باريس: تتسع في فرنسا ومقاطعة كيبيك الكندية وإسبانيا دائرة مؤيدي فكرة إيجاد سبل قضائية خاصة للتعاطي مع العنف الأسري، بهدف التصدي بشكل أفضل للقضايا المأسوية في هذا المجال.
ويرتكز هذا المسار على فكرة بسيطة تتمثل في أنّ إقامة محاكمة خاصة لأنواع العنف الخاصة. ويقول القاضي إدوار دوران، وهو قاضي أحداث سابق في بوبينيي بضواحي باريس ومتخصص في هذا الموضوع، لوكالة فرانس برس إنّ "العنف ضد المرأة ليس من اختصاص القانون العام".
وتقول المحامية ميشيل دايان التي تناضل جمعيتها "لويرز فور ويمن" (محامون من أجل النساء) من أجل استحداث نيابات عامة متخصصة في المحاكم الكبرى من خلال استنساخ ما هو قائم أصلاً في الجرائم المالية، إنّ "ممارسة شخص ما العنف في أي مكان عام ليس مماثلاً لضربه زوجته".
وتتابع "هناك عدد كبير من القضايا لم تُستكمل قضائياً لعدم توافر الأدلة أو العناصر الجرمية الكافية، وهو ما ينطوي على سخافة"، مضيفةً "لو كانت هناك محكمة متخصصة لكانت غاصت في تفاصيل الملف".
محكمة متخصصة
وبعد خمس سنوات على بدء حركة "مي تو"، أنشأت مقاطعة كيبيك الكندية الناطقة بالفرنسية أول محكمة في العالم متخصصة في قضايا العنف الجنسي والأسري.
وتوفر هذه المحكمة موارد مالية ومزيداً من المدعين العامين المتخصصين بهذه القضايا، بالإضافة إلى تدريب القضاة والشرطة ومساعدة الضحايا طيلة فترة المحاكمة، وإعادة تنظيم قاعات المحاكم.
وقال وزير العدل في كيبيك سيمون جولان-باريت خلال تصريح أفاد به أخيراً وكالة فرانس برس "إنها رسالة ذات تأثير قوي وفكرة جماعية نرغب في إيصالها: لا مكان لهذه الجرائم في مجتمعنا".
وفي فرنسا، ليست السلطة التنفيذية بعيدة عن الجدل القائم في شأن هذا الموضوع، خصوصاً مع ازدياد الدعاوى القضائية عقب حركة "مي تو" (بلغت الزيادة 10% بين عامي 2019 و2020 من دون احتساب قضايا قتل النساء).
وأكدت وزيرة شؤون المساواة بين الجنسين إيزابيل روم أخيراً أنّ هذه الجرائم ينبغي أن تخضع لمحاكمة "خاصة" وعلى لجنة برلمانية أن تبدأ درس هذا الموضوع بناءً على طلب من رئيسة الوزراء إليزابيت بورن.
وفي مدن رانس (شمال شرق) ورين وشارتر (غرب) الفرنسية، بدأت أصلاً تُعقد محاكم مخصصة لقضايا العنف الأسري يشارك فيها نفس القضاة والمدعين العامين.
المعاملة القضائية المناسبة
ويقول صاحب المبادرة مدعي رانس العام ماتيو بوريت لوكالة فرانس برس إنّ هذه الخطوة "تتيح تعزيز كفاءة الحقوقيين وتقييم الحالات وتكوين اجتهادات قانونية".
ويؤكد مروّجو فكرة إنشاء المحكمة الخاصة أنّ هذا التخصص سيتيح أيضاً استخدام مزيد من أدوات الوقاية الجديدة. وبعد إقرارها سنة 2020، استغرقت أساور مكافحة التحرّش وقتاً لتصبح مستخدمة بصورة كبيرة. وحتى اليوم، فُعّل 860 سواراً من أصل ألف سوار موضوعة في تصرف القضاءين المدني والجزائي.
ويطال هذا الجدل التسلسل القضائي بأكمله بدءاً من المباشرة بالدعاوى أو عدمها (على مستوى النيابة العامة)، وصولاً إلى مرحلة النطق بالحكم ثم "المتابعة التي تلي الحكم" (تطبيق الأحكام ، الدعم الاجتماعي والقضائي).
ويقول القاضي دوران "ما يشهد تغييراً هو أن كل شخص بدأ يدرك أن المعاملة القضائية المناسبة لقضايا العنف الأسري تتطلب التخصص نفسه على غرار القانون الاقتصادي والمالي، لأن هذه القضايا فيها جوانب عدة".
الجوانب المدنية والجزائية
ويصعب تالياً الفصل بين أعمال العنف و"المفاعيل الناجمة عنها"، فالمشاكل المرتبطة باحتمال انفصال الزوجين، هي من اختصاص قاضي شؤون الأسرة، أما حماية الأطفال فهي من اختصاص قاضي الأحداث.
هل ينبغي إذاً إنشاء محاكم خاصة أو تعيين قضاة متخصصين في قضايا العنف الأسري؟
ترى نائبة رئيس اتحاد القضاة قاضية الأطفال السابقة سيسيل ماملان أن هذه الفكرة "تحمل خطر إعطاء أولوية لنزاع على حساب آخر".
ويشير مدعي رانس العام من جانبه إلى "خطر يتمثل في أنّ المحاكم التي لن تضطر بعد ذلك للتعامل مع هذه المسألة ستهمل الآثار الجانبية الناتجة من العنف الأسري"، مبدياً تأييده لأن تنظر المحكمة نفسها في جوانب (المدنية والجزائية) القضية الأخرى.
التعليقات