أعد "مجلس العلاقات الخارجية" في واشنطن تقريراً يوصي البيت الأبيض بضرورة تحسين العلاقات مع الحكومة السعودية، وإدراك أهمية المملكة العربية السعودية ودول والخليج في الحفاظ على استقرار اقتصادات الولايات المتحدة. يقترح التقرير ضرورة إبرام "صفقة كبرى"، تعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بموجبها على تحسين العلاقات مع ولي العهدالسعودي الأمير محمد بن سلمان، وتقديم تعهدات أكثر وضوحاً بالدفاع عن السعودية مقابل سلسلة إجراءات.
إيلاف من واشنطن: حين التقى الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت بالعاهل السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود على متن الطراد يو إس إس كوينسي في قناة السويس في 14 فبراير 1945، مثل لقاء الرجلين نقطة انطلاق للعلاقات الأميركية – السعودية، التي استمرت عقودًا وتطورت مرارًا، على الرغم من مواجهتها مطبات سرعان ما أزيلت.
استندت هذه العلاقة على مصلحة متبادلة، يعترف بها جانبا معادلة "النفط مقابل الأمن": كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى نفط السعودية، وكانت السعودية تحتاج إلى حماية من جشع جيرانها والقوى العظمى.
هكذا بدأ ستيفن كوك، الزميل الأقدم في زمالة "إيني أنريكو ماتي" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في "مجلس العلاقات الخارجية"، ومارتن إنديك، الدبلوماسي والسياسي الأميركي المخضرم الذي شغل منصب مبعوث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لعملية السلام في الشرق الأوسط، مقالة بحثية مشتركة ومسهبة نشرها "مجلس العلاقات الخارجية"، بحثت في العلاقات الثنائية الأميركية – السعودية، وما وصلت إليه من فتور بين الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ودعيا فيها الإدارة الأميركية الحالية إلى عقد تفاهم جديد مع السعودية، لأن ذلك يصب في مصلحة واشنطن. وتربط المقالة نهاية الحرب الأوكرانية بمدى تحسُّن العلاقات بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان وبايدن.
وليس "مجلس العلاقات الخارجية" الذي تأسس عام 1921، مجرد مؤسسة بحثية تقليدية، إنما تصفه دوائر صنع القرار في واشنطن بـ"مركز أعصاب" القرار الأميركي. وتضم المؤسسة نخبة "خلايا التفكير" الأميركية، وينتمي إليها ما يربو على 5000 عضو من كبار الشخصيات الأكثر تأثيراً ونفوذاً في الولايات المتحدة، وتمثل تلك النخبة كبار رجال الأعمال، والاقتصاد، والسياسة، وممثلي أدوات الضغط كافة.
واردات النفط الخام من السعودية (2020)
النفط هو البداية
بحسب كوك وإنديك، تبدأ إعادة التقييم بالنفط. فعلى الرغم من أن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط انخفض بشكل كبير، تملك السعودية اليوم 17 في المئة من الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط، وتوفر 11 في المئة من الإنتاج النفطي العالمي، ولا يزال الشركاء التجاريون الرئيسيون للولايات المتحدة في آسيا يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على واردات النفط الخام السعودي. لذا، سيلحق انقطاع التدفق الحر للنفط من السعودية الضرر بالاقتصاد العالمي والاستقرار في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور.
كما تظل السعودية "المنتج المتحكم" الوحيد بسوق النفط، فهي الدولة الوحيدة المنتجة للنفط التي تبلغ قدرتها الإنتاجية الفائضة بين مليون ومليوني برميل يوميًا، "وبالتالي هي قادرة على التأثير في أسعار النفط على نحو قد يساعد الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي أو يضرهما. وبرز هذا الواقع في عام 2020 عندما أغرقت السعودية السوق بنفطها في نزاع مع روسيا حول التسعير، ما خفض السعر كثيرًا في بداية الجائحة ووجه ضربة قاصمة إلى قطاع النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة"، كما أشارا.
