إيلاف من الرباط: شكلت ندوة "الإعلام والبناء الديمقراطي"، التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية، المغربي المعارض الخميس، بالرباط، فرصة للحديث عن عدد من الهواجس والتطلعات على علاقة بالأسئلة التي يثيرها الموضوع الذي تمت مقاربته من زوايا عدة، انسجاما مع آراء المشاركين وطبيعة مقاربتهم لإشكالاته.
وطرح الحسين الشعبي، المنسق الوطني لقطاع الثقافة والفنون والاتصال بحزب التقدم والاشتراكية، في معرض تقديمه للموضوع المقترح لهذه الندوة التي قام بتسييرها، بعدد من الأسئلة المؤطرة، مركزا على سؤال: "هل الإعلام المغربي، اليوم، يساهم فعلا في البناء الديمقراطي؟"، مع تشديده على أن السؤال قد يبدو بسيطا، لكنه حقيقي، إذا أردنا أن نتأمل فيه بجرأة.


الحسين الشعبي

نبيل بنعبد الله: لا ديمقراطية من دون إعلام
قال محمد نبيل بنعبد الله،الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في معرض مداخلته، إن الإعلام والديمقراطية كانا ملتصقان في فترات معينة من تاريخ المغرب، يعملان في اتجاه واحد، يتمثل في توسيع فضاء الديمقراطية وإقرار جملة من الحقوق والحريات بالنسبة للبلاد، على مستويات مختلفة.


وقال بنعبد الله: "مررنا من ظروف حالكة، عشناها جميعا، سياسيين وإعلاميين، وهناك من أدى الثمن قليلا أو كثيرا، إما في الحقل السياسي أو في الحقل الإعلامي أو لبعضهم في انتمائهم إليهما معا".
وأضاف بنعبد الله أن العمل كان مشتركا والأهداف كانت مشتركة، تتمثل في توسيع الفضاء الديمقراطي لينعم السياسي والإعلامي بالظروف المناسبة للعمل والاشتغال، مشيرا إلى أن البلد سيعيش، في وقت لاحق، "فترات أسعد"، تعود إلى نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة.
وشدد بنعبد الله على أنه حين كان العمل مشتركا تم تحقيق "مكتسبات مشتركة"، همت توسع الفضاء الديمقراطي والحريات وحقوق الإنسان، وتطور النضال من أجل المساواة بين الرجل والمرأة، لتعرف كل فضاءات العالم السياسي والمطالب المرتبطة بذلك "رجة إيجابية"، وفي نفس الوقت عرف الإعلام "دينامية" على عدد من المستويات.
وأبرز بنعبد الله أن هذه الفترة اتسمت بانفتاح كبير للدولة على الفضاءين معا، بمعنى أنه لبناء مجتمع ديمقراطي فالبلد في حاجة إلى فضاء سياسي قوي وقوى سياسية قوية حرة ومستقلة، تقول كلمتها وغير معرضة لردود فعل وتدخلات في شؤونها. وللوصول إلى نفس النتائج تبقى هناك حاجة إلى فضاء إعلامي حر، متقدم، متطور ومهني.
واستدرك بنعبد الله بأن المبتغي لم يتحقق كلية، وأنه "ما زالت هناك مجموعة من الهفوات ومن السلبيات، سواء تعلق الأمر بالفضاء السياسي أو بالفضاء الإعلامي".
وشدد بنعبد الله على أنه عوض المواصلة على نفس النهج، بتعميق المسعى المشترك، سواء تعلق الأمر بالممارسة الرسمية أو الأحزاب والإعلاميين، تم الدخول في "مرحلة مبهمة وغامضة" تتسم بمراوحة المكان على صعيد المكتسبات المحققة سياسيا وأيضا على المكتسبات المحققة إعلاميا.
وزاد بنعبد الله، متحدثا عن تعمق الأوجه السلبية لمجموعة من الممارسات الغريبة، سواء تعلق الأمر بمنطلقاتها القيمية أو باقتراح مجموعة من المنطلقات الأخلاقية، سواء في السياسة أو الإعلام، وكذا ظهور ممارسات أخرى تتسم ببروز عالم المال بشكل لم يكن بنفس المستوى في السابق. وزاد موضحا: "المال بغاية تركيع مجموعة من الفضاءات، إعلامية أو سياسية". وأضاف: "لا ديمقراطية من دون إعلام، ولا إعلام من دون ديمقراطية، ومن دون فضاء سياسي قوي لن يكون هناك إعلام"، قبل أن يختم، بالقول: "علينا أن نحدد معا، اليوم، تصورات، وأن ننهض مجددا بالمسار الديمقراطي ... نعيش، اليوم، فترة مبهمة لا يمكن أبدا أن تساهم في تقدم الديمقراطية في بلادنا".

