واشنطن: مرة أخرى، يستعد العالم لمواجهة محتملة بين جو بايدن ودونالد ترامب، لكنها ستكون أكثر حدة في إطار التداعيات الممكنة للفضيحة الجديدة للرئيس السابق بعد العثور على وثائق "سرية للغاية" في منزله في فلوريدا.

وبعد عامين على هزيمته في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الديموقراطي وأثناء عملية تفتيش قام بها مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لمنزله في مارالاغو بفلوريدا، عثر على وثائق "سرية للغاية"، ما يعدّ انتهاكاً محتملاً لقانون الأمن القومي.

ولكن من المفارقات أنّ هذه الوقائع قد تعطي دفعاً لرجل الأعمال السابق الذي كان يلمح بالفعل إلى احتمال ترشحه من جديد للانتخابات الرئاسية في 2024، لأنها ستسمح له بتصوير نفسه مرة أخرى على أنه ضحية.

وقال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام لشبكة فوكس نيوز "كنت أعتقد أنه سيعلن ترشحه قبل ذلك، والآن بتّ أكثر اقتناعاً بذلك".

مع ذلك، يرى الخبراء أنه إذا أعلن الرئيس السابق ترشّحه، فمن المؤكد أنّ جو بايدن سيفعل ذلك أيضاً. حتى لو كان أكبر رئيس للولايات المتحدة سنًا في المنصب (79 عاماً)، يعتبر أنّ إنقاذ أميركا من دونالد ترامب مسؤوليّة تاريخية ملقاة على عاتقه.

ولكن على عكس ما حدث في 2020، ستنقلب الأدوار بوجود جو بايدن في المنصب ضدّ دونالد ترامب كمعارض.

ونظراً لادعاءات ترامب بشأن انتصاره في العام 2020، ودوره في الهجوم على مبنى الكونغرس (الكابيتول)، قد لا تكون متابعة "مباراة العودة" ممتعة.

وفي هذا السياق، يحذّر ألان ليشتمان أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية من أنه "إذا كنتم تعتقدون أنّ الحملات الانتخابية الرئاسية لعامي 2016 و2020 كانت بغيضة، فأنتم لم تروا شيئا بعد".

تغيير قواعد اللعبة

يرى خبراء سياسيون أنّ تفتيش منزل ترامب من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي يغيّر قواعد اللعبة، ويمكن أن يفيد المُعسكرين.

من وجهة نظر جو بايدن، من السهل اعتماد المنطق التالي: ترامب متورّط في العديد من التحقيقات القانونية حول محاولات محتملة للتأثير على الانتخابات أو حتى قضايا احتيال مالي.

هذا أمرٌ محرج للجمهوريين ومحفّز للديموقراطيين الذين يحلمون بشكل متزايد بتحقيق انتصار مفاجئ في انتخابات منتصف الولاية في تشرين الثاني/نوفمبر، لا سيما أن هذه الانتخابات تقرّر مصير الكونغرس.

وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال المحافظة، في افتتاحيتها أنه على الجمهوريين "خوض انتخابات منتصف الولاية كما لو كانت استفتاءً على أول عامين لـ(رئاسة) بايدن"، مشيرة إلى أن "الديموقراطيون من جهتهم يفضلون التحدّث عن ترامب حتى آخر لحظة - أي حتى تشرين الثاني/نوفمبر".

مع ذلك، سيستفيد ترامب أيضاً من الأمر. فهو يتصدّر الأحداث مرّة أخرى. كما يمكنه أن يقدّم نظرية مؤامرة جديدة إلى قاعدته، وهو ما ينتشر بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المليئة بدعوات إلى حمل السلاح وإلى حرب أهلية.

يقول ريتشارد لوري من مجلة ناشيونال ريفيو المحافظة إن "دونالد ترامب يملك أكثر من مئة مليون دولار في صندوقه الانتخابي. لكن لديه أيضاً ما هو أثر قيمة: تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي ضدّه". ويضيف أن "ذلك يعيده إلى مركز الاهتمام ويتيح له تقديم نفسه على أنه ضحية محاصرة".

ستؤدي سيطرة دونالد ترامب على حزبه إلى تحقيقه فوزاً ساحقاً أمام أيّ خصم محتمل في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.

ويقول الخبير الاستراتيجي السياسي الجمهوري جون توماس لصحيفة "بوليتيكو"، إنه إذا أراد ترامب تولّي المنصب "فأنا لا أرى كيف يمكن أن يخفق في ذلك"، معتبراً أن "الأمر سيكون تتويجا له".

سيتبعه جو بايدن بالتأكيد في اتخاذ خطوة الترشّح، متجاهلاً الشكوك التي ربما تساوره أيضاً بشأن ضرورة إفساح المجال لشخصية أصغر سناً.

بايدن ينتظر ترامب

وترى لارا براون من جامعة جورج واشنطن أن "الخطوة الأولى تعود لترامب". وتقول "أعتقد أنّ الرئيس بايدن ينتظر ليرى ما إذا كان ترامب سيعلن ترشّحه، وإذا فعل، فأعتقد أنه سيعلن ترشّحه هو أيضاً بعد فترة وجيزة".

والديموقراطي غير المحبوب والذي عاش عاماً صعباً، سجّل مؤخّراً نجاحات تشريعية. كما يمكنه الاستفادة من الغضب الذي أثارته قرارات المحكمة العليا، خصوصاً بشأن الحق الدستوري في الإجهاض.

وهذا يدفع بعض المستشارين على التفاؤل بشأن قدرته على التغلّب على خصمه الجمهوري. حتى أنّ جو بايدن قال في آذار/مارس "في الانتخابات المقبلة، سأكون محظوظاً جداً إذا كان لدي الخصم نفسه أمامي".

لكن الناخبين قد لا يريدون أيّاً منهما.

ففي تموز/يوليو، اعتبر حوالى ستينبالمئة من الناخبين أنّ بايدن يجب أن لا يترشّح لانتخابات العام 2024، فيما أعرب 57 في المئة عن الرأي ذاته بشأن ترامب.