مع تعافي الاقتصاد العالمي من الجائحة، ارتفع الطلب على النفط وواجه العديد من المنتجين صعوبة في زيادة صادراتهم، فارتفعت الأسعار مقتربة من 100 دولار للبرميل، وهذا أجج المخاوف من تزايد التضخم. أرسل بايدن مبعوثيه إلى السعودية طالبًا تسخير المملكة بعضًا من فائضها لخفض الأسعار، لكن الأمير محمد بن سلمان رفض. أعاد بايدن الكرة مع اندلاع الأزمة في أوكرانيا وتعطل إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، فلم يلق طلبه آذانًا صاغية، مرة أخرى.
في الواقع، تستثمر دولة قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مبالغ ضخمة لزيادة قدراتها الإنتاجية للاستفادة من الزيادة على الطلب ما دامت مستمرة. وأعلنت السعودية عن خطط لاستثمار 50 مليار دولار لزيادة إنتاجها بنحو 700 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2027. وتعتزم دولة قطر مضاعفة إنتاجها من الغاز في السنوات الثلاث المقبلة. وهذا ما يضاعف أهمية الخليج العربي في أجندة الولايات المتحدة. وما دامت صناعات أوروبا وآسيا تعتمد على نفط الخليج، ثمة خطر دائم تمثله جهود إيران لتعطيل إمدادات النفط الخليجية.
قيادة العالم الإسلامي
يذكّر كوك وإنديك في مقالتهما بأن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز هو خادم الحرمين الشريفين، وبلاده تقود العالم الإسلامي. يقولان: "إن قرار الأمير محمد بن سلمان محاربة التطرف لصالح إسلام أكثر اعتدالًا وتسامحًا يعد تطورًا محمودًا سيتردد صداه في بلدان إسلامية أخرى. وهذا يؤكد أهمية استمرار التحديث السعودي الناجح ضمن مفهوم أوسع نطاقًا بالنسبة إلى المصالح الاستراتيجية الأميركية".
بحسبهما، يسعى الأمير محمد بن سلمان في "رؤية السعودية 2030" التي أطلقها إلى إحداث تحول كامل في الاقتصاد السعودي لوقف اعتماده المفرط على النفط، وهذا النهج الأكثر تنويعًا للتنمية الاقتصادية يتطلب توسيع القطاع الخاص، وتطوير قطاع سياحة جديد، وبناء مشروعات ضخمة في البنية التحتية، واجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، وخفض البطالة إلى النصف (من 12 إلى سبعة في المئة). ونجاح هذه الجهود أساسي في تجنب أزمة اقتصادية مع انحدار عوائد النفط بمرور الوقت.
تراجع أميركي
يتزايد اهتمام الولايات المتحدة بالسعودية اليوم مع تقهقر الولايات المتحدة خارج الشرق الأوسط وإعادة تركيزها على آسيا. يقول كوك وإنديك في مقالتهما: "إذا تركت الولايات المتحدة فراغًا غير مستقر، يدرك صناع السياسات في الولايات المتحدة الطريقة التي قد تعيدهم إلى معالجة مشكلات المنطقة بدلًا من تجاهلها. ففي المستقبل المنظور، يأتي التهديد الرئيسي للاستقرار في الشرق الأوسط من إيران التي سعت منذ ثورتها في عام 1979 إلى استغلال الانقسامات الطائفية، والنزاعات المحلية في العالم العربي لبناء نفوذها. ومع تحول الولايات المتحدة إلى أولويات أكثر إلحاحاً في آسيا وأوروبا، ستحتاج إلى رسم إطار أمني يعتمد على حلفائها وعلى شركائها الإقليميين لسد الفراغ الذي ستتركه. إن الأهمية الاستراتيجية للسعودية تتزايد، ولا سيما أن حلفاء الولايات المتحدة الآخرين من العرب لا يمكنهم أن يحلوا محل السعودية في ميزان القوى الإقليمي".
يرى مؤلفا المقالة أن إسرائيل هي القوة الإقليمية الرئيسية الأخرى المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي يمكن أن تساعد في سد هذا الفراغ. اليوم، ترى كل من تل أبيب والرياض في طهران تهديدًا وجوديًا لمصالحه كل منما الحيوية، "وإذا أمكن إقامة تعاون استراتيجي أكثر انفتاحًا بين إسرائيل والسعودية، ستستطيعان تعميق الشراكة العربية - الإسرائيلية التي بلورها الرؤية المشتركة إلى الخطر الإيراني، وسيمتد محور اتفاقيات إبراهام من الخليج إلى البحر الأحمر وشرق البحر المتوسط، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وإسرائيل والأردن والمغرب والسودان"، كما يقول كوك وإنديك. لكنهما يستدركان الأمر بالإشارة إلى أن القضية الفلسطينية ما زالت عقبة أمام أي علاقة بين إسرائيل والسعودية.
