجودي"، على ما قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لشبكة سي إن إن.

وانتقد المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي النبرة "الخطيرة" لموسكو، فيما حذر بايدن لدى توجهه إلى أوروبا من احتمال استخدام روسيا أسلحة كيميائية في أوكرانيا مع تعثر هجومها البري.

وقال مستشار زيلينكسي أندريه يرماك إن "قواتنا المسلحة ومواطنينا يصمدون بشجاعة خارقة"، فيما توجه بايدن إلى بروكسل لحضور اجتماعات قمم لحلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.

وأضاف يرماك "لكن لا يمكننا كسب حرب من دون أسلحة هجومية وصواريخ متوسطة المدى يمكن أن تكون وسيلة ردع".

من جهته توقع الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن يتفق قادة دول الحلف في قمة الخميس على "تعزيز كبير للقوات" ومن بينها أربع مجموعات قتالية جديدة في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا.

وقال إن الحلفاء سيقدمون أيضا "دعما إضافيا" لأوكرانيا في مواجهة التهديدات النووية والكيميائية.

وبالنسبة للأوكرانيين المحاصرين في ماريوبول ومدن أخرى، فإنهم لا يصدقون الحديث الروسي عن السلام على وقع تعرضهم لقصف عشوائي قالت دول الغرب إنه يرقى لجريمة حرب.

وقال زيلينكسي في مقطع فيديو إن أكثر من سبعة آلاف شخص فروا من ماريوبول في الساعات ال24 الماضية، لكن مجموعة كانت تسلك ممرا إنسانيا متفقا عليه غرب المدينة "أسرها المحتلون".

أضاف "اليوم بقي في المدينة نحو مئة ألف شخص يعيشون في ظروف غير إنسانية. في حصار تام بدون طعام وماء ودواء، وتحت قصف مستمر".

وأظهرت مشاهد لماريوبول التقطتها شركة ماكسار للأقمار الاصطناعية، مساحات متفحمة واندلاع النيران في العديد من المباني وتصاعد سحب الدخان من المدينة.

أفادت القوات الأوكرانية أيضا عن قتال بري "عنيف" فيما "اقتحم جنود المشاة" الروس المدينة بعد أن رفضوا مهلة للاستسلام الإثنين.

تقدّر وكالات الأمم المتحدة الخسائر البشرية بين المدنيين في ماريوبول بنحو 20 ألف جريح وربما 3 آلاف قتيل. لكنها تشدد على أن الأرقام الفعلية لا تزال غير معروفة.

و"حتى لو سقطت ماريوبول، لا يمكن غزو أوكرانيا مدينة بمدينة، شارعا بشارع، منزلا بمنزل"، على ما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

أضاف "هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها. عاجلا أم آجلا، سيتعين الانتقال من ساحة المعركة إلى طاولة السلام. هذا أمر لا مفر منه".

تعد ماريوبول هدفا محوريا في الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذ تؤمن جسرا بريا بين القوات الروسية في القرم وجنوب الغرب، والمناطق التي تسيطر عليها روسيا إلى الشمال والشرق.

اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس الأربعاء أن الهجوم الروسي على أوكرانيا "متعثّر رغم كل الدمار الذي يتسبب به يومًا بعد يوم".

وأضاف متحدثا أمام مجلس النواب الألماني أن على بوتين "أن يستمع للحقيقة وهي أن الحرب لا تدمر أوكرانيا فحسب "إنما مستقبل روسيا أيضا".

بعد بروكسل يتوجه بايدن إلى بولندا التي استقبلت الغالبية العظمى من اللاجئين البالغ عددهم 3,6 مليون، والذين فروا من الحرب.

وسيجري بايدن مشاورات مع الحلفاء بشأن فرض عقوبات جديدة على روسيا واحتمال إقصائها من مجموعة العشرين، وفق مسؤولين أميركيين.

وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك ساليفان للصحافيين "نعتقد أن الأمور لن تبق على حالها بالنسبة إلى روسيا في المؤسسات الدولية وفي المجتمع الدولي".

عارضت الصين، العضو البارز في مجموعة العشرين، إقصاء روسيا من المجموعة التي تضم كبرى الاقتصادات، وقالت موسكو إن بوتين لا يزال يعتزم حضور القمة المقبلة المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر في إندونيسيا.

ميدانيا أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن بعض التقدم في جنوب شرق أوكرانيا وتفاخرت بشن ضربات بأسلحة من الجيل القادم ضد "بنى تحتية عسكرية" في أنحاء هذا البلد.

لكن أوكرانيا وحلفاءها قالوا إن القوات الروسية استنفدت وسائلها بشكل كبير وتعاني من نقص في الإمداد ولا تزال عاجزة عن شن عمليات معقدة.

وللمرة الأولى ظهرات مؤشرات على انتقال القوات الأوكرانية إلى الهجوم مع استعادتها بلدة قريبة من كييف وشنها هجمات على القوات الروسية في جنوب البلاد.

في مدينة ميكولايف الجنوبية، احد حصون القتال في جنوب البلاد، قال الأهالي إنهم مصممون على البقاء في المدينة رغم القصف المتواصل.

وخلال مراسم دفن الجندي إيغور دوندوكوف (46 عاما) بكى شقيقه سيرغي لدى تقبيله وجه شقيقه الملطخ بالدم.

وقال سيرغي لوكالة فرانس برس "دعمنا التزامه بالدفاع عن وطننا" مضيفا "هذه أرضنا، نحن نعيش هنا، إلى أن نهرب؟ ترعرعنا هنا".

في العاصمة كييف انتهى في وقت مبكر الأربعاء حظر تجول استمر 35 ساعة بعد أن دمرت الضربات الجوية مركز ريتروفيل التجاري الضخم موقعة ثمانية قتلى على الأقل.

وقالت روسيا إن مركز التسوق كان يستخدم مستودعا لمنظومات صواريخ وذخائر.

واورد المحامي ماكسيم كوستيتسكي (29 عاما) أن الأهالي استغلوا حظر التجول لتجميع صفوفهم.

وقال لفرانس برس "لا نعلم ما إذا كان الروس سيواصلون مساعي تطويق المدينة، لكننا أكثر ثقة، والمعنويات مرتفعة وملهمة".