أبيدجان: ترى باماكو وابيدجان حتى الآن في المفاوضات الوسيلة المثلى لتحرير 29 جنديا من ساحل العاج محتجزين منذ شهر في مالي حيث يتهمهم العسكريون بأنهم "مرتزقة" بينما تؤكد سلطات بلدهم أنهم في مهمة لحساب الأمم المتحدة.

تكشف هذه القضية حجم التوتر بين مالي وساحل العاج التي تتهمها باماكو بتشجيع شركائها في غرب إفريقيا على تشديد العقوبات ضد العسكريين الماليين الذين نفذوا انقلابين منذ 2020. وقد رفعت العقوبات أخيرًا في أوائل تموز/يوليو.

وساطة توغو

ولم تنجح وساطة بذلتها توغو حتى الآن لكن المناقشات مستمرة بهدف الإفراج بأسرع ما يمكن عن 29 جنديا كانوا يرتدون بزات عسكرية ولكن غير مسلحين عندما نزلوا في العاشر من تموز/يوليو من طائرة تابعة للشركة الوطنية "إير كوت ديفوار" بينما نقلت طائرة أخرى أسلحتهم.

وقد أوقفوا على الفور وتم استجوابهم حول أسباب وجودهم في مالي "من دون أمر مهمة ولا إذن" بالتواجد فيها حسب السلطات المالية.

في اليوم التالي اتهموا بأنهم "مرتزقة" جاءوا إلى مالي بهدف "تقويض عملية إعادة تأسيس مالي وتأمينها وعودتها إلى النظام الدستوري".

وطالب مجلس الأمن القومي في ساحل العاج برئاسة رئيس الدولة الحسن واتارا على الفور بالإفراج عنهم "من دون تأخير" مؤكدا أنهم اعتقلوا "ظلما".

وأوضح المجلس أن وجودهم يندرج في إطار عمليات الدعم اللوجستي لبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) وهو أمر "متعرفه سلطات مالي جيدًا".

تؤكد الأمم المتحدة ذلك وتعترف في الوقت نفسه "بحالات خلل" بشأن المهمة المحددة لهؤلاء الجنود الذين يشكلون جزءًا من "عناصر الدعم الوطني" وهو إجراء للأمم المتحدة يسمح لوحدات بعثات حفظ السلام باستخدام مزودين خارجيين لعمليات دعم لوجستي.

وقالت البعثة إن "العناصر العاجيين نشروا في سينو (باماكو) لضمان الأمن في قاعدة عناصر الدعم الوطني الألمان في المنطقة نفسها بدلاً من تمبكتو (شمال) حيث تتمركز وحدة ساحل العاج" العاملة في إطار البعثة.

واعترفت بعثة المنظمة الدولية بأنها تخلفت عن "تطبيق بعض الإجراءات".

تصعيد ضد الأمم المتحدة

ومع اعتقال الجنود، صعدت مالي لهجتها ضد بعثة الأمم المتحدة الموجودة على أراضيها منذ 2013 لمساعدتها في محاربة الجماعات الجهادية التي تزعزع استقرارها بأعمال عنف.

وتم تعليق تناوب الوحدات العسكرية والشرطة التابعة للأمم المتحدة وطرد المتحدث باسمها أوليفييه سالغادو وإصدار أمر إلى "القوات الأجنبية" بمغادرة قاعدة في مطار باماكو.

في الوقت نفسه دعت المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي توغو إلى القيام بوساطة من أجل أن تنتهي الأمور على "خير" - أي الإفراج عن الجنود - وهي مبادرة قبلتها حكومة أبيدجان.

وجرت المفاوضات الأولى في 28 تموز/يوليو في لومي لكنها لم تسفر عن نتيجة.

وطالبت مالي ساحل العاج بالاعتراف بمسؤوليتها والتعبير عن "أسفها" لنشر جنود على أراضيها من دون إطار قانوني، حسب مصادر دبلوماسية قريبة من المفاوضات.

كما طلبت باماكو من أبيدجان تسليم شخصيات مالية موجودة في ساحل العاج ومطلوبة من المحاكم المالية، حسب المصادر نفسها. لكن أبيدجان رفضت عددا كبيرا من المطالب.

لكن مصدرا توغوليا مطلعا على الملف قال "نواصل المباحثات مع البلدين الشقيقين بتصميم على تسوية سلمية للقضية".

وساطات

كما تدخل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي شريف مدني حيدرو وكبير أساقفة باماكو جان زيربو لدى المجلس العسكري في مالي بهدف التوصل إلى تسوية ودية، وكذلك الزعيم الديني المؤثر في نيورو (جنوب غرب البلاد مالي) شريف بويي حيدرة، بحسب مصادر قريبة منهم.

وفي مؤشر إلى رغبة مالي في ترجيح حل تفاوضي حاليا، لم تؤد الإجراءات القانونية التي بدأت في باماكو ضد جنود ساحل العاج إلى توجيه أي تهم حتى الآن.

وأكد المتحدث باسم حكومة ساحل العاج أمادو كوليبالي أن أبيدجان "تفضل الحوار" من أجل تحرير جنودها و"المناقشات جارية".

واضاف أن "كل الجهود تبذل من أجل عودة جنودنا إلى عائلاتهم"، معترفا بأن "الأمر قد يستغرق وقتا طويلا".

معنويات مرتفعة

وفي اجتماعه الأخير الخميس، أعرب المجلس الوطني لساحل العاج عن أسفه لأن السلطات المالية "تواصل احتجاز هؤلاء الجنود بشكل تعسفي على الرغم من كل التفسيرات والأدلة التي قدمتها سلطات أبيدجان لإثبات الطبيعة القانونية والسليمة لمهمتهم".

لكنه أضاف "بعد رفض مرات عدة من جانب السلطات المالية تمكن القائم بالأعمال والملحق العسكري لسفارة ساحل العاج في مالي أخيرًا من مقابلة الجنود ال49" الذين "يتمتعون بمعنويات مرتفعة".

ونقل هذه الرسالة المطمئنة إلى عائلات الجنود، وزير دفاع ساحل العاج تيني براهيما واتارا خلال اجتماع عُقد في الثالث من آب/أغسطس.

من جهته، أكد الرئيس واتارا في خطاب السبت أن "ساحل العاج لن تتخلى عنهم أبدا".