فالرياض لم تتراجع عن دعمها للقضية العربية ضد إسرائيل، وعن مطالبتها بإنشاء دولة فلسطينية، وتصر على أن تكون المملكة آخر من يبرم سلامًا مع إسرائيل، تقيدًا بما أعلنه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. إلى ذلك، لم يرضَ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، بصفته خادم الحرمين الشريفين، بسيادة إسرائيلية على ثالث الحرمين في القدس. وعندما قررت الإمارات تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وافق الأمير محمد بن سلمان على قرار مملكة البحرين السير في الطريق نفسها، وفتح الأجواء السعودية أمام الرحلات بين تل أبيب والمنامة ودبي وأبو ظبي، ما وفر زخمًا لاتفاقيات إبراهام.
يرى كوك وإنديك أن الاعتماد الأميركي المتزايد على زيادة إنتاج النفط السعودي أقنع الأمير محمد بن سلمان بأن إمكانات العالم اليوم موجودة في السعودية، "وإذا كنتم تريدون تفويتها، أعتقد أن أشخاصًا آخرين في الشرق سيكونون سعداء للاستفادة منها"، كما قال في حوار مع "أتلانتيك" في مارس 2022. ربما هذا ما زاد في الفتور الحاصل اليوم بين واشنطن والرياض، خصوصًا أن الأمن والأمان من التهديد الإيراني هما هاجسا السعودية اليوم.
الأمير محمد بن سلمان مترئساً الجلسة الختامية لقادة #مجموعة_العشرين في الرياض يوم 22 نوفمبر 2020، تصوير بندر الجلعود
الحاجة إلى تفاهم جديد
وإن بقي كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ممعنًا في مساره الحالي، فإن مستقبل العلاقات الأميركية السعودية قاتم.. هكذا يتنبأ كوك وإنديك، فالرياض ترى نفسها اليوم عاجزةً عن الاعتماد أمنيًا على الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإيرانية، وتعلم يقينًا أن بكين وموسكو لن تضحيا بعلاقاتهما الوثيقة بإيران كُرمى لأمن السعودية. لذا، يرجح كوك وإنديك أن تسعى السعودية إلى رسم تسوية ما مؤقتة مع إيران، من دون الإفراط في التفاؤل بشأن حسن النوايا الإيرانية. وربما تسعى السعودية إلى تنشيط برنامجها النووي الخاص، والاقتراب أكثر من إسرائيل؛ إذ تجمع بينهما مصالح مشتركة في ردع إيران، وفي احتواء خطرها الداهم عليهما.
بحسب مؤلفي المقالة البحثية، إن الانفصال بين البلدين سيكون مؤلمًا.. لكن له بعض الفوائد: تحسين العلاقات السعودية - الإسرائيلية وتوسيع "دائرة السلام" في المنطقة، ما يعزز استقرارها؛ إجبار واشنطن على البحث عن بدائل لإنتاج النفط الفائضة في السعودية لتعديل الأسعار؛ تعزيز إنتاجها من النفط الصخري وتشجيع الاستثمار في الإنتاج في أماكن أخرى؛ إعفاء السعوديين من عبء علاقة يعتقدون أنها لم تعد تخدم مصالحهم الأمنية.
إلا أن الحرب الأوكرانية قد تعطل هذا الانفصال. يقول كوك وإنديك: "مع الحاجة الملحة للحد من ارتفاع أسعار النفط على الدول الغربية والنامية، ومع الحاجة الملحة أيضًا لإيجاد بدائل متاحة بسهولة للاعتماد الأوروبي على النفط الروسي، فإن إدارة بايدن مدعوة للعمل الجد من أجل التوصل إلى تفاهم واقعي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقد يتطلب ذلك بذل جهد لإقناع الكونغرس بالموافقة على مبيعات أسلحة جديدة للرياض وتقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري للسعودية إذا استمر حوثيو اليمن في رفض الحل السياسي". كما دعيا الإدارة الأميركية الحالية إلى إعادة نظر جوهرية في التفاهم الأميركي - السعودي الأصلي، تشديدًا على مواجهة التهديد الإيراني؛ فواشنطن تحتاج إلى شركاء إقليميين موثوقين وقادرين على خوض هذه المواجهة، والسعودية خير من يقوك بأعباء الشراكة في هذا الصدد.
