سيول: بعدما اختبرت مؤخرا أكبر صواريخها البالستية على الإطلاق، تتهيّأ كوريا الشمالية إلى إجراء تجربة نووية وفق مسؤولين ومحلّلين، ما يعيد إحياء الجدل في الجنوب بشأن التسلّح النووي.

وأجرت كوريا الشمالية هذا العام تجارب عدة على أسلحة نووية في اختبارات انتهكت العقوبات المفروضة عليها، بما في ذلك إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات للمرة الأولى منذ العام 2017.

وكانت بيونغ يانغ قد أوقفت منذ سنوات اختبار الصواريخ البعيدة المدى بعد انخراط زعيمها كيم جونغ أون في العام 2018 في جولات محادثات دبلوماسية مع الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب.

وأحدث استئناف كوريا الشمالية التجارب الصاروخية البعيدة المدى والذي ترافق مع الغزو الروسي لأوكرانيا تغييرا في الرأي العام في كوريا الجنوبية حيث تزايدت الدعوات لتعزيز قدرات الردع الدفاعية.

وقال سو كيم في مركز راند كوربوريشن للأبحاث "تدور نقاشات حول إمكان سعي كوريا الجنوبية لتطوير قدرات نووية".

وتابع "من المرجّح أن يبقى الخيار النووي مطروحا على الطاولة بالنسبة لصنّاع القرار في سيول. لكن هذا الأمر ستكون له بالطبع تداعيات تتخطى شبه الجزيرة الكورية".

ولا يقتصر النقاش حول ما إذا يتعين على كوريا الجنوبية المضي قدما في التسلّح النووي على الدوائر الرسمية، إذ يبدو أن الكوريين الجنوبيين بغالبيتهم يؤيدون هذا التوجّه.

وبات 71 بالمئة من الكوريين الجنوبيين يؤيدون حاليا التسلّح النووي لبلادهم، وفق وثيقة بحث نشرها مركزا الأبحاث "كارنيغي إندوامنت" و"مجلس شيكاغو للشؤون العالمية".

أجرت كوريا الشمالية ست تجارب نووية منذ العام 2006 كان آخرها في العام 2017 حين اختبرت قنبلة هيدروجينية حررت طاقة قدرها 250 كيلوطن.

وقال الباحث تشا دو-هيوغن في "معهد أسان للدراسات السياسية" ومقره سيول إن مضي كوريا الشمالية قدما في تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات يحمل معه كل مرة "مخاطر فشل كبيرة".

والشهر الماضي انفجر صاروخ كوري شمالي في أجواء بيونغ يانغ.

واعتبر تشا أن هذا الإخفاق ستكون له تداعيات محليا، مشيرا إلى أن مخاطر التجارب النووية أقل.

توقعات باختبار جديد

وتوقّع المبعوث الأميركي المكلف شؤون كوريا الشمالية سونغ كيم أن تجري كوريا الشمالية قريبا اختبارا جديدا في 15 نيسان/أبريل، ذكرى ولادة مؤسسها كيم إيل سونغ وهو يوم عطلة رسمية في البلاد.

وأظهرت صور التُقطت بواسطة الأقمار الاصطناعية وجود مؤشرات تدل على أنشطة جديدة في نفق في موقع بونغي-ري للتجارب النووية الذي أعلنت بيونغ يانغ أنها هدمته في العام 2018 قبيل قمّة جمعت بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الأميركي.

وأعلنت "الشبكة النووية المفتوحة" ومقرّها فيينا أنها رصدت مؤشرات تدل على أعمال حفر وأنشطة متزايدة، ما يوحي بأن كوريا الشمالية تتهيّأ لاختبار سلاح نووي.

أسست سيول برنامجا نوويا في سبعينيات القرن الماضي، وهي وضعت حدا له مقابل ضمانات أمنية تلقّتها من الولايات المتحدة.

وتنشر الولايات المتحدة 28 ألفا و500 جندي في كوريا الجنوبية لحمايتها من جارتها التي تمتلك السلاح النووي. وعزّزت الولايات المتحدة حضورها العسكري في المنطقة بنشرها هذا الأسبوع حاملة طائرات للمرة الأولى منذ العام 2017.

ويرى مراقبون كثر أوجه شبه كثيرة مع ما يحصل في أوكرانيا: فكييف تخلّت عن مخزونها الكبير من القنابل النووية السوفياتية مقابل ضمانات أمنية. علما بأن هذا المخزون لم تكن أوكرانيا قادرة على التحكّم بتشغيله.

وقال بارك وون-غون أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة إيوا في سيول إن "حربا فعلية لم نكن لنتخيّل وقوعها اندلعت وسلّطت الضوء على أهمية الدفاع الذاتي".

ورجّح بارك أن تعمد كوريا الشمالية في اختبارها النووي السابع إلى تزويد صواريخها البالستية العابرة للقارات برؤوس نووية مصغّرة في خطوة الهدف منها "بلوغ مرحلة لا يمكن لأحد أن ينكر فيها أنها (باتت) بحكم الأمر الواقع قوّة نووية".

تعزيز الردع الأميركي

خلال حملته الانتخابية، أعرب الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب يون سوك-يول عن معارضته للطرح، وقال إن "الحل يقضي بتعزيز الردع الأميركي".

ومن شأن هذا الأمر أن يستدعي من الولايات المتحدة نشر أسلحة نووية تكتيكية في كوريا الجنوبية، وهو ما لم يبد الرئيس الأميركي جو بايدن انفتاحا عليه، وفق محلّلين.

وقال ليف-إريك إيزلي، البروفسور في جامعة إيوا، إن هذا الأمر سيكون "سياسيا واقتصاديا أقل تعقيدا وأقل كلفة بأشواط وأقل زعزعة للاستقرار الإقليمي من الانتشار النووي".

لكن بالنسبة إلى كثر من الكوريين الجنوبيين لم تعد الضمانات الأمنية الأميركية كافية.

ترسانة مستقلة

وفي حين يؤيد 56 بالمئة من الكوريين الجنوبيين نشر الولايات المتحدة أسلحة نووية في البلاد، أعربت "الغالبية الساحقة" من المستطلَعين عن تفضيل حيازة ترسانة مستقلة على خيار نشر الولايات المتحدة أسلحة نووية، وفق وثيقة البحث التي أعدّت في شباط/فبراير.

وبحسب سكوت سنايدر المحلل في "مجلس العلاقات الخارجية" ومقره الولايات المتحدة "بناء على مزاج الرأي العام في كوريا الجنوبية، لا يبدو كافيا أن تكون على علم بأن لدي صديقك زرا يمكن أن يضغط عليه"، في إشارة إلى زر التحكّم بالسلاح النووي.