عبد الله البقالي: هل من حل؟
قال عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في مستهل مداخلته، إن "البناء الديمقراطي أصبح مهددا"، وأنه "ليس هناك إصلاح نهائي في مجال الإعلام"، متحدثا، في سياق مقاربته لموضوع اللقاء، عن خصمين يواجهان الإعلام في علاقته بالبناء الديمقراطي: خصم تقليدي متجاوز يتمثل في مفهوم سائد حول دور معين للاعلام ، فيما يتمثل الثاني في المخاطر الحقيقية التي أصبحت تشكلها التحولات الطارئة في مجال الاتصال على البناء الديمقراطي وعلى العملية السياسية. تحولات لها إيجابياتها، ولكن أيضا، يضيف البقالي، "علينا أن نعترف بأن صناعة المؤثر في المجتمع كانت تخضع في السابق لمعايير معينة، فيما أصبح المؤثر اليوم يصنع نفسه بنفسه. وهذا المؤثر أصبح يشكل خطرا على البناء والمسلسل الديمقراطي".


لكن: "هل من حل؟"، تساءل البقالي، ليجيب: "لا يمكن أن نجزم بوجود حل. يمكن أن نفكر في التخفيف من تكلفة تداعيات هذا الوضع، وذلك بتجويد المنتوج الإعلامي في القطاعين العام والخاص. هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة التداعيات السلبية والخطيرة جدا التي تشكلها التحولات المفروضة".

نور الدين مفتاح وأسوء سيناريو

رأى نور الدين مفتاح، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، في مستهل مداخلته التي ركز كلامه فيها حول واقع الممارسة الإعلامية، أن "ما نعيشه اليوم هو أسوء سيناريو يمكن للمرء أن يتصوره".
وشدد مفتاح على الطبيعة الخاصة للممارسة الإعلامية في المغرب، مشيرا إلى أنها "كانت وسيلة للصراع بين النظام والمعارضة"، وأن "فكرة المهنية شيء جديد"، جاءت مع جيل عايش الانتقال الديمقراطي.


وقال مفتاح إن "الأمل كان كبيرا" خلال "فورة الانفتاح"، قبل أن "تبدأ حوادث السير".
وتحدث مفتاح عن جديد ثورة التواصل الاجتماعي، فقال: "خسرنا حصرية أن نبقى وسطاء في إمكانية التوجه للرأي العام". وزاد، مستدركا: "المشكل أن تقع الثورة في بيئة فيها مشكل تعليمي ونسبة أمية مرتفعة". وأضاف، بنبرة تختصر واقع حال الممارسة الإعلامية: "الانتماء إلى الصحافة التقليدية صار سبة، أشبه بالانتماء إلى عصر حجري". ثم انتقد ما صارت توفره الثورة الجديدة من منتوج، مشيرا إلى أن الامر بتعلق بــ"عالم بلا ضوابط"، و"لا يمكن أن يحل محل الإعلام الحقيقي"، فيما "الخطير"، حسب مفتاح، هو "استعانة الحكومة، أو جزء منها، بالمؤثرين".
واستعرض مفتاح بعض المعطيات والإحصائيات المتعلقة بواقع الصحافة في المغرب، فقال: "لا يمكن للصحافة المغربية، بكل تاريخها، أن تبيع اليوم 30 ألف نسخة. هذا حرام". ثم ختم: "لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية من دون صحافة مهنية".

مصطفى ملوك: خطر قادم
تطرق مصطفى ملوك، المنتج والخبير في الإعلام، للتحولات الجارية في العالم في ما يخص الممارسة الإعلامية، مشددا على الحاجة إلى معرفة ما يقع في العالم من متغيرات وتحولات لاستشراف درجة تأثير ذلك على المغرب.
وقال ملوك إن المنظومة الإعلامية عبر العالم، خلال العقود المقبلة، ستطالها تحولات كبرى تتمخض عنها فوراق، الشيء الذي يستدعي فهم واستيعاب ما سيقع في المستقبل.


وتحدث ملوك عن الديمقراطية، وقال إنها قرار سياسي، قبل كل شيء، وحكامة مضبوطة، بقوانين معروفة وتطبق، مع إعمال العدل، وأن تكون في اتجاه تنمية المواطن.
ودعا ملوك للنظر الى الامور من زاوية التفاؤل، مستعرضا، في هذا السياق، التحولات التي شهدتها الممارسة الإعلامية في المغرب قبل ثلاثة عقود، تغير معها الإعلام "بصفة جدرية"، مشيرا، في هذا الصدد، إلى تجربته داخل القناة التلفزيونية الثانية (دوزيم).
وختم ملوك بالتحذير من "خطر قادم" و"تكتلات عالمية تفرض توجهاتها"، الشيء الذي يستدعي توسل "سيادة إعلامية للتحدث مع مواطني البلد بما هو ملائم وصائب". وخلص الى القول:"حان الوقت لأخذ الموضوع بجدية، بعيدا عن النظرة الحزبية بناء إعلام في المستوى".

لحظة نقاش
بعد مداخلة أخيرة لكريم تاج، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، استعرض فيها مقاربة حزبه، انطلاقا من أدبياته، للموضوع ومستجداته، فتح باب النقاش الذي أكد على أهمية الموضوع، سواء في ما يخص علاقة الإعلام بالبناء الديمقراطي، أو بما يثيره موضوع الإعلام من أسئلة تتناول حاضره ومستقبله في ظل التحولات المتسارعة التي تتهدده كممارسة، بفعل تداعيات الثورة التكنولوجية.


كريم تاج


جانب من الندوة