الرياض تريد ضمانًا
يرى كوك وإنديك أن ما يقلق السعوديين هو تفضيل الولايات المتحدة التكيّف مع طموحات إيران الإقليمية بدلًا من مواجهتها، فالاتفاق النووي المعقود مع إيران في نظرهم يؤدي إلى تمكين سياسات إيران العدوانية في المنطقة، لذا يخشون إحياءه. وما يقلقهم أيضًا هو أن تتمكن إيران من ملء فراغ يخلفه أي انسحاب أميركي من المنطقة، "وهذا ما يفسر طلب الأمير محمد بن سلمان من مسؤولي إدارة بايدن التقوه أخيرًا ضمانًا أمنيًا مماثلًا للضمان الذي يقدمه حلف الناتو، وبموجبه تتعامل الولايات المتحدة مع أي هجوم على السعودية كأنه هجوم على أراضيها (طلبت الإمارات ومصر ضمانات مماثلة)"، بحسب كوك وإنديك، فالسعودية تتطلع إلى الولايات المتحدة لتوفير رادع أكثر وثوقًا لطموحات إيران النووية والإقليمية، ووسائل أشد فاعلية للدفاع عن نفسها ضد هجمات يشنها وكلاء إيران في المنطقة على الأراضي السعودية، بالصواريخ وبالمسيّرات. وهذا يؤكد أن ولي العهد السعودي لم يفقد اهتمامه الكامل بعقد تفاهم أمني جديد مع الولايات المتحدة، ما يفتح الباب أمام إعادة تصور أكثر جوهرية للعلاقة الأميركية – السعودية، على أن يتضمن هذا التفاهم الجديد اعترافًا أميركيًا بأهمية متزايدة للسعودية في حسابات المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. يضيف كوك وإنديك: "على السعودية الاعتراف، من جانبها، بمسؤوليات قد تتأتى من اضطلاعها بدور بنّاء بصفتها دعامةً للاستقرار في نظام شرق أوسطي مدعوم أميركيًا".
التزام متبادل
يقول مؤلفا المقالة: "ربما يكون التزام معاهدة شبيهة بمعاهدة حلف الناتو واعتبار أي هجوم تتعرض له السعودية هجومًا على الولايات المتحدة ضمانًا رسميًا صعب المنال اليوم، لكن يمكن الولايات المتحدة إعادة تأكيد تعهد ’عقيدة كارتر‘، أي منع أي محاولة معادية للسيطرة على الخليج، ثم الدخول في اتفاق إطار استراتيجي مع السعودية، كما حصل مع سنغافورة مثلًا، وهذا يوفر التزامًا أميركيًا بتعزيز التعاون الدفاعي والأمني الثنائي للتعامل مع التهديدات المشتركة وتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين، ما يلزم الولايات المتحدة الحفاظ على توازن ملائم للقوى في المنطقة وتوفير الوسائل اللازمة للسعودية للدفاع عن نفسها من خلال تعاون دفاعي أوثق مع الولايات المتحدة".
ويؤكد كوك وإنديك أن الموقف السعودي نفسه سيسهل هذه المهمة على بايدن، إذ يمكن الولايات المتحدة أيضًا أن تلتزم إجراء مشاورات فورية في حال وجود تهديد أمني عاجل للمملكة، وإمداد السعودية بقدرات دفاعية كافية وفاعلة. وكلما تعمق التعاون الدفاعي وإمكانية التشغيل البيني لأنظمة الدفاع، تعززت الموثوقية في العلاقة، وزادت مصداقية الردع العسكري الأميركي لأي اعتداء تتعرض له المملكة. أما إذا انهارت مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، واصرت إيران على بلوغ العتبة النووية، فعلى الولايات المتحدة النظر في بسط مظلة نووية فوق السعودية مقابل التزام سعودي بالتخلي عن استحواذ أي قدرات نووية مستقلة، وهذا الأمر يمثل التزامًا أميركيًا بعيد المدى.
خطوات الوصفة السعودية
فيما ينشغل بايدن بخوض حرب بالوكالة مع روسيا في قلب أوروبا، ومواجهة الصين الصاعدة في آسيا، وفيما سئم الأميركيون من التورط في حروب الشرق الأوسط، قد تطلب واشنطن من الرياض بعض الخطوات مقابل الضمانات الأمنية التي يطلبها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
يصنف كوك وإنديك هذه الخطوات ضمن الوصفة الآتية: أولًا، التزام السعودية رسميًا وبشكل مفتوح باستخدام فائض إنتاجها النفطي لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط عند مستويات معقولة، وبالتالي تغيير اتفاق أوبك+ مع روسيا على حصص الإنتاج (أو عدم تجديدها في سبتمبر 2022)، وزيادة إنتاجها النفطي لتزويد أوروبا بالنفط بعد تخليها عن النفط الروسي؛ وثانيًا، التفاهم مع السعودية لإنهاء الحرب في اليمن حتى لو استدعى ذلك انسحابًا سعوديًا أحادي الجانب. ويذكر كوك وإنديك بأن الأمير محمد بن سلمان أظهر استعدادًا للتعاون حين قرر في أبريل 2022 إبرام هدنة مع الحوثيين مدتها شهرين، وحين استبدل الحكومة اليمنية بمجلس رئاسي يعزز العملية السياسية في اليمن، وحين قدم مساعدات إنسانية إضافية ودعمًا ماليًا للنظام المصرفي اليمني، على الرغم من تمادي الحوثيين الذين يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق مكاسب في ساحة المعركة. وبحسبهما، إن انسحابًا سعوديًا من اليمن سيوفر أسبابًا إضافية لإدارة بايدن للالتزام بالدفاع عن السعودية وتزويدها بالأسلحة والتكنولوجيا لمواجهة هجمات الحوثيين بالصواريخ والمسيّرات على أراضيها.
إلى هذه الوصفة، يضيف كوك وإنديك أن مساهمة السعودية في الشراكة العربية الإسرائيلية المزدهرة ستنبع من تأثيرها بصفتها قائدًا للعالم الإسلامي، وواحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، "وبهذه الطريقة، يمكن السعودية أن تساهم في إطار أمني إقليمي تدعمه الولايات المتحدة، قادر على مواجهة إيران ووكلائها"، كما يقولان.
حان الوقت
أخيرًا، يمكن الرئيس الأميركي وولي العد السعودي أن يسلكا الطريق السهل نحو الانفصال، أو يمكنهما العودة إلى اتفاق واقعي نجح في العقود الخمسة الأولى من العلاقات الأميركية - السعودية، "على الرغم من أن هذا النهج لم يكن مستدامًا، وربما تكون التكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة، إن فشلت ثانيةً، كبيرة. وفي الحالتين، ستسعى القوى الخارجية إلى ملء فراغ تتركه الولايات المتحدة في الخليج، وستسعى إيران لتأكيد هيمنتها على العالم العربي، وربما ينطلق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط المضطرب"، كما يقول كوك وإنديك، مؤكدين أن المخاطر والتكاليف التي يتحملها الجانبان، السعودي والأميركي، تحتّم التفكير في طريقة ثالثة تؤدي إلى تقارب استراتيجي، على الرغم من المشقات في هذه الطريق، والتزامات الجدية المتبادلة المطلوبة، "ففي غياب الدعم الأميركي لنظام شرق أوسطي أكثر استقرارًا، ستُجر الولايات المتحدة ثانيةً إلى صراعات هناك في وقت أقرب مما يتخيله الأميركيون، فالحدث الشرق أوسطي يؤثر مباشرةً في المصالح الأمنية الأميركية".
بحسب مؤلفي المقالة، صاغت أزمة أوكرانيا وتطور البرنامج النووي الإيراني معًا لحظةً مفصلية، يمكن فيها التفكير في تعديلات جوهرية وضرورية تضاف إلى العلاقات الأميركية – السعودية.. ضرورية من منطلق أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الشريك السعودي لإدارة الأزمات المتعددة في الشرق الأوسط، والسعودية بحاجة إلى شريك أميركي موثوق لإدارة الأزمات نفسها. ويختمان: "حان الوقت لتعزيز الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية العلاقات بينهما بصوغ ميثاق استراتيجي جديد، يُلائم القرن الحادي والعشرين".
التعليقات